“يقتل العالم نفوس الأطفال أمام عينيّ، وأنا، ماذا أستطيع أن أفعل؟” حديث الرب يسوع مع الطفل فان
عندما كان يسوع طفلاً، بماذا كان يلعب؟ يخبر بعض القديسن الصوفيين أن الطفل يسوع كان يأتي للعب معهم عندما كانوا أطفالاً، ويظنون أن الجميع يرونه أيضاً. مثل القديسة فيرونيكا جولياني التي كان يسوع يرافق حياتها منذ طفولتها المبكّرة، وغيرها من القديسين.
جرى هذا الحديث بين الطفل يسوع والصغير فان من الفيتنام (تدرس الكنيسة دعوى تطويبه بعد أن أعلنته مكرَّم، برئاسة المونسينيور نفوين فان ثويان):
– يسوع: فان، أتُحبّني؟ مساء أمس، لماذا ضحكت وأنت تتأمّل الدموع التي ذرفتُها في المغارة؟ عند ميلادي وجدت نفسي كليّاً في وضع الأطفال الصغار الآخرين ذاته. قاسيت إذاً البرد والحزن. في ذلك الحين، لو كنت هناك تتحدّث إليّ، لما بكيتً على الأرجح. لو سمعتُ كلمات حبّ، كما الآن، لنسيتُ بلا شكّ، البرد كليّاً.
– فان: بالمناسبة، يسوع، عندما كنت على الأرض، هل أكلت سمكاً؟ هل أكلت أطباقاً شبيهة بالتي آكلها؟
– يسوع: طبعاً أكلت أطباقاً شبيهة بالتي تأكلها. كنت آكل احياناً اللحم وأحياناً السمك والخضار. لكن مريم كانت تقدّم هذه الأطباق بشكل شهيّ جدّاً، ولم يكن ذلك كما تأكل انت على الإطلاق.
– فان: عندما يكون عليّ أن أطهو، قل لمريم أن تعلّمني تحضير الكثير من الأطباق الشهيّة. وأنت يا يسوع، هل تُحسن الطهو؟
– يسوع: نعم، أحسنه. عندما كنت طفلاً كنت أبقى بالقرب من أمّي التي أحبّها كثيراً، وغايتي من البقاء بقربها هي مساعدتها على إدراك الأمور الإلهيّة بشكل أفضل. كانت مريم تحبّني كثيراً. وغالباً ما كنت أحسن القيام بكل ما كانت تفعله.
– فان: أيها الطفل يسوع، لطالما أردت أن أطرح عليك سؤالاً: أجبني أرجوك! يقول الناس أنك خلال طفولتك، لم تضحك أبداً ولم تبكِ، كنت هادئاً حتى عند إحساسك بالجوع، وتقبل أن تفعل بك العذراء مريم ما تريد… هل هذا صحيح؟
– يسوع: قبل كل شيء، أيها الصغير فان، يجب أن تفهم أني بطبيعتي الإلهية، الشخص الثاني من الثالوث الأقدس، وبالتالي، لست إلا واحداً مع الآب والروح القدس. مع ذلك، بما أنني إنسان، كنت أحمل ضعوفات الطفولة… مع الفارق الوحيد أن لا عيوب لديّ مثلك. لم أكن شرِهاً ولا مشاغباً مثلك. كان يحدث لي أن أبكي، ولكن عندما كانت مريم تواسيني، كنت أفهم على الفور.
بالإضافة الى ذلك، إن كان الطفل لا يضحك أبداً، يُفقد الفرح لعائلته. في ذلك الوقت، كنت أتصرّف كسائر الأطفال في كل شيء. عندما يُقدّم لي الأهل الحلوى، في زيارة ما، كنت أقبلها بفرح وآكلها بكل بساطة.
– يسوع: لم يشأ الله الآب أن تعاني عائلتي من الجوع او العطش، حتى لوجبة واحدة. بالإضافة الى ذلك، كانت مريم تعرف استباق الأمور، وكانت على وجه خاص تثق بأبيها السماوي الحقيقي. وكانت تتصرّف تجاهي كأمّ، وأما مع الله الآب، فكانت تتصرّف ببراءة الأطفال. واذا أعوزها شيء، لم تكن تعرف إلا أن ترفع عينيها الى السماء وتلتمس الله الآب بكل بساطة وصدق. وبما ان هذه الثقة وهذه البساطة كانتا فعلاً مستحبتين للغاية لدى الله، كانت مريم تنال كل ما تطلب كما قالت لك من قبل.
مثلاً عندما كان يعوزها الطحين لصنع الخبز، كانت تكتفي بالقول لأبيها الحقيقي:” أيها الآب، اليوم “طفلك” وأبناؤك في عوز!”. ثم تروي بالتفصيل: ليس عندهم طحين، ملح، الخ… وبعد ذلك، كانت تلقى في سلام كالعادة. كان الآب السماوي الحقيقي مسارعاً جداً لاستجابة صلواتها. لكن بشكل طبيعي جدّاَ، دون اللجوء الى عجائب ساطعة.
– فان: أيها الطفل يسوع، في ما مضى، هل كنت تنتعل صندلاً؟
– يسوع: نعم، لكن ذلك الصندل لا يشبه الصندل في الوقت الحاضر. كانت الصنادل تشبه تقريباً تلك التي ينتعلها فلّاحو فيتنام. لم يكن عندي صندلاً جميلاً، كان عادياً جدّاً. كذلك الأمر بالنسبة لثيابي.
– فان: يا يسوع، تكرّم وأحرق كل عيوبي وعاداتي السيّئة بنار حبّك. يا حبيبي يسوع، تنازل وأحرق كل خطاياي بحبّك، حتى التي لم أقترفها بعد.
– يسوع: أيها الأخ الصغير، تحمّل أولاً كل الضيقات التي أرسلها لك، تسعدني بذلك أكثر بكثير مما لو تصوم دهراً بكامله. لو عانيت مثلي الموت على الصليب، لن يكون هذا أفضل من الإماتة التي أريد أن أعلّمك إياها هنا، أعني الطاعة. أفضل الإماتات هي الطاعة. لا أحبّ إلّا إماتة الطاعة.
– يسوع: بفضل مريم، تتمكّن النفوس من الإتّحاد بحبّي بشكل حميم وثابت. صديقي الصغير، لا تنسى هذا أبداً: عليك أن تحبّ أمّي كما أحبّك. على النفوس التي تحبّني أن تُعتبر بمثابة أجواء سليمة تسمح لحبّي بالتنفّس والعيش في هذا العالم. إن لم تتوفّر هذه الأجواء الصحيّة في العالم، يموت حبّي مختنقاً.
كان الطفل يسوع برفقة أمّه، يأتي نحو فان، خطوة خطوة.
– فان: أيّتها الأمّ، لو تحملينه بذراعيكِ، ألا يكون هذا أسرع؟
– مريم: هذا صحيح، لكن الطفل يسوع لا يريد أن يوفّر على نفسه عناء خطوة أو خطوتين حبّاً بك؟
– فان: لكن يا يسوع، هل سبق أن بدأ مُلك حبّك ينتشر في العالم؟
– يسوع: أجل لقد بدأ، ونقطة إنطلاق هذا الإنتشار هي فرنسا نفسها. وأختك تريز (تريزيا الطفل يسوع التي كانت تأتي أيضاً لترشد الطفل فان) شخصيّاً هي الرسولة العالمية للرسل الآخرين لمحبّتي. نعم، من هناك بدأ انتشار مُلك حُبّي الذي يمتّد حاليّاً. وانت يا فان، بكتابتك كلماتي، تشارك أيضاً في هذا العمل، كما قلت لك من قبل، هناك رُسل آخرون كُثُر لا تعرفهم. وهم يعملون أيضاً بسرّية كبيرة ويتعاقبون باستمرار على نشر مُلك حبّي في العالم.
– يسوع: يا فان، اسمعني جيّداً. أحبّك جدّاً وأنا أفضّل الأطفال بشكل خاص: أنا مسرور جدّاً لكوني صديقهم. إن كانوا يريدون البحث عنّي، فهذا سهل جدّاً، ليس عليهم إلا مراقبة طريقتهم الخاصّة بالتصرّف، وسيجدونني حالاً فيهم. سبق ووعدت الأطفال بملكوت السماء، وهذا الوعد لا يُلزمهم بشيء على الإطلاق. اذا أرغمتهم على الصوم، على الإلتزام بالنظام، على الإماتة… الخ، كيف يمكن للمولودين الجدد، الذين يموتون بعد العمّاد مباشرة، الذهاب الى السماء؟
يا فان، إحتفظَ الحبّ الرحوم بحصّة رائعة للإطفال. ولا حاجة أخرى لهم إلا قبوله… يقتل العالم نفوس الأطفال أمام عينيّ، وأنا، ماذا أستطيع أن أفعل؟… فان، هل سمعت جيّداً؟ يجب انتزاع الأطفال من ظلمات العالم… أيها العالم، الويل لك، إن لم يكن هناك الأطفال لضمان ملجأ للصلاح الإلهي، لأُفنِيتَ بعدالة الله.
… فان، كل شيء يعجبني في الأطفال: كلمة، بسمة، حتى دمعة ذُرِفت في وقت حزن، كل هذا يسرّني. لكن للأسف، يا فان، يبدو أنّ الأطفال في الوقت الحاضر، بطريقة تصرّفهم، يريدون منافسة البالغين.
في فجر الألفية الثالثة، في اليوم عينه الذي افتتح فيه البابا القديس يوحنا بولس الثاني اليوبيل الكبير، وفتح الباب البرونزي في بازيليك القديس بطرس في روما، ظهرت العذراء في مديوغوريه مرتدية اللون الذهبي. وبحسب شهادة الشهود، مشعّة بفرح فائق الوصف. كانت تحمل الطفل يسوع على ذراعيها وتطلب منا أن نضعه في المرتبة الأولى من حياتنا. لكن هذا ليس كل شيء. كانت تشير إليه كأنّه قائدنا، كأنّه الذي سيقودنا الى طريق الخلاص.
طفل قائدنا؟ طفل، ذاك الذي سيسير أمامنا ليقودنا على دروب آمنة، يحمينا ويؤمّن لنا قوتنا؟ طفل صغير، ذاك الذي سيُجلد من أجلنا؟! أجل، هذا فعلاً ما أرادت أمّنا قوله، هي لم تخطئ والرسالة صادقة. وحسب النبوءات التي أعلنت ميلاد المسيح وهويّته، رآه أشعيا مسبقاً وكتب “وولد يسوقهما”. في النصّ العبري (נער קטן ناعار كتان). فيما بعد نرى الطفل يلعب على حجر الأفعى، ويضع يده في حجر الأرقم، وهنا الطفل هو يونِك יונק يعني في العبرية “رضيع”، رضيع على الثدي.
كانت تصعد يومياً جبل الصليب حافية القدمين طلباً لارتداد زوجها فهل حصلت المعجزة؟
ها هو الراعي، ها هو القائد الذي تشير لنا إليه العذراء القديسة للألفية الثالثة!
من الممكن أنّنا لم نهتم بعد بكلام يسوع: “ملكوت الله هو للأطفال ولأمثالهم”. أي سمة من سمات الطفولة يمكنها فعلاً أن تلمس الله الى هذا الحدّ؟! باستطاعة كل إنسان إيجاد جوابه الخاص على هذا السؤال. أما أنا، فأعتقد أنها البراءة. أمام براءة الطفل، يتأثّر الله حتى الأحشاء ويهب بلا تمييز، كلّ ما يملك، كلّ نفسه.
ما هذه المهارة الأمومية من قِبل العذراء! هذا الرضيع الذي تقدّمه لنا بمثل هذا الفيض من الفرح في بدء الألفية الثالثة. هذا البريء للغاية، هو فعلاً القائد الذي نحتاج إليه، لأن الشرّ يُهزم أمام البراءة. وهو يتغلّب الآن على أفاعينا! ولجيلنا الذي يخاف استقبال الحياة، لمجتمعنا الذي يقتل الأطفال بالملايين، كان لا بدّ من طفل يشفي!
يتحمّل الطفل يسوع هذه المهمّة. وبحصولنا على الطفل يسوع من يدي مريم، نستقل طبيبنا. إنّه صغير جدّاً! وهو وحده يستطيع الإنزلاق والنزول الى تلك المناطق العميقة، المضلّلة، المُقلقة من عالمنا الخالي من الله، ليقتلع منه رفض الحياة ويحمل إليه فرحه المُطلق.