قصص القديسين

دون بوسكو والأفعى، وماذا فعلت العذراء لتنقذ شبيبة القدّيس منها

دون بوسكو هو أحد القديسن الأكثر ظرافة في التاريخ! فقد كان يتمتّع بميزات عدّة: فهو يعرف كسب قلب الشبيبة من خلال خدعه السحرية. ويتحدّث بحماسة فائقة وبالكثير من الفكاهة. وقد تحقّقت على يديه ارتدادات مذهلة، وساعد الفقراء، وصنع العجائب، وقد مدّته العناية الإلهية بكل ما احتاج اليه “أولاده”. كما نال كل ما أراد من العذراء… وهذا غيض من فيض.
ولكن ثمة ميزة نادرة يتمتّع بها جان بوسكو، ميزة مشتركة مع القديس يوسف: كان الله يزوره ويعلّمه عبر الأحلام. فتمّ تجميع أحلامه من أجل الأجيال القادمة ولا تزال حتى اليوم تنير دروبنا المسيحية بأنوارها الثمينة.
لنتأمّل بأحد أحلامه: ذاك الذي يتحدّث عن الأفعى.
 
ليلة عيد انتقال العذراء، أي مساء 14-15 آب 1862 وجد دون بوسكو نفسه في الحلم، برفقة جميع شبيبته في منزل أخيه في كاستلنووفو داستي، الذي سمّي منذ ذلك الحين باسم كوللي بوسكو. وفجأة حضرت أمامه مرشدته. إشارة الى أنه تظهر في أحلامه كلّها شخصية يدعوها دون بوسكو “المرشدة” وهي تفسّر له ما يراه جاعلة هذا الحلم واضحاً كالبلور. ولم تكن هذه المرشدة سوى العذراء مريم. دعته العذراء للدخول الى المرج الملتصق بباحة المزرعة. وأرته هناك بين العشب أفعى كبيرة جداً، يبلغ طولها من 7 الى 8 أمتار.
ارتعب دون بوسكو وحاول الهرب. غير أن المرشدة طمأنته وسألته أن يبقى لأنه ما من داعٍ للخوف. وذهبت لتأتي بحبل وعادت الى دون بوسكو وقالت له:
– أمسك جيّداً بهذا الطرف من الحبل، وأنا سأمسك بالطرف الآخر، ومعاً سنعلّق الحبل بالأفعى.
فسأل دون بوسكو ولا يزال الخوف يتملّكه:
– وماذا بعد؟
– نضربها أرضها.
أجاب دون بوسكو:
– مستحيل! الويل لنا إن أقدمنا على ذلك! ستشرئبّ الأفعى علينا وتقطعنا إرباً إرباً!
– كلّا، دعني أقوم بذلك.
– لا أريد أن أجازف بحياتي.
يروي دون بوسكو ما حصل بعد ذلك:
لكنّ المرشدة أصرّت وطمأنتني بأنّ الأفعى لن تؤذيني. وفيما كانت تقول لي ذلك رضخت لرغبتها. فرفعت الحبل من جهتها ووجّهَت ضربة على ظهر الزاحفة مما أدّى الى جرحها. فاستدارت الأفعى نحو الخلف وأالت رأسها لتحاول عضّ من لمسها ولكنّها عجزت عن ذلك ووجدت نفسها مكبّلة.
 
صرّحت لي المرشدة:
– أمسك الحبل جيّداً! إيّاك أن تفلتها!
وركضَت لتعلّق الطرف الذي أمسكًته بشجرة أجاص قريبة. ثم علّقت الطرف الآخر بسياج نافذة المنزل. وفي غضون ذلك، كانت الأفعى تتخبّط بغضب وتضربرأسها وكذلك حلقاتها الرهيبة أرضاً. وتحوّل جلدها الى خرقة وتتطايرت قطعها بعيداً الى أن لم يبقَ منها سوى هيكل عظمي هزيل.
 
وما أن ماتت الأفعى، حتى فكّت المرشدة طرفي الحبل ووضعته في صندوق. ثم أعادت فتح الصندوق بعد لحظات. نظرت الى داخله وتفادأت وشبيبتي بأن الحبل اتّخذ شكل الكلمات التالي: “السلام عليك يا مريم”.
فشرحت لي المرشدة:
– تمثّل الأفعى الشرّير والحبل هو صلاة السلام عليك يا مريم، بل بالتحديد هو المسبحة، اي “السلام عليك يا مريم” متتالية. التي بفضلها نستطيع أن نحارب جميع شياطين جهنّم ونتغلّب عليهم وندمّرهم.
عند هذه المرحلة، تراءى أمامه مشهد مؤلم: رأى شبّاناً يجمعون أشلاء الأفعى المبعثرة ويأكلونها ويتسمّمون بها.
“كنت حائراً للغاية. فقد تابعوا الأكل على الرغم من تحذيري لهم. وندهت لهذا وذاك، صفعت واحداً ولطمت آخر بحثاً مني عن وسيلة تمنعهم من الأكل. لكن دون جدوى. فاستشطت غضباً عندما رأيت هذا العدد من الشبيبة متمدّداً على الأرض في حالة مزرية”.
كلّم حينئذٍ دون بوسكو المرشدة:
– أما من علاج لهذا الكمّ من الألم؟
فأجابته المرشدة:
– بالطبع له علاج!
– ما هو؟
– ما من وسيلة أخرى سوى السندان والمطرقة.
– ولكن كيف؟ هل حري بي أن أضعهم على السبدان لأضربهم بالمطرقة؟
– أنظر، المطرقة هي الإعتراف والسندان هو المناولة. عليك باستخدام هاتين الوسيلتين.
كان قدّيس الشبيبة أكثر الشغوفين من دون منازع بتلاوة الوردية. ذات يوم تلقّى دون بوسكو زيارة من ضيف رفيع المستوى وراح دون بوسكو يطلعه على أعماله مع الشبيبة. فسُرّ الضيف كثيراً غير أنه سأله: “لمَ تكرّس هذا الوقت الكبير يومياً لتلاوة الوردية؟ فهذه مضيعة للوقت لهؤلاء الشبيبة. وقتهم ثمين يستطيعون تمضيته في تنفيذ أمور مهمّة!”
لكن دون بوسكو أجابه: “الأمر الأخير الذي قد أحذفه من برنامج النهار هو تلاوة الوردية! لأنها الوسيلة الوحيدة التي تضمن انتصارنا على هجومات الشيطان، وإنعاش الإيمان وطهارة الشبّان. والإحتماء من الأخطاء ومساعدة الكنيسة. الوردية هي حبل الخلاص الذي بواسطته نستطيع أن نحارب جميع شياطين جهنّم وننتصر عليهم وندمّرهم”.

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق