سرّ الإعتراف ، سرّ الرحمة الإلهية !
سرّ الإعتراف ، سرّ الرحمة الإلهية !
سرّ التوبة يمر بأزمة لا تخفى على أحد، فكثير من المؤمنين قد نسيه أو تناساه اليوم (رحمة ربنا تمر بأزمة اليوم، فكثير من المؤمنين قد نسيها، ولا يستفيد منها إلا القليل جداً من المؤمنين). بعضهم من لم يعترف منذ المناولة الأولى (أو الاحتفالية)، والبعض الآخر يغيب عنه مفهوم هذا السرّ أو يُشكِّك في مفاعيله ونعمه. لأنه يعيش ويتلذذ في الخطيئة وغير مستعد ليتخلّى عنها؟
لماذا سرّ التوبة وما هي أهميته ؟
إن اللفظة المتداولة لسرّ التوبة هي “الإعتراف”. ولكن من دواعي الأسف أن مدلول (مفهوم) تلك اللفظة قد اقتصر في أذهان الكثيرين على “الإعتراف بالخطايا”. فيما الإعتراف هو أولاً الإعتراف برحمة الله ومحبّته. وهذا ما يجب النظر إليه أوّلاً والتركيز عليه في سرّ التوبة: إنَّ الله برحمته ومحبّته الغافرة قد نظر إليّ أنا الخاطئ وأحبّني حبّاً شديداً حتى الموت على الصليب (كفّارة عن خطاياي)، فأشيد له وأعترف برحمته ومحبّته.
لذلك عليّ أن أتوب عن كل ما لا يرضي الله في حياتي ولا يحقق مشيئته، وأن أعبّر عن توبتي بعودتي إليه.
فما هي التوبة ؟ وكيف أتوب ؟
كلمة توبة في اللغة اليونانية تتألف من شقين: الأول Meta ويعني “ما وراء” والثاني Noya يعني “الذهن”. وبذلك فهي تعني تغيير الذهن والتحول نحو الله. فالتوبة تعني تغيير الإنسان لأفكاره، واعتقاداته، وحياته، وخضوعه لناموس الله ووصاياه، وابتعاده عن المفاسد والشرور. التوبة الحقيقية ثورة تهزّ أعماق الكيان الداخلي الإنساني وتبدّله بشكل جذري، فيصبح الله محور حياة الإنسان “الألف والياء، البداية والنهاية” (رؤ 8:1)، وتصير بذلك شريعة الله نابعة من داخل الإنسان وليست فرْضًا عليه من الخارج.
تفترض التوبة:
1- عودة الإنسان إلى ذاته ومعرفته لأعماق نفسه، لأن التوبة مستحيلة دون معرفة الإنسان لذاته. فالإبن الشاطر عاد إلى أبيه بعد أن رجع إلى نفسه: “فرجع إلى نفسه وقال: كم أجير لأبي يفضل عنه الخبز، وأنا أهلك هنا جوعاً! أقوم وأمضي إلى أبي“ (لو 17:15-18).
هذه العودة إلى الذات هي يقظة على ضعفنا، وبؤسنا ودعوتنا. في ضوء وجه الآب، نرى نفسنا على عريها، ونفهم خطأنا وخطيئتنا. نذكر من أين سقطنا وكيف تركنا حبّنا الأول، وكيف قبلنا الكلام ولم نحفظه. (رؤيا 2/ 4-5، 3/3).
2- الشعور بالإنسحاق والحزن والتخشع: عندما يعود الإنسان إلى ذاته ويكتشف خطيئته ينسحق ويتخشّع. فالابن الشاطر رجع إلى أبيه بانسحاق كبير: “يا أبتَ إني خطئت إلى السماء وإليك، ولست أهلاً بعد ذلك لأن أُدعى لك ابناً، فاجعلني كأحد أجرائك” (لو 18:15-19). الخطيئة تولّد في النفس حالة من الشعور بالذنب، تدفع المرء إلى الانسحاق والتخشع، فتنشئ في النفس الحزن والأسى كنتيجة للإبتعاد عن الله. هذا الحزن، الناتج بسبب الخطيئة، له مفعول كبير على حث الإنسان على الإعتراف بالخفايا بكل صدق. لذا يقول القديس باسيليوس الكبير أنه: “يجب على التائبين أن يبكوا بمرارة، وأن يظهروا من قلوبهم سائر علامات التوبة”.[27] فهذه الدموع هي أفضل علاج للخاطئين والمتدنسي الأنفس؛ ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم بهذا الخصوص: “إذا كان بكاء بطرس قد محا خطيئة عظيمة جداً، فأنت إذا بكيت كيف لا تُمحى خطيئتُك؟! فإن إنكار بطرس لسيده لم يكن جريمة صغيرة بل عظيمة، ومع ذلك فقد محت الدموعُ الخطيئةَ. فابكِ إذاً أنت على خطيئتك، ولكن لا يكُونَنَّ بُكاؤك على حسب العادة وفي الظاهر، بل إبكِ بمرارةٍ مثلَ بطرس، وقدِّم ينابيع دموعِك من أعماقك حتى يتحنّن عليك السيد ويغفر ذنبَك”.
لكن لابد من الانتباه ألا يكون هذا الانسحاق والحزن ناتجين فقط عن خوف أو عقاب ما، لأن مثل هذا باطل وغير مفيد، فقد يبعد الخاطئ عن شرّه، ولكنه لا يقود إلى ندامة حقيقية؛ ولنا في الكتاب المقدس أمثلة كثيرة تبرهن ذلك، فيهوذا ندم على فعلته، وإخوة يوسف حزنوا على أخيهم حين باعوه، ولكن هؤلاء جميعاً لم يبرروا، لأن حزنهم لم يكن نابعاً عن حب عميق لله يرذل كل خطيئة ويبغضها.
أما الحزن الذي بحسب مشيئة الله فكفيل أن ينشئ توبةً للخلاص (2كو7 : 10).[28]
3- يرافق التوبة الحقيقية تصميم ثابت على إصلاح الإنسان لكيانه الداخلي وسيرته، فيبتعد عن السيئات ويفعل ما يليق بالتوبة. فالقديس أمبروسيوس يقول: “يجب على التائب أن يغسل خطيئته بالدموع، وأن يترك الهفوات السابقة، ويقوم بأعمال صالحة كي لا تُحسب التوبة عليه خطيئة”. يوحنّا المعمدان في إنجيل متى يحذر الفريسيين (مت 7:3-8): “لما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون إلى معموديته قال لهم: يا أولاد الأفاعي مَنْ دلَّكم على الهرب من السخط الآتي، فاصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة”.
4- وهكذا، التوبة هي طريق إلى الكمال ومسيرة التطهير والإستنارة للوصول إلى الاتحاد بالله (عودة إلى الله). نقطة الإنطلاق في التوبة هي هذه: إكتشاف الله في حياتنا، وعي إيماني على حضوره ودوره وعلى محبّته ورحمته. المبادرة هي من الله، هو يدعو إلى التوبة، “ما من أحد يستطيع أن يأتي إليّ إلاّ إذا اجتذبه الآب الذي أرسلني” (يوحنا 6/ 44).
العودة إلى الله هي فعل إيمان بمحبّته، ورحمته، واستعداده الدائم ليغفر ويسامح. وحده يتوب، الإنسان الذي اكتشف الله (الإله الذي يعفو عن الذنب). “حقيقة خطيئتي لا تنكشف أمام ضميري إلاّ بمقدار وعيي الإيماني أنني موضوع محبّة من الله. والعكس بالعكس إن لم أعترف بمحبّة الله لن أستطيع معرفة ذاتي خاطئاً” (غبريال مارسل).
هذه المسيرة لا تعرف التوقف، فكل “وصول” إلى الله هو “صنم” و”عبادة أوثان”. إن القديس سيصويه الكبير، بعد حياة طويلة حافلة بالنسك والتوبة، وهو على فراش الموت، والرهبان حوله يحيطون به، 1 لاحظوا أن وجهه قد أشرق فجأة واستنار، فسألوه: ما لك أيها الأب سيصويه؟ فأجاب: إنني أرى أبانا القديس أنطونيوس الكبير. 2 ثم لاحظوا بعد فترة أن وجهه قد ازداد إشراقًا وضياءً, فسألوه: مَنْ ترى الآن يا أبانا؟ فأجاب: أرى الرسل القديسين. 3 ثم بعد فترة أبصروا وجهه يزداد إشراقًا ونورًا ولمعانًا، فسألوه: والآن مَنْ ترى أيها الآب؟ فقال: أرى سيدتنا مريم العذراء والدة الإله. 4 ثم شاهدوه يتمتم بشفتيه كأنه يتكلم مع أحد. فسألوه بماذا تتكلم! فأجاب: إني أتضرع إلى العذراء والدة الإله أن تتشفع لي لئلاّ أموت الآن، بل أن أبقى زمناً آخر في الحياة، لكي يتسنى لي أن أبدأ بالتوبة“. فالشيخ سيصويه، الشهير بين آباء البرية والذي قضى حياته بالأصوام والأسهار والأتعاب، يقول وهو على فراش الموت، عند مشاهدته بهاء المجد السماوي: إنه لم يبدأ بعد التوبة!
فكم بالأحرى نحن بحاجة إلى أن نتوب. لأن التوبة هي سرّ تحرر الذات وإنطلاقها نحو الملكوت.
كيف أعيش التوبة: القديـس يوحنـا ذهبـي الفـم
هل تريد أن أُعدِّد لك مسالك التوبة؟ إنها كثيرة ومنوَّعة، و تقود كلّها إلى الجنَّة (الفردوس)؟
- المسار الأول يبدأ بإدانة خطاياك الخاصَّة: “كنْ البادئ بالإقرار بخطاياك وسوف تُبرَّر منها.” من أجل هذا السبب كتب النبيّ: “أنا قلت، سوف أعرض خطاياي أمام الرب، وأنت غفرت شرور قلبي” لذلك عليك، أنت أيضًا، أن تدين خطاياك، هذا سيكون كافيًا أمام الله حتى يغفر لك، لأن الإنسان الذي يدين خطاياه الخاصة سيكون أبطأ بالعودة إلى الخطأ ثانية. حِثْ ضميرك على اتهام نفسك داخل منـزلك، حتى لا يتهمك أمام عرش دينونة الربّ. هذا إذًا مسار جيِّد للتوبة.
- المسار التاني هو تناسي الأذى الذي يلحقه بنا أعداؤنا، من أجل أن نسود على غضبنا ونغفر لأترابنا (العبيد) خطاياهم التي اقترفوها بحقِّنا. هكذا سوف ينفتح أمامك مسار جديد للتغلُّب على الخطيئة: “فإنه إن غفرتم للناس زلاَّتهم يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي.”
- المسار الثالث إنها الصلاة الحارَّة والمتيقِّظة والنابعة من القلب.
- المسار الرابع، أنصحك بالصدقة التي تفيض قوتها وتطال بعيدًا.
- بالإضافة إلى ذلك، إذا عاش الإنسان حياة بسيطة ومتواضعة وحفظ المسارات التي سردتها عليك، سوف تُنـزع عنه خطيئته. برهانًا على ذلك العشَّار الذي لم يكن لديه أية أعمال حسنة ليخبر عنها، ولكن تواضعه الصادق أراحه من حمل خطاياه الثقيل.
وهكذا أكون قد أرشدتك على خمس مسالك إلى التوبة: 1 إدانة خطاياك، 2 ومغفرة ذنوب قريبك، 3 والصلاة، 4والصدقة، 5 والتواضع.
لا تكنْ عديم الحركة وخاملاً، بل سِرْ كل يوم في هذه المسالك. إنها سهلة ولا يمكنك التحجُّج بعدم قدرتك على تحقيقها، لأنك حتى ولو كنت تعيش في عوز كبير، يمكنك دائمًا وضع غضبك جانبًا، وأن تتضع، وأن تتحلى بالمثابرة، وأن تدين خطاياك. فقرك لا يقدِّم إليك عذرًا للتملُّص (لتهرب) من ذلك. فالفقر ليس عائقًا أمام تحقيق وصايا الربّ ويمكنك أن تتصدَّق إلى الفقراء وأن تحسن إليهم دائمًا. لقد برهنت الأرملة على هذا بعد أن وضعت فلسيها في الصندوق [مرقس 12: 42].
الآن وقد تعلَّمنا كيف نشفي جراحنا، دعنا نستعمل هذه الأدوية. حتى إذا تعافينا وأصبحنا بصحة أصيلة، يمكننا أن نقترب من المائدة المقدَّسة بثقة ونلتقي بعظمة المسيح، ملك المجد، ونحصل على البركات الأبديَّة من خلال النعمة والرحمة ومحبَّة يسوع المسيح ربِّنا ومخلِّصنا.
“المغفرة والمصالحة مع الله” الإعتراف أمام كاهن:
يسوع يدعو الخطأة إلى مائدة الملكوت:” إني لم آتِ لأدعو الصدّيقين بل الخطأة”(مر 2: 17). إنّه يدعوهم إلى التوبة التي بدونها لا يمكن الدخول إلى الملكوت، وهو يريهم بالقول وبالفعل رحمة أبيه غير المحدودة لهم في مثل الإبن الشاطر(لو 15/11-32)، و”فرح السماء العظيم بخاطئ واحدٍ يتوب”(لو 15/7). والبرهان الأعظ على هذه المحبّة سيكون في بذل حياته الخاصّة، “لمغفرة الخطايا” “هذا هو دمي…، الذي يُسفَكُ من أجل أناس كثيرين، لغفران الخطايا”(مت 26/28). (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 545).
المسيح هو منبع غفران الخطايا بوساطة سرّ الفداء، إلا أن الكنيسة هي الوسيط لغفران الخطايا. وقد جُعلت المعمودية لمغفرة الخطايا السابقة للمعمودية. وقد جُعل سرّ التوبة لمغفرة الخطايا ما بعد المعمودية.
تمارس الكنيسة سرّ الاعتراف، فهل توجد أدلة كتابية وتاريخية وآبائية تدل على ضرورة أن يكون الاعتراف أمام الكاهن؟ وهل الاعتراف لله غير كافٍ ؟
أولاً لكي نفهم هذه العقيدة وهذه الممارسة في الكنيسة٬ لا بد من النظر إلى الخطيئة في مفهومها المزدوج. فالخطيئة الثقيلة تحرمنا الشركة مع لله٬ وتجعلنا٬ من ثمّ٬ غير أهل للحياة الأبدية٬ وهذا ما يسمّى “بالعقاب الأبديّ” للخطيئة. ومن جهة أخرى٬ كلّ خطيئة، حتى الخطيئة العرضية٬ تجعلنا نتعلّق تعلّقاً مريضاً بالخلائق٬ يحتاج إلى تنقية٬ سواء في هذا العالم أم بعد الموت٬ في الحالة المعروفة “بالمطهر.” هذه التنقية تعفينا ممّا يسمّى “بالعقاب الزمني” للخطيئة. هاتان العقوبتان٬ يجب الاّ نعتبرهما شبه انتقام ينزله لله بنا من الخارج٬ بل نتيجة نابعة من طبيعة الخطيئة نفسها. التوبة الصادرة عن محبّة متّقدة قد تؤدّي بالخاطئ إلى تنقية كاملة تعفي صاحبها من كلّ عقاب.
ثانياً ينبغي أن نعلم حقيقتين هامتين
أولهما: أن الوحيد القادر على غفران الخطايا هو الله عن طريق دم المسيح المسفوك على عود الصليب.
والثانية: عن حياتنا المسيحية، فكل مسيحي هو عضو في جسد المسيح الحي الذي هو كنيسته المجيدة، ورأس هذا الجسد هو المسيح له كل المجد (أف 1 : 22).
“وإن قلنا إنّه ليس لنا خطيئة نُضلّ أنفسنا وليس الحقّ فينا، إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم”(1يو8:1-9). التوبة العميقة إذا ما وجدت في النفس، سرعان ما تولّد فيها شعوراً بضرورة الإعتراف والإقرار بالخطايا. الأمر الذي يتم عادةً أمام كاهن يمنح الصفح والإرشاد اللازمين لاستمرار الحياة الروحية للمؤمن.
وطالما أن ارتكاب الشرّ هو ألم لكل الأعضاء، “فإن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه” (1كو12 : 26).
إذاً الخطيئة تسيء إلى الكنيسة جمعاء. لذلك لا بد من الإعتراف للعودة إلى أحضان الكنيسة، وتسوية ما اقترف، “فلا مصالحة مع الآخرين من غير أن يكون الوجه للوجه والقلب للقلب، ولا مصالحة مع السيد خارج هذه المعية الإنسانية التي لنا في مكان تجليه أي في الكنيسة”. من هنا تأتي ضرورة الإعتراف أمام الكاهن، الذي يمثل بشخصه الكنيسة عامةً.
إن ملاقاة السيد المسيح في سرّ التوبة ليست عملاً فردياً يقوم به التائب وحده، بل هي عمل الكنيسة. فكما أن المسيح هو سرّ الآب، أي علامة حضوره بين البشر، هكذا الكنيسة هي سرّ المسيح وامتداد حضوره على مدى الزمن. وفي هذا السرّ، كما في سائر الأسرار، لا بدّ من حضور الكنيسة. وهذا الحضور يتم من خلال الكاهن الذي يمثل الكنيسة. ثم أنَّ الخطيئة تُبعد الإنسان عن الله وعن المسيح، وتبعده في آنٍ معاً عن الكنيسة جسد المسيح. والتوبة تعيده إلى الله وتعيده في الوقت عينه إلى الكنيسة جسد المسيح. لذلك لا بدّ من حضور الكنيسة بواسطة الكاهن للإحتفال بسرّ التوبة.
فاعلم أنك حينما تخطئ فإنك لا تسيئ إلى نفسك فقط وإنما تسيئ أيضاً إلى الجسد الذي تنتمي إليه (الكنيسة)، كما أنك تسيئ أيضاً إلى الله القدوس البار. ولذا فإن الإنسان حينما يخطئ يُطَالب بأن يندم على خطيئته ويكرهها، ثم يقرّ بها أمام الكنيسة وحينها يقوم الله بغفران هذه الخطايا. وهذا ما فهمه المسيحيون الأوائل، وهذا ما نراه في سفر الأعمال حينما يقول:” وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرّين ومخبرين بأفعالهم” (أع 19 : 18). وقد أعطيت الكنيسة “ممثلة في الرسل ومن خلفهم من الأساقفة” (اع 20 : 28) هذا السلطان من الربّ يسوع حينما قال:” كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السموات وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السموات“ (مت 16 : 19).
وبعد قيامته قال لتلاميذه بعدما نفخ في وجوههم:“ اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم تغفر لهم ومن أمسكتم عليهم خطاياهم أمسكت“ (يو 20 : 22 – 23)، هكذا أسس يسوع سرّ الغفران المقدّس بقوله هذا. إنّه سرّ الشراكة والمصالحة حيث تتجلّى رحمة الله ومحبّته وحنانه وانتظاره لعودتنا وانطلاقنا في ولادة جديدة.
وهذا ما فهمه جميع الآباء في القرون الأولى ومارسوه بكل قوة وتكلّموا عنه وكتبوه في كتاباتهم التي مازالت باقية حتى اليوم ولا يستطيع أحد التشكيك فيها. ولا أظن أن شخصاً منصفاً محبّاً لله ومهتماً بخلاص نفسه ينكر آيات الكتاب وتفاسيرها ومن مارسوها ليقدم بدعة لا سند لها من الكتاب أو التاريخ أو أقوال الآباء. وهل يستطيع أحد أن يخرج لنا آية من العهد الجديد تقول: لا تعترفوا على يد الكهنة ؟!!
البعض ينكر ضرورة الإعتراف أمام كاهن، فيبررون ذواتهم بإعتراف ذاتي، أو يكتفون بتلاوة إفشين الحل فوق رؤوسهم دون أي إعتراف. لكن هذا في الحقيقة غير نافع ومنافٍ لتسليم الكنيسة. فبهذا ننكر السلطان المعطى من المسيح لرسله وللأساقفة والكهنة على حل الخطايا أو إمساكها، فكيف تُمسك الخطايا أو تُحل دون أن تُعرَف أو أن تُقال.
كما أنه كيف للطبيب أن يعالج مريضه ويطببه دون أن يَعرِف مرضه. فالكاهن مثله مثل الطبيب، والخطيئة المخبأة على حد تعبير القديس باسيليوس الكبير “هي مرض غير قابل لشفاء الروح”. إنَّ الإقرار بالخطايا قد يبدو لأول وهلة 1 صعباً على الطبيعة البشرية 2 ومناقضاً للكرامة الانسانية. فالإنسان يخجل من كشف نفسه أمام الآخرين، ويخاف من أن يحكموا عليه ويفقدوا ثقتهم به. إنَّ هذا قد يصحّ إذا اعتبرنا الإعتراف مثولاً أمام قاضٍ في محكمة. لكن الإعتراف هو مثول المريض أمام الطبيب والابن أمام أبيه.
بالإضافة إلى أن على التائب أن يدرك أن اعترافه ليس أمام الكاهن فحسب، إنما أمام الله مباشرةً وفي حضرة الكاهن. فالروح القدس هو من يغفر الخطايا عبر الكاهن، وهو الذي ينمّي الحياة الروحية. وما الكاهن سوى “وكيل لأسرار الله”، لذا “من اللازم الإعتراف بالخطايا لمن ُسلم إليهم توزيع أسرار الله” (القديس باسيليوس الكبير).
لهذا ينبغي على التائب أن يضع نصب عينيه، أن عدم اعترافه هو خجل مرذول، وأن إقراره بخطاياه أمام كاهن لأجل نيل الشفاء، هو أفضل بكثير من الوقوف أمام ذلك المشهد العظيم، حين تُفتح الكتب، وتُعلن المستورات والخفايا. لذلك “يابني …… لاتستحي أن تعترف بخطاياك” (ابن سيراخ 4 : 31).
إلاَّ أنّ من يغفر الخطايا ليس الكاهن ولا الكنيسة، بل الله نفسه، والمسيح نفسه. “فالكاهن ليس سوى شاهد لحضور المسيح”، حسب تعبير أفدوكيموف. إنَّه ينقل للتائب 1 محبّة السيد المسيح 2 والمغفرة التي يسكبها على التائبين. وذلك مهما تكن الصيغة التي يستعملها في الحلّة: صيغة الصلاة التي نجدها في التقليد الشرقي القديم والتي تعبّر بوضوح عن أنّ الله هو الذي يغفر الخطايا: “الله يغفر لك خطاياك…”، “ربنا يسوع المسيح يغفر لك خطاياك”، أو صيغة الإعلان من قبل الكاهن: “فإني باسم يسوع المسيح أحلّك من جميع خطاياك التي اعترفت بها أمام الله باسم الآب والابن والروح القدس”. في هذه النظرة يجد الإقرار بالخطايا معناه الحقيقي. فالتائب لا يقرّ بخطاياه أمام إنسان، بل أمام المسيح وأمام الله.
“تعرفون الحق والحق يحرّركم” (يو 8: 32). الإقرار بالحقيقة هو وحده طريق التحرّر. فعندما يقرّ الإنسان بذنبه، يأخذ على عاتقه مسؤولية ذنبه، فيؤكّد مسؤوليته ويؤكّد حرّيته في آنٍ معاً، ويعيد الحقيقة إلى ذاته وإلى علاقاته مع الله ومع الآخرين. ان الإنسان، بإقراره بخطاياه أمام الآخر وأمام نفسه، يودع ذاته بين يدي الآخر وهو واثق برحمته ومحبّته، كما يودع ذاته بين يدي نفسه وهو واثق من مسؤوليته وحرّيته. إذّاك يخرج من عزلته ويتحرّر من ذنبه، وينفتح له مجال واسع يمكن أن ينشأ فيه قصد جديد وعمل جديد. إنَّ الإقرار بالخطايا هو في آنٍ معاً توبة وولادة جديدة.
قد يقول البعض: لماذا أعترف بخطاياي، وأنا عالم بأنّي سأعود إلى الخطيئة في المستقبل؟
جوابي على هذا الإعتراض 1 هو أنه ينطلق من نظرة خاطئة إلى سرّ التوبة والتي تعتبر هذا السرّ مجرّد “غسل من الخطايا”. 2 وحتى في هذه النظرة إن التكهّن بأني سأتلوّث من جديد في المستقبل لا يعفيني من أن أكون نظيفاً الآن، 3 ورفض الغسل يزيدني تلوّثاً. ولكن هناك أعمق من ذلك.
1 فالتوبة ليست مجرّد غسل من الخطايا، بل هي عودة إلى محبّة الله التي ابتعدتُ عنها. 2 إنّها إعلان لمحبّة الله الدائمة التي ترافقني في كل أعمالي، الصالحة والشريرة، في الماضي والحاضر والمستقبل. 3 أتقرّب من سرّ التوبة لامتلئ من محبة المسيح التي تدفعني إلى الأمام لتكون حياتي في المستقبل جواب محبّة على محبّة الله الدائمة. لا أعرف الشيء الكثير عن مستقبل حياتي، ولكني أؤمن أن محبة الله سترافقني على الدوام. لذلك أقول مع بولس الرسول: “لا أعني أنّي قد أصبت الهدف، أو بلغت إلى الكمال. إنّمَا أُواصل السعي لعلّي أدرك المسيح يسوع، لأنه هو قد أدركني” (تي 3: 12- 13). إنَّ المسيح قد أدركني بمحبّته، وأسعى أن أدركه بمحبّتي.
إنَّ سرّ التوبة هو صلاة. وموضوع تلك الصلاة 1 الإعتراف بمحبّة الله 2 والإشادة (المدح الدائم) بالمغفرة التي يسكبها علينا على الدوام برحمته الغافرة التي لا حدّ لها. 3 ومن هذا الإعتراف بمحبّة الله ورحمته نستقي القوّة لنتابع طريقنا في الحياة مع المسيح.
ونرى في إنجيل مرقس أنّ الدعوة إلى التوبة ترتبط بالإيمـان “…توبـوا وآمنـوا بالإنجيـل”(مرقس 1/ 15). فالتوبة التي يدعو إليها يسوع، ليست فقط عملاً بشرياً وجهداً إنسانياً. إنّها نعمة، هبة إلهيّة، هبة الخلاص، لأن الله وحده بوسعه أن يدعو إليها ويمنحها. لذلك تفترض الإيمان، والقبول المجاني بتواضع: “إن لم ترجعوا وتصيروا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات” (متى 18/ 7).
وعليه لا دخول إلى الملكوت، دون توبة، وبالتالي لا حياة إنجيلية، ولا حياة روحيّة. فالتوبة قيمة إنجيلية أساسية ومختصر الحياة المسيحية وليس فقط فضيلة من عداد الفضائل (راجع البابا بولس السادس، دستور رسولي في التوبة 1966، عدد 11، 12، 17) إنّها ولادة جديدة لحياة جديدة. “تبديل جذري” كامل، في عمق أعماق قلب الإنسان وكيانه – أفكار، نوايا، عواطف، أحكام ومسلك – بها يهتدي الإنسان إلى معرفة الحق فيخلص ( 1 طيم 2/ 4). التوبة وصيّة إلهية ضرورية ضرورة الواسطة للخلاص : “إن لم تتوبوا، تهلكوا بأجمعكم” (لوقا 13/ 3-5).
دليل الإعتراف * فحص النفس *
هناك كثيرون لا يعرفون ماذا يقولون لآباء اعترافهم. ولهذا يعتبرون الإعتراف همُّ ثقيل. وهناك البعض الذي يذهب ليعترف، وبعد أن يخرج من جلسة الإعتراف يتذكر أموراً لم يعترف بها، ويظل متشككاً في اعترافه.
لهذه الأسباب وغيرها هناك دليل ليكون معينًا للمعترفين في اعترافاتهم. فيذكِّرَهم بالخطايا التي فعلوها ليقدموا عنها التوبة الواجبة.
أولاً: تنبيهاتكيف تعترف ؟
هناك أمران يمنعان من التوبة ومن الإعتراف بالخطأ، هما الأعذار والبرّ الذاتي.
1- إجلس مع نفسك في روح الصلاة قبل جلسة الإعتراف.
2- إفحص نفسك على ضوء (الوصايا العشرة).
3- ينبغي أن تكون نادماً من قلبك على خطاياك لأنها ضد قداسة الله.
4- لا تدع شيطان الخجل يمنعك من الصراحة في الإعتراف حتى لا تفقد الغفران.
5- ينبغي أن تكون عازماً على تصحيح الأخطاء والبعد عنها. وممارسة التداريب الروحية اللازمة لعلاجها.
ثانياً: مراحل مسيرة التوبة
- فحص النفس(الضمير) : إنه قراءة لحياتنا على نور المسيح الذي دعانا إلى حياة جديدة وعلى ضوء وصايا الله والكنيسة والإنجيل نكشف ضعفنا وخطيئتنا .
- الندامة : شرط أساسي لنيل الغفران عن خطايانا ، نندم متأسفين على الخطايا التي أهانت الله والقريب وسببت موت يسوع على الصليب وهلاك نفوسنا .
- الإقرار : تعبير عن تواضعنا وتوبتنا وطلب للاشتراك مجدداً في عائلة الله، يجب أن يكون الإقرار بالخطايا أمام الكاهن كاملاً ومفصلاً نوعها وعددها وظروفها .
- القانون أو التعويض عن الخطايا : ليس قصاصاً، بل هو بدء حياة جديدة ننطلق من خلالها بالصلاة، وتعبير عن شكر وعرفان جميل تجاه رحمة الله .
القصد : هو استعداد لتغيير الحياة ، موت الإنسان العتيق فينا لنحيا حياة جديدة مع المسيح ، هو قصد من اعماق القلب مع التوكل على الله أن لا نعود إلى الخطيئة، وأن نتجنب كل فرصة تحملنا على العودة إلى الخطيئة .
فحص النفس
1- العلاقة مع الله (التمتع بالله من خلال…).
2- العلاقة مع الآخرين (محبتهم من خلال قلب المسيح).
3- الحياة الداخلية : (الضمير الصالح).
1- العلاقة مع الله
هل احب الرب من كل قلبي ؟ هل هو أساس حياتي ؟ هل عندي إيمان عميق بالله ؟ هل عندي جحود؟؟؟ هل أعتمد على العناية الالهية أم على نفسي فقط ؟ هل أنا مؤمن بمحبته رغم الصعوبات ؟ هل احتقر ايماني بفكري او بحديثي او بمطالعتي الالحادية ؟ هل غذيت ايماني بكلام الله وبتعليم الكنيسة ؟ إيماني ؟ هل ألتجئ إلى العبادات الباطلة ؟ هل انتمي إلى البدع ومنظمات سريّة ؟ هل امارس السحر والعرافة والشعوذة والخرافات ؟ هل اخللت بواجباتي الدينية عن حياء ؟ هل قطعت الرجاء من رحمة الله ؟ هل اتكلت على رحمة الله لا تمادى في الشر ؟ هل اهملت صلواتي صباحاً ومساءً او صليتها بفتور مشتت الفكر ؟ هل اخللت باحترام بيت الله والأشخاص المكرسين له ؟ هل اقرأ الانجيل باستمرار ، واستنير فيه بأقوالي واعمالي ؟ هل حلفت صدقاً او حلفاً كاذباً ؟ هل جدّفت ؟ هل اهملت وفاء نذوري؟ هل اشتغلت ايام الاحاد والاعياد دون مسوًغ؟ هل كنت سبباً لغيري في عدم تقديس يوم الرب ؟ هل تخلفت عن الاشتراك بالقداس ايام الأحاد والأعياد ؟ هل شاركت بالقداس بانتباه ، وحضرته كاملاً ؟ هل عندي لامبالاة دينية وكسل روحي ؟
(1) هل تتمتع بالله من خلال الكتاب المقدس؟ وهل تسمع صوت الله فيه؟ وهل أنت مواظب على قراءته؟
(2) هل تتحدث مع الله كأب لك في صلواتك؟ هل تشكره على حبّه وإحسانه؟ هل تعبّر له عن محبّتك؟ هل تواظب على مواعيد الصلاة؟ هل تمارس صلاة يسوع ؟
(3) هل تواظب على حضور الكنيسة من قداسات واجتماعات؟ هل تشعر بحضور الرب في الكنيسة؟ هل تشترك في تمجيد الله وتسبيحه مع الملائكة والشعب؟
(4) هل تواظب على الإعتراف مرة كل شهر على الأقل؟ هل تعترف بكل شيء بشفافية؟
(5) هل تواظب على التناول من جسد الربّ ودمه؟ هل تراعي وجود الربّ في داخلك بالتناول في تصرفاتك؟ هل تتسامح مع إخوتك قبل إقدامك على التناول؟
(6) هل تمارس الصوم العام؟ وهل لك أصوام خاصة؟ هل لك فترات انقطاع عن الطعام في الصوم؟
هل تصوم عن الشرور والعادات الرديئة أيضاً؟ هل تخلط الصوم بالصلاة وقراءة الكتاب المقدس؟
(7) هل تقرأ كتباً روحية مفيدة؟ هل تستفيد منها؟ بأن تحول ما تقرأه إلى تدريبات روحية؟
2- العلاقة مع الآخرين
هل قلّلت الإحترام او الطاعة لوالدي ؟ هل اساعدهما ، اخدمهما ، احبهما ؟ هل اعرضت عن مساعدتهما روحياً ومادياً ؟ هل اثق بهما ؟ هل انا صادق معهما ؟ كيف ابني علاقتي مع اخوتي في المنزل ؟ هل هنالك خصام ، غيرة ، تنافس ، عدم محبة، خلاف… بسبب الميراث او غير ذلك ؟ نحن كأهل هل نعطي المثل الطيب لاولادنا ، هل نتفهم اوضاعهم ونصغي اليهم ؟ هل نتذمر امامهم ؟ هل نتحلى بالصبر في علاقتنا بهم ؟ هل نعتني بتربيتهم من كل النواحي ؟ … هل انظر إلى الآخرين ، إلى كل الناس كأنهم اخوة لي ابناء الله الأب الواحد ؟ هل احترم الآخرين من كل قلبي ام لا ابالي بهم ؟ هل اشتهي الضرر لغيري ؟ هل قتلت احداً ؟ هل احترمت الحياة في الآخرين ؟ هل أجهضت ؟ هل طلبت من طبيب بقتل مريض قريب أم بعيد، أو هل أهملت مريض حتّى الموت؟ هل اشتهيت الموت لنفسي أو لغيري ؟ هل أتاجر بالمخدرات أو اتعاطى ذلك ؟ هل سببت شكاً او كنت سبب عثرة للقريب باقوالي او اعمالي ؟ هل اكره احداً ؟ هل اشهر بصيت غيري وافتري على احد ، هل عندي نميمة او دينونة باطلة ؟ … هل أهزء بالآخرين ؟ هل جرحت احداً باقوالي ؟ هل ارى المسيح في كل مكان ؟ هل توقفت على افكار مضادة للطهارة ؟ هل سمحت لنفسي بشهوة ، نظر ، كلام ، او عمل ضد الطهارة ؟ وحدي او مع غيري ؟ هل قمت بواجبات الزواج حسب ارادة الله ؟ هل تجنبت اسباب الخطيئة (مطالعات ، مشاهد ، عشرة رديئة ) ؟ … هل للقريب في ذمتي حق ؟ هل آخذ اموالاً او اغراضاً لا حق لي فيها ؟ هل رددت المسلوب وعوضت عن الضرر ؟ هل آحذ ربحاً غير مشروع ؟ هل عندي تبذير ؟ اذا كنت رب عمل هل اظلم العامل بالاجر الذي اعطيه ؟ اكنت عاملاً هل اعمل بدقة وامانة وحب واتقان ؟ هل اساعد المحتاجين مادياً ومعنوياً ؟ هل عندي غش في عملي، في الإمتحانات …؟ هل عندي تزوير ؟ تملق ؟ هل اشهد بالزور ؟ هل كذبت ؟ هل تكلمت بحق القريب ؟ هل اتهمت باطلاً؟ هل عندي مديح كاذب ؟ اذا اراد احد أن يتصالح معي ، فهل أنا مستعد أن اسامحه واغفر له ؟ هل اتعاطى المقامرة ؟ السكر؟
(1) هل تحب الآخرين من قلب المسيح أي تحبّ خلاص نفوسهم؟
(2) هل تبغض أحداً وتكرهه ولا تتعامل معه أو تخاصمه؟
(3) هل تغضب على الناس وتفقد أعصابك وتهينهم وتشتمهم؟
(4) هل تدين أحدا؟ وتمسك سيرة الناس؟
(5) هل تعتذر لمن أخطأت إليه؟
(6) هل تصفح لمن يسيء إليك وتغفر له؟
(7) هل تخضع لمن هو في سلطة [للوالدين؟ للزوج؟ لصاحب العمل؟ للكهنوت؟ للحكومة؟]
3- الحياة الداخلية: الخطايا ضد الذات [الضمير الصالح]:
هل أعمل من أجل راحتي الشخصية فقط ؟ هل أنا متكبّر؟ أناني؟ غضوب؟ شتام؟ هل أتيت عملاً عن بخل؟ عن حسد، عن شراهة، عن كسل، أو سعياً للظهور؟ هل حاربت عاداتي القبيحة؟ كيف أقوم بمسؤولياتي في البيت والعمل والكنيسة والوطن؟ كيف أستعمل مواهبي، وقتي وصحتي؟
(1) هل تحافظ على طهارة النظر؟ والفكر؟ والفعل؟ أم أن هناك محاربات؟ وهل تقاومها بقوة الروح القدس؟
(2) هل تحافظ على روح التواضع؟ أم يوجد كبرياء؟ وإعجاب بالنفس؟ وافتخار؟
(3) هل تراعي الأمانة؟ أم يوجد كذب؟ أو سرقة؟
(4) هل تشكر على كل حال؟ أم يوجد تذمر وعدم رضا؟
(5) هل تقوم بخدمة للرب؟ أم أنك مقصر في ذلك؟
ماذا تقول أمّنا مريم العذراء سرّ التوبة ؟؟؟
الإعتراف (سرّ التوبة) : أشارت ملكة السلام إلى أن الإعتراف سلاحٌ من أجل الفرح والسلام وعلاج لشفاء النفس ومحرّضاً لنا على تغيير مسار حياتنا:”أحلّوا السلام بينكم وبين الله، وبين بعضكم البعض. ومن أجل ذلك يجب أن تؤمنوا وتصلّوا وتصموا وتعترفوا. لاتعترفوا بدافع العادة فتبقوا بعد الإعتراف كما كنتم قبله. ذلك فعل لا خير فيه. يجب أن يُعطي الإعتراف دفعاً لإيمانكم وزخماً. ويجب أن يحثكم على التقرّب من يسوع. في الإعتراف تُنالون نِعمٌ كبرى. أولادي الأحبّة عيشوا جميعكم حياةً جديدةً إبتداءً من اليوم. اليوم أدعوكم إلى تجديد القلب. إستسلموا لله ليتمكّن من شفائكم، ومن تعزيتكم، ومن غفران كلّ ما يحجّر المحبّة في قلوبكم”. وجوهر الخطيئة هو تحجير المحبّة. والله يبغي شفاءَنا، ويريد أن يعيد بناءَنا نحن الذين خسرنا محبّته. وبالإعتراف نستطيع أن نتقبل جسد المسيح.
مفاعيل سرّ التوبة :
إنّ سرّ التوبة لا ينتهي بالحلة التي ينالها التائب من المسيح بواسطة الكاهن، بل يمنح التائب الفرح والسلام والوحدة مع1 الله 2ومع نفسه 3والآخرين 4ومع الكنيسة 5والعالم:
1 1- مع الله إن الله لا يكتفي بأن يمنح غفرانه، بل ويمنح ذاته وحبّه، بحيث يأتي الى الخاطئ، آباً وابناً وروحاً قدساً، يجعلون عنده مقرهم. ( يو 14 / 23 ).
فالتائب يفتح باب قلبه للإله الواقف وهو يقرعه طالباً السماح بالدخول ( رؤيا 3\20 ). وإذا فعل يصبح المسيحي المملوء خلقاً جديداً على مثال المسيح: إبناً في الإبن: “اعتمدنا بروح واحد لجسد واحد” (1كو 12/13). “إن الذي مسحنا هو الله، وهو الذي ختمنا وجعل عربون الروح في قلوبنا” (2كو1/21- 22 ). “فصرنا شركاء في الطبيعة” ( 2 بطرس 1/4 ).
2- مع الذات : من جراء العودة إلى الذات الأصيلة المرتبطة بالله ارتباطاً كلياً، ذلك الإله الذي يسكن الانسان ويجدده، يبلغ الانسان اكتماله وغاية وجوده، ويستعيد توازنه الأصلي، وهذا لا يعني أنه يصبح معصوماً عن الخطأ، لكنه سوف يتقدم في التواضع والمحبّة.
3- مع الآخرين : الاتحاد بالله لا يكون صحيحاً إن لم ينفتح الإنسان على كل إنسان، فالمحبّة الحقيقية لا تعرف الحدود، والاتحاد بالله يكون وهماً إن هو انغلق على الذات الإلهية أو الذات الشخصية، ولم ينفتح على الذات الأخوية.
4- مع الكنيسة : لأن الله يسكن في الكنيسة، كما في هيكله، ولأن جميع الأخوة أعضاء الجسم الكنسي: “نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، وكل منا عضو للآخرين” ( رومية 12/5 ).
5- مع العالم : بحيث يعود التائب فيدخل “دينامية” قيامة المسيح الذي لا يزال يعمل في تاريخ العالم، فيلتزم في بيئته رسالة الملكوت. “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر” (متى 28/19-20). ويندد بالشر ويكافح جميع أنواع الظلم.
بإيجاز :
1485 – ” في مساء الفصح ظهر الرب يسوع لرسله وقال لهم: “خذوا الروح القدس. فمن غفرتم خطاياهم غُفرت لهم٬ ومن أمسكتم خطاياهم أُمسِكتْ” (يو 20/22-23).
1486 – مغفرة الخطايا المقترفة بعد المعمودية تُمنح بواسطة سرّ خاص يُعرف بسرّ الارتداد ٬ أو الاعتراف ٬ أو التوبة ٬ أو المصالحة.
1487 – من يخطأ يجرح الله في كرامته ومحبّته ٬ ويجرح كرامة الانسان الذاتيّة بصفته كائناً مدعوّاً إلى أن يكون ابن لله٬ ويبلبل راحة الكنيسة الروحيّة ٬ تلك الكنيسة التي يجب على كلّ مسيحي أن يكون فيها حجراً حيّاً.
1488 – في نظر الإيمان٬ لا شرَّ أعظم من شرّ الخطيئة ولا شيء يجرّ على الخطأة أنفسهم وعلى الكنيسة وعلى العالم بأسره عواقب أوخم.
1489 – العودة إلى الشركة مع الله التي نفقدها بالخطيئة هي حركة تولّدها نعمة لله الرحيم والمعنيّ بخلاص البشر. ولا بدّ أن نلتمس هذه العطيّة النفيسة لذواتنا وللغير.
1490 – حركة العودة إلى لله تُدعى ارتداداً وتوبة تفترض توجّعاً وكرهاً للخطايا المقتَرفة والعزم الثابت على ألاّ نعود نخطأ من بعد. الارتداد يتّصل اذن بالماضي وبالمستقبل ٬ ويتقوّى بالاتّكال على رحمة لله.
1491 – سرّ التوبة قوامه الأعمال الثلاثة التي يقوم بها التائب٬ والحلّ الذي يعطيه الكاهن، أعمال التائب هي التوبة والاعتراف أي كشف الخطايا للكاهن ٬ والعزم على التكفير عنها والقيام بأعمال التكفير.
1492 – التوبة (أو الندامة) يجب ان ترتكز على أسباب تتصل بالإيمان. فإذا صدرت التوبة عن محبة خالصة لله، فهي”التوبة الكاملة”. وأمّا إذا ارتكزت على أسباب أخرى ٬ فهي “التوبة
. الناقصة”
1493 – من رام المصالحة مع لله ومع الكنيسة٬ عليه أن يعترف للكاهن بجميع الخطايا الثقيلة التي لم يعترف بعد بها والتي يتذكّرها بعد محاسبة دقيقة لضميره. وأمّا الاعتراف بالخطايا العرضيّة ٬ وإن لم يكن ملزم ا ٬ فالكنيسة تحبّذه ٬ مع ذلك ٬ وتشدّد عليه.
1494 – يعرض المعرّف على التائب القيام ببعض أعمال “التكفير” أو “التعويض” ٬ لإصلاح الضرر الناتج عن الخطيئة٬ واستعادة الخصال التي يتميّز بها تلميذ المسيح.
1495– لا يجوز إلاّ للكهنة الذين تفوِّ ض إليهم الكنيسة سلطان الحلّ ٬ أن يغفروا الخطايا باسم المسيح.
1496 – المفاعيل الروحية لسرّ التوبة هي :
- المصالحة مع الله التي بها يستعيد التائب النعمة الإلهية.
- المصالحة مع الكنيسة.
- محو العقاب الأبدي الذي تستوجبه الخطايا الثقيل.
- محو العقوبات الزمنية – ولو جزئيّاً – الناجمة عن الخطايا.
- السلام وطمأنينة الضمير والتعزية الروحية.
- تنامي القوى الروحية٬ في سبيل الجهاد المسيحي الروحي.
1497 – الاعتراف الفردي والكامل بالخطايا الثقيلة والحلّ الذي يعقبها هما الوسيلة العادية الوحيدة للمصالحة مع لله ومع الكنيسة.
يُحكى أنّ إبليس كان واقفاً بالقرب من كرسي الإعتراف، وكان يتحدّث مع التائبين وهم ينتظرون دورهم للإعتراف. فسأله الكاهن : “ماذا تفعل هنا يا عدو الله”؟ أجاب إبليس: “أعيد للتائبين ما سلبتُه (سرقته) منهم. فأنا عندما جرّبتُهم سلبت (سرقت) منهم الحياء (الخجل)، وها إني الآن أعيدُه إليهم كي يخجلوا من الإعتراف فلا يتوبون”.
قرار صادر عن الهيئة العليا للشؤون الإلهية:
تاريخ القرار: الجمعة المصادف السادس عشر من نيسان سنة 33 ميلادية
نص القرار: تم إعطاء فرصة لكل إنسان هارب من وجه العدالة الإلهية لكي يُسلم نفسه في أقرب فرصة ممكنة وهي الآن، يُسلم نفسه للذي يعفو فينجو . وسيتغاضى الله عن أزمنة الجهل التي سلكها الإنسان طوال حياته، لأجل محبته الكبيرة، وهذا العفو هو عفو شامل للجميع صغار وكبار، جهلاء وحكماء … لكل قبيلة وشعب وأمة ، والعفو الإلهي مجاني تم دفع كل مخالفات وتعديات الإنسان على الله بواسطة يسوع المسيح الذي مات على الصليب، كما إن مدة هذا العفو هو زمان النعمة الحاضر .
الاب شارل ديب – مرشد الحركة المريمية في الأراضي المقدسة