العِلم وظاهرة مديوغورييه – الجزء الأول
الإختبارات التي فُرضت على رؤاة مديوغورييه
كانت الشرطة هي أول من بدأ بالفحوصات النفسية للرؤاة وذلك منذ الأيام الأولى لظهورات السيدة في مديوغورييه . قال الأب لورنتين Fr. Laurentin : يجب الّا نحكم على انه تحرّش ومضايقة من النظام الشيوعي . انها ردّة فعل طبيعية من قبل اي شخص حين يواجه هذا النوع من البلبلة والإثارة مثل التي واجهت الشرطة عندما بدأ سيل من الاف البشر يصلون الى مديوغورييه بحثاً عن الرؤاة . بطبيعة الحال سيكون مهماً إثبات ان الأولاد معافين نفسياً . مع ذلك يجدر بالذكر ان النظام الشيوعي كان متخوّفاً بأن ما يحدث هو بدء انتفاضة نتيجة القمع والإضطهاد الذي يرزح تحته الشعب .
كما علّق على ذلك الأب لورنتين :”اي إدارة لها شرعية السؤال : هل هذا طبيعي ام مرَضي؟ اذا كان المرء امام حالة هوَس ، أليس من مصلحة الشعب العامة تبرّر تقديم القضية برمّتها الى طبيب نفسي ؟
إنّ الذي بدأ في 27 حزيران 1981 مع أول اختبار موَثّق لرؤاة مديوغورييه ، سيصبح مهمة مستمرة لكثير من الأطبّاء المختصّين في علم النفس والطب النفسي وعلم الأعصاب على مختلف أنواعهم وبالتنويم المغناطيسي ، جنباً الى جنب مع المختصّين بدراسة أوضاع الرؤاة الجسدية التي تشمل القلب والبصر، والسمع، والصوت، والدماغ، والحساسية للألم . الأطباء المدرجين هنا في المقال هم الرّواد في المجالات الطبية والعلمية ولهم سمعة عالمية.
جدير بالذكر ان كل الرؤاة تم تمحيصهم ودراستهم على اكمل وجه من قبل العديد من الخبراء في المجال اللاهوتي ومن مختلف مستويات الرئاسات الكنسية . حدث ذلك في كثير من الأحيان دون علم الرؤاة ، اذ اتى العديد منهم الى مديوغورييه تحت غطاء التخفّي .
كما تم ايضاً استجواب الرؤاة وتهديدهم مراراً من قبل الشرطة الشيوعية في الأيام الأولى من الظهورات .
لا نجد أبداً في تاريخ الكنيسة كلّها اي مجموعة او افراد تمّت دراستهم وتمحيصهم من قبل الكثير من مختلف الخبراء والأشخاص من جميع انحاء العالم، مع تنوّع الأجهزة والمعدات التكنولوجية المعقّدة الي يُقدّمها العلم في ايامنا ، ولفترة طويلة من الزمن كالذي تعرّض له رؤاة مديوغورييه الستة : ميريانا ، فيتسكا ، ماريا ، إيفانكا ، إيفان وياكوف . هذه الحقيقة وحدها يجب ان تجعل أكثر الملحدين إقتناعاً بأن يعيدوا النظر .
الاسم: الدكتور أنتي بيجيفيك Dr. Ante Bijevic
مكان وتاريخ الاختبار: سيتلوك، 27 يونيو 1981
شرطة سيتلوك رافقت الأطفال إلى مكتب الدكتور أنتي بيجيفيك ، طبيب محلّي . الطبيب وجد الرؤاة متوازنين بشكل جيد ولم يجد ضرورة لحجزهم. وبعد أن كانوا مع الطبيب لبعض الوقت، وبينما كان يفحص إيفان، فقدت فيتسكا صبرها ، وارادت العودة إلى مديوغورييه، فقاطعت الجلسة :
فيتسكا: “ألم ننتهِ بعد ؟”
” الدكتور بيجيفيك :لم يحن دورك ، ولكن تستطيعين الجلوس:
فيتسكا: “الحمد لله، أنا شابة وبصحة جيدة، ويمكنني أن أظل واقفة. ثم عندما اكون بحاجة لفحص طبي، سآتي من تلقاء نفسي. الآن، هل انتهى كل شيء؟ ”
ربما، في أي حالة أخرى، قد يعتبر ذلك وقاحة، ولكن من وجهة نظر الدكتور بيجيفيك من ناحية الصحة النفسية ، فإن فيتسكا أظهرت حسن تمييز وسمح لها بالذهاب .
الاسم : الدكتور جودزا مولييا Dr. Dzudza Mulija
مكان وتاريخ الاختبار: موستار، 29 يونيو 1981
كان هذا هو الامتحان النهائي الذي كان سيتم حسب طلب مباشر من سلطات الشرطة المحلية. أُخِذ الرؤاة إلى مستشفى للأمراض العقلية في موستار، وهي أقرب مدينة إلى مديوغورييه، حيث تم فحصهم من قبل الدكتور مولييا . وصلوا الى المستشفى في الصباح الباكر ولم يُفرج عنهم حتى الثانية بعد الظهر. وفقا لفيتسكا، في نهاية الفحص، اختتم الدكتور مولييا جلسة الفحوصات بقوله :
“إنّ الذي جاء بكم هنا هو المجنون. انتم طبيعيون تماما !”
الاسم: الأب سلافكو برباريك Fr. Slavko Barbaric , Doctor of Social Psychology & Spiritual Theology ، دكتوراه في علم النفس الاجتماعي وعلم اللاهوت الروحي
مكان وتاريخ الاختبار: ميديوغوريه، 1982
أجرى الأب سلافكو على فترة أشهر إختبارات نفسية للرؤاة الأولاد . ونشر تحليل منهجي للمجموعةوالذي تُرجم ونُشِر في صحيفة ايطالية بميلانو عام 1984 . إن ما حدّده وأثبته في دراسته هو “الوحدة ، التماسك والترابط المثيرة للإعجاب التي أبرزها الرؤاة من المستحيل تفسيرها على انها منبثقة منهم بل هي “مستمدّة من الشيء الذي يسمّونه ظهورات”.
في تحليله كتب الأب سلافكو انه وصل الى استنتاجين :
1- مجموعة الأولاد لهم شخصيات متباينة ، بينهم فتيان وفتيات ، من مختلف الأعمار وذوي طباع مختلفة للغاية . لا يمكن تفسير الظاهرة كأنها عمل لقائد بينهم ، ولا بأنها مناورة من شخص يتلاعب بهم . لكن فقط على أنه هناك حقيقة “ظهور” يُشكّل ويُوجّه المجموعة . الإنخطافات لم تُنقص بل عزّزت هويّة وحرّية الرؤاة وذلك يشمل رسالتهم ودعوَتهم .انهم يفهمون رغبة العذراء لكنها تركت لهم حرية الإختيار وهم بدورهم يشعرون بحرّية مطلقة في إتّخاذ قراراتهم بنفسهم .
2- لا يوجد في الظهورات اي مؤشّر على الهلوسة ، لا من الجانب الشخصي او من النفسي لهؤلاء الفتية ، ولا يوفّر تاريخهم ولا نمط حياتهم اي حجّة لصالح الهلوسة .
الاسم: الدكتور لودفيك ستوبار Ludvik Stopar , psychiatrist & parapsychologist ، طبيب نفسي ومتخصّص في تخاطر علم النفس من سلوفينيا
مكان وتاريخ الاختبار: مديوغورييه ايار وتشرين ثاني 1982، حزيران وتشرين ثاني 1983
كان الدكتور ستوبار أول طبيب يفحص ويدرس الرؤاة أثناء الإنخطافات. كما انه استخدم التنويم المغناطيسي لتحديد ما إذا كان يجري التلاعب بالأولاد ام لا. اختار الدكتور الرائية ماريا ، كموضوع إختباره لأنها بدت له على “انها الأكثر ذكاءاً ونضجاً من بين الستّة وبالتالي فإنها الأنسب للإختبار”. وقام بتنوّيمها مغناطيسياً دون علمها أو موافقتها .
كتب يقول :”إن كان عليّ ان أطلب إذنها، أنا واثق من انها كانت سترفض . في العلاج لا حاجة للإستئذان .”
يؤمن الدكتور ستوبار انه من الممكن عزل 90% من مستوى الوعي في عقل الإنسان من أجل الكشف عن تلاعب محتمل. طلب من ماريا وصف ما تراه في الظهورات . ثم كرّر عليها السؤال ذاته وهي تحت التنويم المغناطيسي ، وجاء جوابها من عقلها الباطني ولم يكن هناك اي اختلاف بين جوابها وهي في وعيها وجوابها وهي خاضعة للتنويم وبذلك استبعد الدكتور ان يكون هناك تلاعباً .
وقف دكتور ستوبار ، وهو رجل ضخم ، امام ماريا أثناء الظهور ، لمعرفة اذا كان ذلك سيمنعها من مشاهدة العذراء . بعد الظهور قالت ماريا انها استمرّت برؤية السيدة العذراء لكنها لاحظت وجود ضباب خفيف .
اقتصرت جميع تجارب الدكتور ستوبار الاخرى على المراقبة وإختبارات بسيطة دون استعمال معدّات او أجهزة عصرية ، وأساليب غير قابلة للقياس الكمّي . بالرغم من استنتاجاته الهامة، اعترف بأن قدراته وأجهزته كانت محدودة وأوصى بالمزيد من التحقيق العلمي الإضافي.
استنتاجات دكتور ستوبار :
مجموعة الإختبارات أظهرت ان الرؤاة كانوا طبيعيين من جميع النواحي . لم تكن هناك مؤشرات نفسية او مرَضية . تبيّن انه لم يوجد ما يشير بأنّ الرائية وهي تحت التنويم المغناطيسي تم التلاعب بها او انها تحت تأثير طرف آخر . هناك خصائص موضوعية محدّدة خاصة بالرؤاة أثناء الإنخطاف التي يمكن دراستها ومراقبتها وتلك الخصائص تشير الى “تجاوز للطبيعة” اصلي .
أيّد الدكتور ستوبار موقف الأب لورنتين القائل بأن الرؤاة لم يتم الإستيلاء عليهم بواسطة شخصية اخرى او وسيط (medium) بل كانوا دائماً مدركين وواعين تماماً لهويّتهم .
توصيته الى لجنة الأسقف الخاصة بمديوغورييه كانت بأن الإجراءات الكنسية يجب ان تفحص وتدرس الرؤاة بشكل موضوعي ودقيق لإثبات ان خبرة الرؤاة هي نتيجة لقاء خارق مع الله وليس “نتيجة تلاعب بشري”.
اختبارات ومعاينات الدكتور ستوبار الشخصية أدّت به الى الإعتقاد بأنهم يتعاملون مع عمل خارق وفوق الطبيعة . وردّاً على السؤال “هل الباراسيكولوجيا (علم التخاطر الغيبي ، دراسة خوارق اللاشعور) يتفاعل بشكل مختلف لهذه الظواهر في العالم الروحي ” أجاب الدكتور ستوبار بهذه العبارة :”هناك ثلاثة مسالك مختلفة الأول مسلك الملحد ، الثاني ، المسلك المسيحي والثالث مسلك يستند الى فرضية القوى المجهولة . انا أيضاً مهتم في القوى المجهولة لكني اتبع الأسلوب اللاهوتي وكان لديّ انطباع قوي انني لامست في مديوغورييه واقع خارق”.
الاسم: الدكتور نيكولا بارتيكولا Dr. Nikola Bartulica , A Croatian Psychiatrist ، طبيب نفسي كرواتي الأصل من سبليت، ولكن يعيش الآن في الولايات المتحدة الأمريكية.
مكان وتاريخ الاختبار: مديوغورييه، أكتوبر 1981، و 1989
الإختبار – الإجراءات :
كان الدكتور بارتوليكا بين الأوائل الذين درسوا الرؤاة . في تشرين ثاني 1981 ، قام بفحص فيتسكا لمدة ساعتين تقريباً ، وطوال ذلك الوقت لم كن تعرف انه طبيب نفسي . وقد صرّح بما يلي عن تلك الزيارة :
“عندما يسمع طبيب نفسي بأن شخص ما يدّعى انه يختبر رؤى ، فأن أول ما يخطر بباله هو اذا كان ذلك الشخص يتمتّع بصحة عقلية جيدة .لذلك سألت فيتسكا عمّا تراه وتسمعه وما هي ردّة فعلها لما يحدث معها. أجابت بشكل عفوي دون خوف او تردّد، وتستطيع ان ترى انها صاحبة ارادة وعزم وشخصية طبيعية تماماً … في الطب النفسي يمكنك التحديد بسرعة اذا ما كان الشخص صادقاً”.
في 1989 عاد الطبيب بارتوليكا الى مديوغورييه لإجراء فحوصات نفسية جديدة على الرؤاة . في مديوغورييه تحدّث مع ماريا ، إيفان ، فيتسكا ، مريانا وإيفانكا ، فقط ياكوف كان غائباً :”لقد أجريت فحوصات على كل واحد منهم لمدة نصف ساعة وأحد الحجّاج من كاليفورنيا سجّل بكاميرا الفيديو ، اي ان هناك دليل على هذا الحدث”. قدّم الطبيب بارتوليكا استنتاجاته حول ظاهرة مديوغورييه في كتاب”هل الرؤاة يقولون الحقيقة؟” الذي نُشر عام 1991 في شيكاغو .
الإستنتاجات :
في تشرين اول 1981
“سألت فيتسكا عمّا تراه وتسمعه وما هي ردّة فعلها لما يحدث معها. أجابت بشكل عفوي دون خوف او تردّد، وتستطيع ان” ترى انها صاحبة ارادة وعزم وشخصية طبيعية تماماً”.
بعد اربع سنوات من مقابلته مع فيتسكا ، عاد الطبيب الى مديوغورييه وهذه المرة راقب فيتسكا أثناء حدوث الإنخطاف وهذا ما صرّح به :
“كانت معبّرة جداً . كنت أشاهدها تحرّك شفتيها ، وتهزّ برأسها … ذلك جعلني أفكر ، إن كانت هي لا ترى السيدة العذراء وما يحصل هو مجرّد التحديق في الحائط مثلنا ، باقي الحاضرين ، وتتصرّف في طريقة مصطنعة ، فهي اذاً تجعل من كلّنا حمقى .يجب علينا اذن ان نسأل أنفسنا اذا كان ممكناً انها تخدعنا . الإجابة هي ان ذلك ممكناً ، لكن ان كان الحال كذلك فكلّ الرؤاة الستة قادرون على خداعنا ولمدة 25 عاماً (كُتب التقرير سنة 2006) ، هذا بحد ذاته سيكون ظاهرة ! على اي حال هذا أمر مستحيل ، لا يمكن حصوله ، لأن قد ثبت علمياً ان الإنخطافات التي تحصل هنا هي حقيقية . الى جانب ذلك لا يوجد حالة مشابهة في تاريخ الطب النفسي ، ان ستة اولاد بدأوا في الهلوسة في وقت واحد الساعة 6:40 من كل مساء ! الأمر لا يحتاج اذن الى خبير للتصريح بأن الأولاد طبيعيين وصادقين والذي يختبرونه ليس اختراعاً !
قال ايضا انه التقى في مجال عمله بالكثير من الناس الذين زيّفوا انخطافات وادّعوا انهم يشاهدون رؤى . لكن في حالة رؤاة مديوغورييه هو مقتنع تماماً انهم اختبروا كل ما أدلوا به . وقد زار الطبيب بارتوليكا مديوغورييه اكثر من عشرين مرة وكثيراً ما حضر الظهورات.