ما هي مكانة مريم الملكة الأمّ وهل عندما نحبّها كأمّ نُنقص من محبّتنا لله؟
مكانة مريم وحقيقة التعبّد لها
تزداد في الآونة الأخيرة التعدّيات على كرامة سيدتنا العذراء أمّ الله، ورفض فكرة التعبّد لمريم ويعمل البعض على إلقاء الشكوك بين المؤمنين لتشويه صورة مريم الكليّة القداسة والطعن في كرامتها ومكانتها ليس فقط بين الشعب بل أيضاً في الكنيسة.
عندما يواجه المسيحي معضلة أو مشكلة إيمانية فمرجعه هو الكتاب المقدّس أولاً وتعليم الكنيسة ثانياً.
هل يوجد في الكتاب المقدّس ما يكشف لنا عن مكانة الملكة الأم؟ نعم. بما أن الرب يسوع هو ملك الملوك، فمريم العذراء هي الملكة الأمّ.
ما هي مكانة الملكة الأمّ في الكتاب المقدّس.
في العهد القديم هناك أمثلة كثيرة على مكانة الملكة الأمّ وقدرتها على الشفاعة:
في سفر الملوك الأول أتى أدونيا ابن داود الى الملكة بتشبع طالباً منها أن تشفع له عند ابنها الملك سليمان
استجابت الملكة لطلبه وذهبت الى سليمان ابنها الملك! يقول الكتاب المقدّس أنه عندما دخلت عليه «قَامَ الْمَلِكُ لِلِقَائِهَا وَسَجَدَ لَهَا وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَوَضَعَ كُرْسِيًّا لأُمِّ الْمَلِكِ فَجَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ».(ملوك اول 19:2)
اذا كان الملك الأرضي الإنسان الخاطئ يُكرم أمّه، فكم بالإحرى الملك السماوي. مريم في عرس قانا الجليل، تشفّعت لأهل العرس والإبن الإلهي وإن لم تكن ساعته قد حانت، قبِل شفاعتها ولم يرفض طلب أمّه.
مثال آخر نجده في مزمور 45
«جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ… كُلُّهَا مَجْدٌ ابْنَةُ الْمَلِكِ فِي خِدْرِهَا. مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ مَلاَبِسُهَا».
الملكة التي يتكلّم عنها المزمور ليست سوى مريم العذراء. هي ملكة السماء والأرض، أم الملك يسوع وابنة الملك الآب.
وسفر الرؤيا يتكلّم أيضاً عن الملكة الأمّ:
“ثم ظهرت آية بيّنة من السماء: إمرأة ملتحفة بالشمس والقمر تحت قدميها ،على رأسها إكليل من إثني عشر كوكباً حبلى تصرخ من ألم المخاض”.
إكليل من إثني عشر كوكباً – يرمز الى ملوكيتها. حبلى – تلد طفلاً أي أنها أمّ. والقمر تحت قدميها – أي لديها سلطان وقدرة معطاة لها من الله.
هل محبّتنا لمريم العذراء تُنقِص من محبّتنا لله تعالى؟
إليكم 10 براهين بأننا عندما نحبّ مريم ونتعبّد لها إنما نعمل بمشيئة الله وإرادته.
1- أن نحبّ مريم يعني أن نُرضي الله – لا يمكن لإنسان أن يُحبّ مريم أكثر من الله وليس بمقدور مخلوق أن يكرّمها أكثر مما يكرّمها الله. فهي المختارة من بين جميع النساء لتكون أمّ ابنه الوحيد وعروس الروح القدس.
2- أن نحبّها يعني أن نتمثّل بيسوع الذي أحبّها وأكرمها عاملاً بوصية الله “أكرم أباك وأمّك”
3- أن نحبّها يعني أن نتمثّل بالقديسين. لا نعرف عن قديس لم يحبّ مريم حبّاً عظيماً ولم يكرّمها. وأغلبهم نادراً ما كانوا بدون مسبحتها الوردية في يدهم.
4- مريم لديها تأثير على الرب يسوع – قام المسيح بأولى معجزاته تلبية لطلبها. طوال حياتها على الأرض كانت ترغب فقط بإتمام مشيئة الله. إذاً، لقد صنعت ما يرضيه ويسرّه. وبالمقابل ألا نتوقع من الله الذي هو المحبّة بذاتها أن يبادلها الحبّ ويعطيها لها ولمن يطلب من خلالها كل ما تريد؟
5- مريم دائماً مع يسوع . كانت الأمّ الطوباوية، جزءاً لا يتجزّأ من سرّ التجسّد، ميلاد يسوع، ومعجزته الأولى، وكانت حاضرة في آلامه وموته، وعند حلول الروح القدس في العنصرة. الجزء الأول من السلام الملائكي يتركّز بمكانتها عند الله وبابنها يسوع. فنحن نأتي الى يسوع عن طريق مريم.
6- نحبّ مريم وهذا تعبّد يعود تاريخه الى الكنيسة الأولى. لو كان في هذا التعبّد والحبّ ما يهين الله، هل كان سيسكت ويدع شعبه في ضلال؟
7- محبّة مريم كأمّ لنا وقدرتها على الشفاعة ومكانتها عند عرش الله، لها رموز في الكتاب المقدّس، مثال على ذلك ما ذكرناه سابقاً عن الملكة الأمّ.
8- الله لا يزال يُرسل لنا أمّه. يكفي أن نذكر الظهورات المريمية المثبتة. فجميع رسائلها توجّهنا نحو ابنها الرب يسوع. وبالمقابل أراد الله إنشاء عبادة قلبها الطاهر (كما جاء في رسالة فاطيما). كيف يمكن أن يعزّز الله التعبّد لمريم إذا كان ذلك يهينه؟
9- يكافئ الله البشر على محبّتهم لمريم بمنحهم المعجزات والشفاءات. كم اعجوبة حصلت بشفاعتها بعد أن قامت الشعوب والأفراد بتلاوة ورديتها؟
10- مريم هي الأطهر والأحنّ والأجمل! من يطعن بذلك يطعن قلب يسوع نفسه. فهل يمكن أن يخلق الله أطهر من التي ولدته هو الطاهر. وهل يخفق قلب أمّ بحنان نحو طفلها أكثر من قلب تلك التي أصبحت أمّ الله؟ وهل يوجد جمال يفوق حديقة الله السريّة وحاملة إله كل جمال والمتسربلة بالشمس أمّ النور؟
هذه فقط 10 أسباب تجعلنا نهيم بحبّ مريم! لو أردنا أن نجمع كل الأسباب لن تكفينا مجلدّات كثيرة.
ليسوع أيضاً ما يقوله بهذا الخصوص. ففي ظهورات سيدة الوردية في الأرجنتين (التي أثبتتها الكنيسة مؤخراً) كان للرب يسوع ظهور خاص تكلّم فيه بشكل واضح عن أمّه العذراء ودورها في مخطّطه لخلاص البشر. لا شك أن الله يعلم بالحرب التي تقودها جهنّم ضد ملكة السماء ويقع ضحيّتها الكثيرون من المسيحيين. إنها حرب بين السماء والجحيم على خلاص النفوس. ومريم العذراء هي الوحيدة لتي أعطُيَت القدرة على سحق رأس الأفعى وهي من ستقود الجند السماوي وجنودها على الأرض – رُسُل قلبها الطاهر.
فيما يلي ما قاله الرب يسوع:
– يجب أن تُقبل أمّي. يجب أن يُسمع لها في مجمل رسائلها.
– قلب أمّي هو المختار كي تصبح رغبتي حقيقة. النفوس ستجدني من خلال قلبها الطاهر.
– سابقاً أُنقِذ العالم بواسطة فلك نوح. اليوم الفلك هي أمّي. بواسطتها ستخلص النفوس لأنها ستجلبها إليّ. الذي يرفض أمّي، يرفضني.
القديسة فيرونيكا جولياني ابنة العذراء المفضّلة قالت عنها:
“لقد أتى يسوع إلينا عبر مريم و يريدنا الذهاب إليه على الدرب عينه.”
“من يبتغي النِّعم يجب عليه أن يلجأ إلى قلب مريم المتألم.”
وهذه أقوال القديس جان فياني خوري آرس عن أمّ الإله:
“إن قلب مريم حنون للغاية، حتى إننا إذا جمعنا كل قلوب الأمهات لوجدناها مثل قطعة جليد بالنسبة إلى قلب مريم الطاهر”.
“سعيد هو من يحيا ويموت تحت حماية أمنا مريم العذراء”.
“فوق في السماء، مريم العذراء تملك كل النعم وتوزعها على البشر المحتاجين إليها على الأرض”.
أخيراً، على المؤمنين والكهنة يجب أن تكون طاعتهم الأولى للمسيح ولتعاليم الكنيسة المقدّسة. وإن انحرف أحد عن هذه الطاعة المقدّسة وعلّم بما يخالف تعاليم الرب والكنيسة نحن محرّرون من واجب طاعته بل ملزمين بالبحث عن كل ما يدحض التعاليم الخاطئة وتحذير الإخوة وتوضيح الحقائق الإيمانية بكل أمانة.
كل مسيحي مثقّف يمكنه اليوم أن يجد بنفسه ما تعلّمه أو تحكم به الكنيسة بشأن أي موضوع كان، لاهوتي، عقائدي أو حتى تعبّد شعبي. لكن ينبغي أن تكون هذه المعرفة الإضافية مساعدة للتفاهم المتبادل وليس سلاحاً للخلافات.