بعد 31 سنة إمرأة تجد مريم العذراء وتُخبر الجميع كيف عرَّضَت أمّ يسوع نفسها للخطر لكي تنقذها وابنها الرضيع!
قصيدة الإنسان - الإله / ماريا فالتورتا
بعد 31 سنة إمرأة تجد مريم العذراء لتشكرها على إنقاذها وابنها من الموت!
وصل يسوع إلى بيت الجستمانية هناك كانت أمّه مريم والنساء التلميذات. بعد أن تحدّث معها قليلًا، دخل الطفل مرغزيام مسرعًا وقال:
«يا معلم… أُمّي… هناك أناس… ممّن كانوا في الهيكل… الصابئة… هناك امرأة… امرأة تريد رؤيتكِ، يا أُمّي… تقول إنّها عرفتكِ في بيت لحم… تُدعى نعيمي.»
مريم العذراء: «لقد عرفتُ الكثيرات، آنذاكَ! ولكن هيّا بنا…»
يَبلغون الساحة الصغيرة حيث المنزل. جماعة مِن الناس ينتظرون، وما أن يَروا يسوع حتّى يَركَعوا. إلّا أن امرأة تَنهَض في الحال لتذهب وترتمي عند قدميّ مريم، وهي تناديها باسمها.
مريم: «مَن تكونين؟ أنا لا أتذكّركِ. انهضي».
تَنهَض المرأة وتوشِك أن تتكلّم عندما يَصِل الرُّسُل، وهُم يَلهَثون.
«ولكن يا ربّ! ولكن لماذا؟ لقد ركضنا كالمجانين عَبْر أورشليم. كنا نظنّ أنّكَ ذهبتَ إلى بيت حنّة أو بيت أناليا… لماذا لم تتوقّف؟» تتقاطع الأسئلة والاستعلام وتتداخل.
يسوع: «الآن نحن معاً. مِن غير المجدي شرح الـ لماذا. دعوا هذه المرأة تتكلّم بسلام.»
يتجمّع الكلّ ليَسمَعوا.
نعيمي: «أنتِ لا تتذكّرينني، يا مريم بيت لحم. أمّا أنا، فمنذ واحد وثلاثين عاماً، أتذكّر اسمكِ ووجهكِ، كالذي للرحمة. كنتُ قد أتيتُ، أنا أيضاً، مِن البعيد، مِن برجة، مِن أجل المنشور. وقد كنتُ حبلى. ولكنّني كنتُ آمل العودة في الوقت المناسب.
مَرِض زوجي في الطريق، وفي بيت لحم بَلَغَ به السقم حدّ الموت. وفي لحظة موته كان قد مضى على ولادتي عشرون يوماً. صراخي شقَّ السماء وقَطَعَ الحليب منّي أو أفسَدَهُ. وقد كَسَت البثور جسدي، وكذلك ابني… ورُمينا في كهف لنموت فيه… وإذ ذاكَ… أنتِ، أنتِ وحدكِ أتيتِ بِحَذَر، خلال شهر قمريّ تقريباً، لتجلبي لي الغذاء وتُداوي لي الجراح، باكية معي، مانحة الحليب لابني الذي ما زال على قيد الحياة بفضلكِ، بفضلكِ أنتِ فقط…
لقد عَرَّضتِ نفسكِ للموت تحت وقع ضربات الحجارة، لأنّهم كانوا ينادونني “البرصاء”… آه! يا نجمتي اللطيفة! لم أَنسَ هذا. لقد سافرتُ بعد شفائي. عَلِمتُ بالمجزرة في أفسس. بحثتُ عنكِ كثيراً! كثيراً! كثيراً! لم يكن بإمكاني الاعتقاد بأنّكِ كنتُ قد قُتلتِ مع ابنكِ في تلك الليلة الفظيعة. ولكنّني لم أعثر عليكِ أبداً.
في الصيف الماضي، أحد الأفسسيّين سَمِعَ ابنكِ، عَرف مَن يكون، تَبِعَه بعض الوقت، كان مع آخرين في إثره في المجامع… ولدى عودته، تكلَّمَ. أنا، أتيتُ لرؤيتكِ، أيّتها القدّيسة، قبل أن أموت. لأبارككِ بعدد المرّات التي منحتِ فيها نقاط الحليب ليوحنّاي، رافعة إيّاه لابنكِ المبارك…» وتبكي المرأة في وضعها المعبّر عن الاحترام، منحنية قليلاً، وهي تشدّ بيديها على ذراعيّ مريم…
مريم: «الحليب، لا يُمنَع أبداً، يا أختي. و…»
نعيمي: «آه! لا. لستُ أختكِ! فأنتِ أُمّ الـمُخلِّص، وأنا امرأة مسكينة، تائهة، بعيداً عن بيتها، أرملة مع وليد على صدري، على صدري الجافّ مثل سيل في أيّام الصيف… لولاكِ، لكنتُ قد متُّ. لقد مَنَحتِني كلّ شيء، وتمكّنتُ مِن العودة إلى إخوتي، التجّار في أفسس، بفضلكِ أنتِ.»
«لقد كُنّا أُمَّيْن، أُمَّيْن مسكينتين، مع وَليدَين خارِجَين إلى العالم. أنتِ، كنتُ تعانين مِن ألم الترمُّل، أمّا أنا، فَمِن وُجوب اختراق سيف لقلبي بسبب ابني، كما كان سمعان الشيخ قد قال في الهيكل. لم أقم سوى بواجبي كأخت، بمنحكِ ما كنتِ قد فقدتِه. وابنكِ، هل هو على قيد الحياة؟»
«إنّه هنا. وابنكِ القدّيس قد شفاه لي هذا الصباح. فليكن مباركاً!» وتجثو المرأة أمام الـمُخلِّص هاتفة: «تعال، يا يوحنّا، لتشكر الربّ.»
يَترك رَجُل بعمر يسوع رفاقه، ليتقدّم، قويّاً، ذا وجه صادق ليس ذا جمال. الجميل فيه هو تعبير عينيه العميقتين.
«السلام لكَ، يا أخ بيت لحم، ممَّ شفيتُكَ؟»
«مِن العمى، يا ربّ. واحدة مفقودة، والأخرى تكاد تكون كذلك. كنتُ رئيس المعبد، ولكنّني كنتُ قد عجزتُ عن قراءة اللُّفافات المقدَّسة.»
«الآن ستقرأها بإيمان أعظم.»
«لا، يا ربّ. الآن أنتَ مَن سوف أقرأ. أريد أن أبقى كتلميذ، مِن غير ما اعتبار لنقاط الحليب التي تجرَّعتُها مِن الصدر الذي أرضعكَ. فلا أهميّة لأيّام شهر قمريّ في خَلق رابط، إنّما كلّ الأهميّة لرحمة أمّكَ آنذاك، ورحمتكَ أنتَ هذا الصباح.»
يلتفت يسوع صوب المرأة: «وأنتِ، ما رأيكِ؟»
«رأيي هو أنّ ابني يخصّكَ مرّتين. اقبله، يا ربّ، وسيكون حلم نعيمي المسكينة قد تحقّق.»
«حسناً. ستكون للمسيح. وأنتم، اقبَلوا هذا الرفيق باسم الربّ.» يقولها يسوع متوجّهاً إلى الرُّسُل.
المصدر: موقع قصيدة الإنسان – الإله / ماريا فالتورتا