من هي جيما غلغاني القديسة التي تُلقّب بجوهرة المسيح وعاشقة يسوع؟
جيما متصوفة، حاملة السمات، والنفس الضحية المكفّرة
كل من يقرأ سيرة القديسة جيما غلغاني وكتاباتها، لا يستطيع سوى أن يقع قي حبّها من اللحظة الأولى. كان قلب القديسة جيما مشتعلاً بحبّ استثنائي لله، وقد عبّرت بشكل مدهش عن هذا الحبّ في كتاباتها وخلال انخطافاتها. فمثلاً عندما كان قلبها يضطرم حبّاً للرب قالت:
“آه، أيها الحبّ… أيها الحبّ اللامتناهي… أنظر: حبّك يا إلهي… حبّك يخترق جسدي بحدّة. متى، متى سأتّحد بكَ، يا إلهي، ومن لديه قوّة الحبّ كهذه ليبقيني في اتّحاد هنا على الأرض؟ إفعل ذلك، قم بذلك!… إجعلني أموت، وأموت حبّاً!… ما أجمله من موت، ربّاه، أن أموت ضحيّة الحبّ… ضحيّتك أنت… إهدأ، إهدأ يا يسوع… إن لم تفعل، فسينتهي بحبّك أن يحرقني حتى أصبح رماداً!… آه، أيها الحبّ… أيها الحبّ اللامتناهي… يا حبّ يسوعي… دع حبّك يخترقني كلّي! منك لا أريد شيئاً آخر. ربّي، إلهي، أحبّك!…”
سيرة موجزة عن حياة القديسة جيما غلغاني
ولدت جيما في 12 مارس 1878 في كاميجليانو، إيطاليا، وبعد فترة وجيزة من ولادتها انتقلت عائلتها إلى لوكا، إيطاليا، حيث بقيت طوال حياتها. توفيت والدتها أوريليا، وهي امرأة تقيّة، عندما كان عمر جيما 8 سنوات فقط. إن فقدان أمها في سن مبكرة كان سيف من المعاناة على قلبها الصغير. بعد 11 عاما، في سن 19، سوف تفقد أيضا والدها، تاركاً إياها وإخوتها أيتام. لم يمض وقت طويلبعد موته عندما مرضت بشكل خطير إذ عانت من التهاب السحايا الشوكي، وأصبحت طريحة الفراش وعلى وشك الموت. عند هذه المرحلة من حياتها بدأت تتلقّى النعم السماوية الخاصة في حياتها.
شفاء عجائبي
القديس غبريال بوسّيني من رهبنة آلام المسيح The Passionist بدأ يظهر لجيما في سلسلة رؤى، مشجّعاً إياها ولمساعدتها في القيام بتساعية لقلب يسوع الأقدس على أمل الشفاء. في حين ان الأطبّاء الذين أشرفوا على عيادتها، قد فقدوا الأمل بشفائها وأعلنوا دنوّ أجلها.
في 3 من آذار ظهر لها السيد المسيح وشفاها. كان ذلك في اليوم الأخير من التساعية، والذي صادف أول جمعة من الشهر (المكرّس لقلب يسوع الأقدس). منذ ذلك الوقت بدأت جيما تتلقى إيحاءات في قلبها من يسوع وأصبحت ترى ملاكها الحارس الذي كان يلهمها ويوجّهها في ممارسة الفضائل.
جيما تحصل على السمات المقدسة
أشهر بعد شفائها، في صباح الثامن من حزيران 1899، استنارت جيما خلال المناولة المقدسة بأنها ستتلقّى نِعماً جديدة من الرب يسوع. في المساء ظهرت لها السيدة العذراء المباركة وملاكها الحارس. قالت العذراء لها:
“ابني يسوع يحبّك كثيراً ويرغب بمنحك نعمة عظيمة، هل تعلمين كيف تجعلي نفسك مستحقّة ذلك؟”
لم أعرف في بؤسي بماذا أجيبها. ثمّ أضافت:
“سوف أكون أمّك. هل ستكونين ابنة حقيقية؟”
عندئذٍ، بسطت معطفها وغطّتني به. في تلك اللحظة ظهر يسوع المسيح بكل جروحاته المفتوحة، إلا أن الدم لم يكن يسيل من هذه الجروحات. بدلاً من ذلك، انطلقت منهم لهب من نار، وفي لحظة لامست هذه اللهب يدَيّ، قدميّ وقلبي. شعرت كما لو أنني سأموت. سقطت على الأرض، لكن أمّي ساعدتني، وطلّت تغطّيني بمعطفها.
أضطررت أن أبقى عدة ساعات في هذه الوضعية. في النهاية قبَّلَتْ جبيني، واختفى كل شيء، ووجدت نفسي راكعة على الأرض. لكن ما زلت أشعر بالألم في بديّ، وقدمَيّ وقلبي. قمت كي أذهب الى سريري، عندها شاهدت أن الدم كان يتدفّق من الأماكن حيث شعرت بالألم.
غطّيتهم بقدر ما استطعت، وبمساعدة ملاكي تمكّنت من الذهاب الى السرير. هذه المعاناة والآلام ، بالرغم من أنها عذّبتني، إلا أنها ملأتني بالسلام الكامل. في الصباح التالي استطعت الذهاب الى المناولة المقدسة بصعوبة بالغة، وارتديت زوجاً من القفازات لإخفاء يديّ. بصعوبة وقفت على قدمَيّ، وكنت أعتقد أنني سأموت في أي لحظة. هذه المعاناة استمرت حتى الساعة 3:00 من بعض ظهر الجمعة، الذي كان عيد قلب يسوع الأقدس.
النفس المضحّية
بدأت جيما غلغاني تقدّم معاناتها من أجل ارتداد الخطاة. وواصلت هذه المهمة حتى نهاية حياتها. في بعض الأحيان، كانت ترافق السمات أيضا إكليل الشوك، وكذلك الجلد الذي وثّقه جيداً مرشدها الروحي، المكرّم الأب جرمانوس C.P.
انخطافات الحبّ
الى جانب المعاناة في الاتحاد مع يسوع لارتداد النفوس،كانت تنجذب أيضا إلى انخطافات ونشوات روحية سامية حيث خاطبت يسوع وغالبا ما توسّلت إليه من أجل الخطأة، والنفوس في المطهر، ومن أجل الحب والرحمة للبشرية جمعاء، دائما تُدلي ليسوع بحبها له، وتقدّم نفسها ذبيحة وضحيّة للحصول على هذه النعم.
موت القديسة جيما
بعد حياة نكران الذات المليئة بالحب التي وهبتها إلى الله لارتداد الخطأة، توفيت جيما العزيزة على قلبه الأقدس، بعد ظهر يوم سبت النور، عشية عيد الفصح، حيث نحتفل بقيامة ربنا يسوع المسيح.
في أيلول 1902، أصبحت جيما مريضة جداً وأصيبت بالسّل. بدأت حمى المرض في إنهاك ضحية العدالة الإلهية البريئة. وكانت تتقيّئ الدم بكثرة. وكتبت التي كانت تراقب سريرها إلى مرشدها الأب جيرمانو: “إنها تذوب ولم يبقَ منها سوى الجلد والعظام؛ فهي تعاني من آلام شديدة. أخبرنا ماذا نفعل. لا يمكن للمرء أن يتحمل عذاب عدم معرفة ما يجب القيام به للتخفيف عنها. جيما تشعر أنها في حاجة كبيرة إليك. تعال بسرعة وقل لنا ما يجب القيام به”.
وصل الأب المرشد في شهر تشرين الأول وحزن جداً عند رؤيته حالة جيما السيئة. فقال لها:
– حسناً جيما. ماذا علينا أن نفعل؟
– الذهاب ليسوع، أبتِ. أجابت بنبرة فرح
– أحقّاً؟
– نعم، أبتِ، هذه المرة قال لي يسوع بوضوح، بوضوح تام. الى السماء، أبتِ الى يسوع. مع يسوع في السماء”
– لكن خطايانا، كيف يمكننا التكفير عنها؟ باستطاعتك تسهيل الأمر!”
– يسوع قد فكّر بذلك. سوف يسمح لي أن أعاني كثيراً في الوقت القصير الذي لا بد لي أن أعيشه. هذا سيقدّس آلامي المسكينة بواسطة استحقاقات آلامه، ذلك سيرضيه، ثم سيأخذني معه الى السماء”.
– ولكن أنا لا أريدك أن تموتي الآن”.
– إن رغب بذلك يسوع فما العمل؟” أجابت بطريقتها الحماسية.
ثم أعطته كل تفاصيل موتها ودفنها بهدوء شخص يناقش مسألة عادية. وفي الإعتراف الذي قامت به في المساء اعترفت بخطايا حياتها كلها بتوبة وندم شديد لدرجة أن الأب جيرمانو لم يستطع حبس دموعه لرؤيته هذه المشاعر الحية من الحزن في المخلوقة التي لم تتلطّخ فيها براءة ونصاعة ثوب معموديتها بخطيئة متعمّدة.
في الصباح مرتدية طرحة بيضاء على رأسها كالعروس تقبّلت المناولة المقدسة. قال الأب جيرمانو: “كانت تبدو كالملاك في خشوع وعبادة أمام جلالة الله”.
التفتت جيما إلى الكاهن مرشدها وقالت له: “إن أردت، يمكنك الذهاب الآن أبتِ. لأني لن أموت الآن. هذا المرض سوف يميتني بلا شك، لكن ليس بعد. على الأقل، هذا ما قاله لي يسوع”.
هكذا استمرت الشهور مع جيما التي عاشت باتّحاد وثيق في الحب والمعاناة مع يسوع المصلوب. من خلال تقديم معاناتها متّحدة مع يسوع، كانت هذه الروح الضحية تحصل كل يوم على عدد لا يحصى من النعم لتوبة الخطأة. وصل الأسبوع المقدس وأصبحت ضحية يسوع أكثر ما تكون متشابهة به في موته.
يوم الجمعة العظيمة، 10 أبريل 1903 قالت لسيسيليا جيانيني التي كانت تعتني بها: “لا تتركيني حتى أُسمّر على الصليب لا بد لي أن أُصلب مع يسوع. لقد قال لي أنه يجب أن يُصلب أولاده.” ثم غاصت في انخطاف ومدّت تدريجياً ذراعيها، وظلت في هذه الوضعية لمدة ثلاث ساعات – صورة يسوع ينازع على الصليب. كل ذلك النهار والليل استمر عذابها.
في الثامنة من صباح سبت النور، 11 نيسان 1903، تلقّت جيما مسحة المرضى وتناولت القربان الأقدس للمرة الأخيرة. عند الساعة 1:30 والصليب بين يديها قالت: يا يسوع، الآن حقّاً لم يتبقَّ مني شيء. إن كانت تلك مشيئتك، خذني إليك”. ثم ألقت نظرة على صورة السيدة العذراء وأضافت: “أمّي، أسلّم ذاتي إليكِ. إسألي يسوع أن يرحمني”.
ثم، في صوت ضعيف: “يا يسوع، أعهد إليك روحي المسكينة”. كانت هذه كلماتها الأخيرة. قبّلت الصليب، ووضعته على قلبها، وأثنت يديها فوقه، وأغلقت عينيها. ثم، بعد لحظات قليلة، حوّلت رأسها على الوسادة وتوقّفت عن التنفس، هكذا طارت روحها لتتّحد إلى الأبد مع الله الذي احبته بكل قوة قلبها.
الكاهن الذي كان يتلو صلوات المنازعين لم يعرف لحظة وفاتها. قال: “لقد رافقت الكثير من المنازعين في ساعاتهم الأخيرة ولم أعرف أبداً أحداً ليموت بهذه الطريقة، دون دمعة أو تنهد. ماتت والإبتسامة باقية على وجهها لدرجة أنني أقنعت نفسي بصعوبة أنها كانت ميتة حقاً”.
نُقش على قبرها:
جيما غلغاني من لوكا، عذراء في غاية البراءة، بينما كانت في سن ال25، أفنتها نار الحبّ الإلهي قبل عنف المرض. طارت الى أحضان عريسها السماوي في سبت النور 11 نيسان 1903. سلام لك أيتها الروح الحلوة، برفقة الملائكة”.