تمثال يسوع المتشرّد – رسالة صارخة عنوانها الرحمة!
أحياناً يتألّق فنّان في عصر ما، يقوم بعمل مثل لوحة أو تمثال منحوت، ويبقى عمله هذا خالداً لا يمسّه الزمن. في أيامنا هذه ظهر فنّان، نحّات يبدو أن عمله يمسّ ويؤثّر على الصعيد العالمي. من المثير للدهشة أن أعماله الفنية مسيحية بشكل علني. اسم الفنّان تيم شمالتز.
كان تيم شمالتز يقود سيارته في شوارع تورنتو. كان يوماً عادياً : الناس مشغولون، البعض ذاهبون الى عملهم، والأخرون يتسوّقون، لهم انشغالاتهم وهمومهم وحياتهم. لكن بالنسبة الى النحّات الشاب هذا اليوم سوف يغيّر حياته المهنية الى أبعد الحدود. في وسط كل ذلك رأى شيئاً، عرف بعد لحظات أنه شخص. رجل متشرّد نائم على مقعد مغطّى ببطانية. العالم يسير حوله وهو لا يتحرّك . وقف تيم مذهولاً أمام هذا المشهد المتناقض في هذا التجاور الغريب. كان ذلك نقطة تحوّل في حياة تيم، لكن ليس نحو الإيمان، الذي كان حينها قد بدأ مسيرته نحوه. بل نحو إتجاهه الفنّي. سنين بعد ذلك المشهد تجسّدت هذه التجربة في منحوتة أسماها “يسوع المتشرّد”، ومعها تبدّلت حياة تيم شمالتز الى الأبد.
إنها فكرة بسيطة قد نستغرب كيف لم تُطبّق من قبل. غالباً ما تكون السمة المميّزة لعمل فني عظيم ليس تعقيداته وصعوبته بل بالبساطة التي تسمح للجمهور في الوصول والتواصل معه.
نسخات عن منحونة يسوع المتشرّد وُضعت في كثير من الأماكن العامة في دول العالم المختلفة، في الكثير من مدن الولايات المتحدة وكندا والمانيا وإيطاليا والسويد والهند وغيرهم… حيث ضجيج الحياة وحركة البشر المستمرة. غالباً ما تُفاجئ اللوحة الفنية الناس، ففي بلدة في شمالي امريكا وصل بلاغ لمركز الشرطة عن وجود متشرّد نائم في العراء على مقعد خشبي. تم التعرّف على المتشرّد بأنه تمثال يسوع! يصعب على المرء تمييز التمثال إلا أذا كان يقف على مقربة منه. عندها سوف يلاحظ العلامات: قدمَي الرجل الملتحف بالبطانية تمثّلان تلك الأقدام التي تمّ ثقبها منذ اكثر من 2000 عام بالمسامير على خشبة الصليب!
نسخة عن تمثال يسوع المتشرّد وُضع مؤخراً في ساحة القديس ايجيديو في الفاتيكان، عند مدخل مكتب المؤسسات الخيرية البابوية، في بداية اسبوع الألام في الشهر المنصرم.
هذا التمثال يمثّل الفن المسيحي الذي هو عميق وشعبي. في حين اتّخذ العديد من الفنّانين في العقود الأخيرة متعة منحرفة في صنع لوحات وتماثيل تسخر وتستهزئ بالأيقونات المسيحية التقليدية وفي كثير من الأحيان يحصلون على جائزة علمانية مكافأة على “إبداعهم” الشاذ . أتى تيم وأظهر بفنّه تميّزاً نتج عنه لوحة تحترم هذا التقليد ..
لوحة منحوتة أخرى للفنّان تيم شمالتز ستوضع في نهاية المطاف في سان جيوفاني روتوندو، دير البادري بيو. فمن المناسب أن يتم عرضها هناك، بما أنها تُجسّد القديس.
إنها منحوتة “أنا أحلّك” – أغفر لك- . التمثال يُظهر البادري بيو جالساً عند كرسي الإعتراف كما كان يفعل لساعات يومياً ولمدة سنوات طويلة. لكن هناك أمراً غير متوقّع إذا نظرنا الى التمثال عن قرب. ففي نافذة الإعتراف تُلاحظ يداً مثقوبة وبدلاً من انعكاس وجه القديس الجالس في الجهة المقابلة، نرى وجه السيد المسيح. هنا لدينا تعليم مسيحي حقيقي عن سر المصالحة، مُذكّراً الجميع أن المسيح هو الذي يغفر خطايانا.
كل عام يحجّ ملايين المؤمنين الى مزار القديس بادري بيو. الكثير منهم يطلبون الإعتراف، وأخرون يطلبون شفاعته. في سنة الرحمة تمثّل لوحة “أنا أحلّكَ” تذكيراً فنّياً للدعوة المتواصلة للمغفرة التي تطرق باب كل قلب. تلك هي الأنجلة الجديدة مركّبة في الحجر والطين.
هذان العملان الفنّيان أتيا في الوقت المناسب، مع التعليم البابوي الحالي : الفقراء والرحمة الإلهية.
من أجل إيصال الرسالة الموكلة لها من قبل الرب يسوع، الكنيسة تحتاج الى الفن. على الفن أن يكون ملموساً، وأن يجعل ، عالم الروح، الغير مرئي، الله، جذّاباً الى أقصى حدّ. لذا يجب أن يُترجم ويُظهر مغزى ما هو في حد ذاته لا يوصف. الفن لديه قدرة فريدة على اتّخاذ جانب أو اكثر من الرسالة وترجمتها الى ألوان وأشكال وأصوات، التي تُغذّي حدس أولئك الذين ينظرون أو يستمعون.