شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهرية- اليوم الخامس
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهرية
اليوم الخامس – آلام المطهر: نار حقيقيّة ونار مطهّرة
1. نار حقيقيّة
تعلّمنا العقيدة الكنسيّة العظيمة أنّ الأرواح المطهريّة لا تدخل السماء قبل أن تطهر كليًّا من دنسها بواسطة النار. فهي ليست نار جهنّم التي لا تنطفئ أبدًا، حسب ما يؤكّد علماء الكنيسة، ولكنّك ستشعر بحرارتها الفائقة التي لا توصف، في المطهر.
كان القدّيس توما والقدّيس أغسطين يسميّانها: كفاّرة النار. هذه الكلمة وحدها تشعرك بالخوف والقشعريرة. أنت بكليّتك في النار. نار متأجّجة تدخل إلى أعماق ذاتك، يا له من تكفير قاسٍ.
النار الماديّة تأتي على الجسد فقط وتأثيرها مخيف! من يستطيع حمل جمرة بيده دقيقة واحدة؟! أمّا نار المطهر تأتي على النفس ذاتها. تهاجم الذكاء والذاكرة والمشاعر. تدخل إلى كلّ مكوّنات النفس. أمام هذه الكفّارة التي نعجز عن تخيّلها والتي استحققناها بأخطائنا اليوميّة فلنسأل أنفسنا: من منّا يستطيع السكن في لهيب هذه النار المفترسة؟ يا ربّ إحمنا من نار المطهر.
نَفَسُ عدالة الله يشعلها ويحافظ عليها. هذه النار لا تعمل كعنصر بل كأداة للقدرة الإلهيّة؛ فهي تطهر الأنفس ولا تدمّرها. لا يمكن المقارنة بين نار هذا العالم والنار المطهريّة. فالأولى هي نعمة من القدرة الإلهيّة أمّا الثانية فهي صنع عدالته.
يقول القدّيس توما: “لا! إنّ الأفران الأشدّ حرارة والنيران الأكثر حريقًا التي قيد إليها الشهداء ليست سوى طيف خفيف بالمقارنة مع ألسنة اللهب المفترسة للنار المطهريّة.
ويضيف أحد البابوات القدّيسين: “هذه النار، (نار المطهر) هي مساوية لنار جهنّم، إلاّ أنّها ليست أبديّة. إنّ عذابات هذا العالم مهما عظمت لا يمكن مقارنتها بالعذابات المطهريّة. أليس فاقد الإنسانيّة فقط، لا يسمع صراخ هذه الأنفس المعذّبة؟ هذه الأنفس التي من أعماق سجنها حيث تحترق ليل نهار، ترجو مساعدتنا. كيف تفسّرون هذه القساوة إذا كنتم في مكانهم والعالم أهملكم من محبّته إلا قليلاً؟ فكّروا بجديّة في هذا الأمر وخذوا القرارات المناسبة بشأنه”.
أمثلة (عن النار المطهريّة)
المحترم “ستانيسلاس كوستكا”، كاهن يسوعي بولوني، شاهد ظهور إحدى الأنفس المطهريّة، مغلّفة باللهب وتطلق صراخًا مخيفًا. فسألها إذا كانت هذه النار شبيهة بالتي على الأرض. جاوبته النفس:
“إنّ نار الأرض ليست سوى نسمة ناعمة وخفيفة، مقارنة بنار المطهر”.
استصعب الكاهن الطيّب تصديق هذا الكلام فطلب إلى النفس لو أنّه يستطيع الشعور بحرارتها، فجاوبته النفس “آه! إنّ الإنسان الحيّ غير قادر على تحمّل حرارتها ولو قليلاً! ولكن من أجل قناعتك، مُدّ يدك نحوي وسيكون لك فكرة عن ذلك”. ستانيسلاس، مدّ يده نحو النفس التي سكبت عليها نقطة من عرقها. كان ألمه عظيمًا حيث صرخ المحترم ستانيسلاس صرخة مدويّة ووقع أرضًا فاقد الوعي، كمن أتته المنية.
أسرع الكهنة إليه وعندما عاد إلى رشده أعلمهم بما حدث معه.
خاف الكهنة خوفًا عظيمًا وقرّروا مضاعفة كفّاراتهم على الأرض والابتعاد عن ملذّات الدنيا. كما قرّروا نشر الخبر بين المؤمنين لكي يعملوا على خلاصهم من النار المطهريّة المخيفة!
عاش القدّيس ستانيسلاس كوستكا، سنة واحدة بعد الحادثة، وكان فريسة لآلام مبرّحة من جرحه الذي لم يختم أبدًا.
الأب فرديناند دي كاستيل يخبر ما حدث ذات يوم في دير سان دومينيك في بلدة زامورا في أسبانيا.
في هذا الدير كان يعيش كاهن من رهبنة الدومينيكان تقيّ ورع. أقام صداقة مع كاهن آخر من الكهنة الفرنسيسكان ليس أقلّ إيمانًا وورعًا منه. كانا يتحادثان في أمور العالم الآخر فتواعدا ألاّ ينسى أحدهما الآخر بعد الموت… توفّي الكاهن الفرنسيسكاني أوّلاً. بعد موته بفترة وجيزة ظهر للكاهن الدومينيكاني، حيّاه بحرارة وأخبره أنّ عليه الكثير من الألم لتأديته لأنّ بعض الصغائر التي قام بها في حياته لم يكفّر عنها كفاية. ومن أجل دفع صديقه للعمل على خلاصه أظهر له ألْسِنة اللهب التي تلتهمه قائلاً: “لا شيء على الأرض يمكن أن يعطيك فكرة عن حرارة هذه النار، أتريد برهانًا على ذلك؟” ووضع يده على طاولة فغارت إلى أعماقها كأنّها هباء.
هذه الطاولة مازالت شاهدًا على نار المطهر، وهي محفوظة في بلدة زامورا من مقاطعة ليون في أسبانيا.
فلنستمع إلى القدّيسة كاترين من جنوى تخبرنا في يوميّاتها: “من هذا الحبّ الإلهيّ رأيت إشعاعات ولهبًا تنطلق نحو النفس. إنّها حارقة وخارقة بقوّة كأنّها قادرة على تحويل ليس الجسد إلى هباء وحسب بل النفس أيضًا، إذا كان ممكنًا. هذه الإشعاعات تعمل بطريقتين: الأولى تطهّر والأخرى تدمّر”.
هذا هو مفعول النار بالأشياء الماديّة. أمّا الروح فتُدمّر في ذاتها وليس في اتّحادها مع الله. وكلّما زاد تطهّرها كلّما دُمّرت في ذاتها الدنسة لتصبح طاهرة بكاملة ومتّحدة بالله. كالذهب النقيّ، الخالي من الشوائب، لا تدمّره النار. إذ إنّها قد ابتلعت شوائبه فقط. هكذا تعمل نار الله بالرّوح الدنسة. يجعلها الله في النار من أجل تحريرها من دنسها بالكامل. فتصبح نقيّة كالذهب الخالص، وكلّ نفس بدرجة. وعند تطهّرها تتّحد بالله فتكون جزءًا من ذاته القدّوسة. عند ذلك تتخلّص النفس من الألم وتحيا حياة أبديّة في نار الحبّ الإلهيّ.
لنصلِّ: يا إلهي! كم هي مخيفة نارك الإلهيّة المطهّرة، عندما تتراءى في حياتي في الشهوات والخطايا العديدة، مقارنة بالعمل القليل الذي قمتُ به من أجلك! إرحمني يا ربّ، وارحم نفوس أخوتنا الموتى الذين سبقونا إلى الأبديّة والذين هم في ملكوت عدلك. يا يسوع كن لهم العون واجعلهم إلى جانبك في ملكوت مجدك. لتسترح أنفسهم بسلام.
الصلوات اليومية : المسبحة الوردية – طلبة الموتى المؤمنين- قانون الإيمان- السلام عليك يا سلطانة- صلاة من أجل الأنفس المطهرية – صلاة من الأعماق (تجدها في اليوم الأول هنا)