عبادة ومعجزات القربان الأقدسمواضيع روحية

لصوص سرقوا قرابين مقدسة فحدثت المعجزة المذهلة وما زالت مستمرة -معجزة الإفخارستيا في سيينا

معجزة الإفخارستيا في سيينا

تعود جذور معجزة الإفخارستيا الثانية في سيينا – ايطاليا، الى القرن ال 13 عندما أُدخلت احتفالات خاصة تكريما للسيدة العذراء في عيد انتقالها المجيد الى السماء. هذه الاحتفالات التقليدية، كانت لا تزال جارية في زمن المعجزة. في ليلة عيد الإنتقال في 14 اغسطس/آب 1730 وخلال الإحتفالات الاستعدادية للعيد، حين كان معظم سكان سيينا ورجال الدين يحضرون هذه الإحتفالات، دخل لصوص كنيسة القديس فرنسيس ، استغلّوا غياب الرهبان المتواجدين في الإحتفال وجدوا مفتاح بيت القربان الأقدس عند المذبح، فتحوه واستولوا على الحقّ -الإناء الذهبي – الذي يحتوي على القرابين المكرّسة وفرّوا هاربين.
لم تُكتشف السرقة إلا في صباح اليوم التالي، عندما فتح الكاهن بيت القربان أثناء القداس ووجده فارغاً. لاحقاً وجد أحد ابناء الرعية عطاء الحقّ ملقيّاً في الشارع، أكدّ ذلك على الإشتباه بعملية تدنيس المقدّسات.
آلَم هذا الخبر أبناء الرعية مما أدّى الى إلغاء الإحتفالات التقليدية لعيد انتقال العذراء الى السماء. وأمر رئيس الأساقفة أن تقام صلوات تعويض عمة، في حين بدأت السلطات المدنية في البحث عن القرابين المسروقة والسارقين الأوغاد.
بعد يومين، في 17 آب، وبينما كان يصلّي، لفت انتباه كاهن في كنيسة القديسة مريم في بروفنزانو الى شيئاً أبيضاً يبرز من صندوق التقادم القريب من المركع حيث كان ساجداً يصلّي. فأدرك أنه برشانة. فأسرع يُبلغ باقي الكهنة الموجودين في الكنيسة ، والذين بدورهم أرسلوا خبراً الى رئيس الأساقفة والرهبان في كنيسة مار فرنسيس.
عندما فُتح صندوق التقادم، بحضور الكهنة المحليين وممثّل عن رئيس الأساقفة، تم العثور على على عدد كبير من القرابين، بعضها متصل ببعض بواسطة خيوط عنكبوت. قاموا عندئذٍ بمقارنتها مع بعض قرابين غير مكرّسة المستخدمة في كنيسة القديس فرنسيس، مما أثبت أنها في نفس الحجم وعليها نفس الرسم المطبوع الذي مصدره القوالب المعدنية التي خُبز فيها. عدد القرابين كان موافقاً للعدد الذي قدّره الرهبان الفرنسيسكان بأنه كان موجود بالآنية المسروقة. -348 قربانة كاملة و 6 أنصاف.
بما أن صندوق التقادم لا يتم فتحه سوى مرة واحدة في السنة، كانت القرابين مغطّاة بالغبار والأوساخ التي تراكمت فيه. بعد تنظيفها بعناية وحذر من قبل الكهنة، وُضعت القرابين في حقّ (وعاء القربان) ومن ثم في بيت القربان عند المذبح الرئيسي في كنيسة القديسة مريم. في اليوم التالي، باشتراك جموع كبيرة من أبناء البلدة، قام رئيس الأساقفة الساندرو زوندادار Archbishop Alessandro Zondadari بحمل القرابين المقدسة في موكب رسمي مهيب الى كنيسة القديس فرنسيس.

معجزة الإفخارستيا في سيينا

خلال القرنين التاليين تسائل البعض لماذا لم تُستعمل هذه القرابين في القداديس بواسطة الكهنة، وهو العمل المتّبع والإجراء العادي في تلك الحالة. لا توجد إجابة واضحة على ذلك، لكن هناك نظريتان. أحد التفسيرات هو أن الجموع من سيينا والبلدات المجاورة تجمّعوا في الكنيسة لتقديم صلوات تعويض للرب يسوع قبل تنظيف القرابين من الضرر والغبار، مما اضطر الكهنة للحفاظ عليها لبعض الوقت.والسبب الآخر لعدم استخدام القرابين في المناولات قد يكون بسبب حالتهم المتّسخة. بعد أن قام الكهنة بتنظيفها بشكل أولي، إلا أن بعضها بقيت متّسخة. في هذه الحالة تسمح الكنيسة بوضع القرابين في الماء بحيث تتحلّل بشكل طبيعي. لدهشة الكهنة القرابين لم تتحلّل بل بقيت غضّة وحتى احتفظت برائحة لطيفة شهيّة. مع مرور الوقت اصبح دير الفرنسيسكان على يقين في أنهم يشهدون معجزة  الإفخارستيا المستمرّة.
بعد خمسين عاماً من استعادة القرابين المقدسة المسروقة، تم إجراء أول تحقيق رسمي في البحث بصحّة المعجزة. اقام الأمين العام للرهبانية الفرنسيسكانية الأب كارلو فيبيرا Father Carlo Vipera باختبار وفحص القرابين في 14 نيسان 1780وقام بتذوّق وتناول واحدة منهم، فوجد طعمها طازج وغير فاسد. بما أنه تم توزيع عدد من القرابين في السنوات الأخيرة أمر الأمين العام الأب فيبيرا بوضع القرابين ال 230 المتبقّية في آنية جديدة ومنع توزيعها ومناولتها.
تحقيق مفصّل آخر عُقد في عام 1789 من قبل رئيس أساقفة سيينا تيبريو بورغيس Archbishop Tiberio Borghese  مع عدد من اللاهوتيين وغيرهم من كبار الشخصيات. بعد فحص القرابين تحت المجهر، أعلنت اللجنة أن القرابين سليمة تماماً ولا تُظهر اي علامة على التحلّل او اي تغيير في حالتها. كما قام رئيس الأساقفة باستجواب الرهبان الفرنسيسكان الثلاثة تحت القسم،الذين كانوا حاضرين في التحقيق السابق عام 1780. وتم التأكيد على أن القرابين التي تم فحصها ودراستها هي ذاتها التي سُرقت عام 1730.
كاختبار إضافي للتأكد أكثر من صحة المعجزة، أمر رئيس الأساقفة بوضع عدد من القرابين غير المكرّسة في صندوق مغلق وأُبقي مقفلاً في مكتب المحفوظات الأسقفية . وبعد مرور 10 سنوات فُتح الصندوق فوُجدت القرابين أنها ليس فقط تشوّهت، بل أيضاً إصفرّت وتلفت. في عام 1850، اي بعد 61 عاماً، تم العثور على هذه القرابين غير المكرّسة قد تفتّتت الى جزيئات ذات لون أصفر، بينما القرابين العجيبة ازدادت نضارة مع الزمن.
أجريت اختبارات أخرى عليها على مرّ السنين، أهمها تحقيق عام 1914، التي أمر به البابا القديس بيوس العاشر. لهذا التحقيق اختار رئيس الأساقفة مجموعة متميّزة من المحقّقين، والتي شملت العلماء وأساتذدة من جامعات سيينا وبيزا، ولاهوتيين ورجال دين ومسؤولين كنسيين.
أشارت نتائج فحص الحمض والنشا الذي أجريَ على واحد من هذه القرابين العجائبية، أنها تحتوي على نشا طبيعي. نتج عن الإختبارات المجهرية أنها مصنوعة من دقيق القمح المنخول، الذي حافظ بشكل لا تفسير علمي له على جودته بالرغم من مرور عشرات السنين.
صرّحت اللجنة في تقريرها أن الفطير إذا أُعدّ تحت ظروف معقّمة وحُفظت بإحكام في حاويات معقّمة، يمكن أن تبقى سليمة لفترة طويلة . وتمّ الحسم في أن القرابين المسروقة أُعدّت بطريقة اعتيادية، دون الإحتياطات العلمية وأبيَت في ظروف عادية التي كان ينبغي أن تُسبّب بتلفها وتسوّسها وتحلّلها . وخلاصة التحقيق كانت الإعلان عن أنّ حفظ القرابين لسلامتها لفترة قرن من الزمن هو أمر فائق للطبيعة. واعترفوا أنهم أمام معجزة الإفخارستيا المدهشة.
كان البروفيسور سيرو غريمالدي، أستاذ الكيمياء في جامعة سيينا ومدير مختبر البلدية الكيميائية، فضلا عن صاحب العديد من المناصب المتميزة الأخرى في مجال الكيمياء، الرئيس الكيميائي للجنة التي اختبرت ودرست القرابين المقدسة في عام 1914. وبعد ذلك، وقدم بيانات مفصلة حول الطبيعة الخارقة للقرابين وكتب كتابا عن معجزة بعنوان عبادة
علمية كتب فيه:
“القرابين المقدسة – فطير دون خميرة، تقدّم مثالاً للحفاظ الكامل… ظاهرة فريدة تقلب القانون الطبيعي للحفاظ على المواد العضوية. بل هو حقيقة فريدة من نوعها في تاريخ العلم.”
في عام 1922 أجري تحقيق آخر، بحضور الكاردينال جيوفاني تاتشي، الذي كان يرافقه رئيس أساقفة سيينا وأساقفة مونتيبولسيانو، فولينيو وغروسيتو. مرة أخرى كانت النتائج هي نفسها: مذاق القرابين مثل الفطير، انشويّة في تكوينها ومحفوظة تماما.
في عام 1950 تم نقل القرابين العجائبية من الآنية القديمة ووضعها في آنية جديدة وثمينة جداً، مما لفت انتباه اللصوص. وهكذا ، على الرغم من الإحتياطات ، وقعت سرقة ثانية في ليلة 5 آب 1951. هذه المرة كان اللص مراعياً وحذراً فسرق الآنية الذهبية وترك القرابين في زاوية بيت القربان. بعد عدّ ال 133 قربانة، ختمها رئيس الأساقفة بنفسه في آنية من الفضّة. في وقت لاحق، بعد أن صُوّرت، وضعت في آنية جديدة بدل تلك التي سُرقت.
يتم عرض القرابين العجائبية في مناسبات مختلفة، لكن بشكل خاص تُعرض يوم 17 من كل شهر. وهو اليوم الذي يُحتفل باسترجاعها بعد السرقة الأولى عام 1730. في عيد جسد الرب يتم وضع القرابين المقدسة في آنية خاصة ويُقام تطواف احتفالي كبير في موكب عظيم من الكنيسة في شوارع البلدة، يشارك به الشعب.

معجزة الإفخارستيا في سيينا

ومن بين الزوار البارزين الذين قدّموا التكريم والسجود للقرابين المقدّسة كان القديس يوحنا بوسكو. وكذلك القديس البابا يوحنا الثالث والعشرين، الذين وقع على ألبوم الزوار في 29 مايو 1954، عندما كان لا يزال بطريرك فينيسيا. والبابا القديس يوحنا بولس الثاني في 14 ايلول 1980 . وعلى الرغم من أنهم لم يتمكنوا من زيارة القرابين العجائبية، أصدر كل من الباباوات بيوس العاشر، بندكتس الخامس عشر، .
بيوس الحادي عشر وبيوس الثاني عشر تصريحات تدل على اهتمامهم وإعجابهم العميق بالمعجزة الإفخارستية المستمرّة.
أصوات لا تُحصى من المؤمنين، الكهنة، الأساقفة، الكرادلة والباباوات بهرتهم هذه المعجزة واعترفوا أنها معجزة دائمة وكاملة والتي تعدّت ال 280 عاماً.
حتى يومنا هذا، ما زالت القرابين المقدّسة العجائبية محتفظة برونقها بالتمام، وبرائحة الفطير المميّز. بما أنها بقيت في هذه الحالة من الكمال محتفظة بشكل الخبز، تؤكّد لنا الكنيسة أنه بالرغم من أنها تكرّست وتقدّست متحولة الى جسد المسيح في العام 1730، لا تزال حتى اللحظة جسد الرب الأقدس. وهي تكرّم وتُبجّل في كنيسة القديس فرنسيس في سيينا منذ 287 عاماً.

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق