أخبارمختارات عالمية

وُلد رافائيل ثمرة اغتصاب عاش حياة ماجنة بين شهود يهوه وأدمن المخدرات الى أن زاره الله

قصة حقيقية ترويها الراهبة إيمانويل من مديوغوريه

حدث هذا في روما، في ربيع 2015، أن سَعِدْتُ أخيرًا بلقاء هذا الرجل الذي حدّثوني عنه باعتباره بطلاً وبالتحدث إليه.  اسمه: رافائيل فيريرا دي بريتو.  إنه شاب برازيلي ذو وجه ملائكي، ليس بالضخم، ذو شعر مجعّد، نبيه، نظرته تشع منها بهجة الحياة، ناهيك عن روح الدعابة التي يتمتع بها.  ومع ذلك!

رُوث، والدة رافائيل تعرّضت للاغتصاب في سن السادسة عشرة من شاب في الخامسة والعشرين من عمره، وذلك في باريتوس، بالقرب من ساو باولو بالبرازيل.  وهكذا خُلِق الطفل من رَحِم العنف.  آنذاك، اختفى والده عن الأنظار من دون أن يعترف بابنه.  وبعد بضعة أشهر، تناول خاله، وهو تحت تأثير الكحول، عصا مكنسة وأخذ يضرب رُوث وهو يقول لها: “إن لم تجهضي، فسأتولّى الأمر بنفسي!”.  أُصيبت رُوث بشدة وتم نقلها إلى المستشفى الإقليمي. أعلن الأطباء: “إما هي أو الطفل!”. لم يكن بإمكانهم إنقاذ الاثنين. غير أن رُوث، التي كانت تعتبر حياتها بمثابة كارثة، قررت أن يحيا الطفل.

وُلِدَ طفلها بعد خمسة أشهر وتسعة وعشرين يومًا من الحمل.  وتوقّع الأطباء له ألا يعيش أكثر من بضع ساعات نظرًا لأن بعض أعضائه الحيوية كالرئتين لم تكن كاملة النمو بعد. وكانت هناك راهبة، وهي الأخت بريجيدا التي توفيت بروح القداسة بعد بضع سنوات، تعمل في مستشفى التوليد هذا وطلبت من الأم التي كانت تحتضر إن كان بالإمكان أن تقوم بتعميد الصغير.  فأجابتها رُوث: “لا يهم ما سوف تفعلينه، المهم أن يحيا!”. كان من المقرَّر أن يُطلَق عليه اسم مارك أوريل إلا أن الراهبة أصرت على أن يُطلَق عليه بالأحرى اسم رافائيل فيتمتع بحماية ملائكية قوية. تناولت حقنة ودفعت ببضع نقاط من الماء من خلال الحضّانة الموضوع فيها الطفل وقامت بتعميده. وقد اعتنت بالمولود الجديد مدة ستة أشهر.

وفي مفاجأة للجميع، بقت رُوث على قيد الحياة بعد العملية وتمكنت من العودة إلى عملها في حقول القطن. وبعد ثمانية أشهر، خرج رافائيل من هذه التجربة سالمًا وتم تسليمه لجدته لمدة أربع سنوات ثم لخالته وهو في الثامنة من عمره.  وتلقّى تعليمه عندها على يد شهود يهوه الذين غرسوا فيه نفورًا صريحًا من الكاثوليك ومن مريم العذراء.  أصبح عمره ثمانية أعوام وكي يعيش كان لزامًا عليه أن يبيع المثلجات في الشارع.  وكانت هذه هي الخطوات الأولى الجميلة لرافائيل في هذا العالم.

غير أنه كان سعيدًا نسبيًّا إلى اليوم الذي حدثت فيه الدراما التي قلبت وجوده رأسًا على عقب في لحظة.  أحيانًا، يختار الله أن يغمر حياة إنسان برحمته في زمن قياسي.

كان هذا في أحد أيام عيد الأب وكان رافائيل يبلغ آنذاك التاسعة من عمره. في المدرسة، كان يشاهد أصدقاءه وهم يحضّرون رسومات لآبائهم، وكان ينتابه اليأس لأنه ليس له أب ليقدّم له ما قد أعدّه لهذه المناسبة. كان يقول في نفسه: “كم هو رائع بالتأكيد أن يكون للإنسان أب!”. في تلك الليلة، في وقت الصلاة (الخاصة بشهود يهوه)، فتح سفر ارميا النبي وقرأ:

“قبل أن أصوّرك في البطن عرفتُك وقبل أن تخرج من الرحم قدّستُك وجعلتُك نبيًّا للأمم”.  (ارميا 5:1)

قال رافائيل في قرارة نفسه وهو يقرأ هذا المقطع: “إذن الله هو أبي! هو يعرفني منذ تكويني”. وفي تلك الليلة، طلب من الرب أن يحضر ليأخذ الهدية التي أعدّها بمناسبة عيد الأب. قَلْب الطفل الذي لديه كان متأكدًا أن الله سوف يحضر بشخصه.  غير أنه لم يحدث شيء، وفي الصباح، ظلت الهدية هناك في مكانها.  وفي تلك اللحظة بالتحديد، قرر رافائيل، وهو مجروح بشدة وفي غاية الإحباط، ألا يصلّي ثانيةً وهو مقتنع أن الله قد تخلّى عنه مثلما فعل أبوه تمامًا.  

وبعد فترة من الوقت، بدأ يخرج مع أصدقائه ويتعاطى المخدرات ويعيش جميع أنواع التجارب المدمرة. وخلال ثلاث سنوات، انغمس بتهوّر في عالم المخدرات والكحوليات والجنس. كانت النشوة تجعله فاقدًا عقله تمامًا أثناء الحفلات.

إلا أنه في يوم 11 آب من العام 1998 في الساعة الخامسة مساءً، وفي منتصف حفلة مليئة بالكحول والمخدرات وممتدة لثلاثة أيام، تغيّرت حياته تمامًا.  إنها اللحظة التي اختارها الله ليغمر حياة رافائيل بالرحمة، وكان هذا في زمن قياسي.  بالرغم من صِغَر سنه – خمسة عشر ربيعًا، كان رافائيل منتشيًا تمامًا. وفجأة، اقترح عليه أحد أصدقائه مغادرة المكان. إنه لأمر غريب!  والأغرب من ذلك أيضًا أن هذا الصديق ألح قائلاً: “تعالَ معي إلى القداس، فسوف أحتفل بمناولتي الأولى”. فتح رافائيل عينيه واسعتين، إذ أنه مع تعليمه على يد شهود يهوه، لم يدخل كنيسة قط. إلا أنه انتهى به الأمر بالموافقة.  وجلس في آخر الكنيسة وهو ثَمِل ومخدَّر تمامًا. وكان هناك صبي صغير على المنبر يطلب من الجماعة الصلاة من أجل الآباء الحاضرين والغائبين، إذ أنه كان يوم عيد الأب!

وتحت وَقْع الصدمة، أخذ رافائيل يرتجف. عيد الأب… إنه يوم ملعون من بين جميع الأيام! الصلاة من أجل الآباء؟ لا، الرحمة، ليس هكذا! أَلَمْ يتخَلَّ عنه أبوه دون أن يترك عنوانًا؟ وبالمناسبة، هل لا يزال على قيد الحياة؟ بالنسبة لرافائيل، كان هذا اليوم بلا شك هو الأكثر كآبة من بين أيام السنة.

واصل الصبي الصغير الحديث من على المنبر، ولكن هذه المرة، أشار بإصبعه إلى الجماعة – ما أعطى انطباعًا لرافائيل بأنه يتحدث إليه صراحة – وأخذ يقرأ المقطع التالي من سفر ارميا النبي: “قبل أن أصوّرك في البطن عرفتُك”.

جَثَا رافائيل على ركبتيه وهو غارق في دموعه. إنها المرة الثانية التي يسمع فيها كلمة ارميا هذه والتي وجدت لديه صدًى عميقًا جدًّا. بعد سنوات طويلة، كان لهذه الكلمة أثر ارتدادي عليه. رأى رافائيل كل حياته تمر أمام عينيه كأنها شريط سينمائي…  وبشكل خاص، هذه اللحظة التي لم يحضر فيها الله ليأخذ هديته. وحينها، وهو لا يزال جاثياً على ركبتيه، سمع صوتًا عظيمًا يتكلم في قلبه ويقول له: “رافائيل، أنت ابني! لم أحضر لآخذ هديتك في ذلك اليوم لأن هديتي هي أنت؛ أنت أكثر شيء أريده! إنهض، بَدِّل حياتك واتبعني!”.

ثم توقف كل شيء وانتبه رافائيل إلى أن القداس قد انتهى. بدا وكأن كل هذا لم يستغرق سوى بضع ثوانٍ. نهض، ولدهشته، لم يعد يشعر بأي أثر للمخدرات. وبحث على الفور عن كاهن ليروي له ما حدث للتو، وأجابه الأخير: “طوبى لك يا بُنَيَّ، فاليوم قد زارَكَ الله!”.

ومنذ ذلك اليوم، لم يعد رافائيل يتعاطى المخدرات قط ولا يشرب الكحول.  وبدأ يذهب إلى مدارس الأحد ليتم إعداده لسر التثبيت بالرغم من المعارضة الشديدة من جانب كافله المنتمي لطائفة تمارس السحر الأسود.  بَيْد أن رافائيل ظل متماسكًا.

وبعد وقت قصير، سوف يجد الجزء الثاني من النبوءة صدىً خاصّاً لديه: حانت لحظة الرسالة!

الجزء الأهم في هذا الموقف حدث في 31 كانون الأول من العام 1999، وهي عشية دخول الألفية الثالثة.  مع إصرار رافائيل على الذهاب إلى الكنيسة، أخذ كافله (عضو شهود يهوه المسؤول عنه) يضربه بعنف. فتوسّل رافائيل إلى الرب، وهو ينزف دمًا ومضطرب وغاضب بشدة، أن يحضر لنجدته.

ولدهشته العظيمة، كانت القراءة الأولى لليوم هي مجدَّدًا كلمة ارميا النبي:

“قبل أن أصوّرك في البطن عرفتُك وقبل أن تخرج من الرحم قدّستُك وجعلتُك نبيًّا للأمم”. 

والإنجيل التالي اشتمل على عظة: “أحبّوا أعداءكم وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم”.  ففَهِم رافائيل الرسالة، ولدى عودته إلى المنزل، أخذ كافله بين ذراعيه وشرع يصلّي لأجله وهو يضع يديه عليه. وفي هذه اللحظة بالذات، سقط كافله أرضًا. فهو يعيش لتوّه تحوّلاً آنيًّا. ظل رافائيل يحدّثه عن الله طوال الليل، والعم يريد أن يذهب للاعتراف في أسرع وقت ممكن. إلا أنه قبل أن يذهب إلى الكنيسة، سقط مجدَّدًا، وهمس لرافائيل بكلمات شكر وتُوُفي بفعل أزمة قلبية أصابته.

من خلال كل هذه الأحداث، فَهِم رافائيل أن الله يدعوه لأمر أعظم. كان قد بلغ الثامنة عشرة من عمره. والتقى آنذاك بجماعة رابطة الرحمة. وقال في نفسه: “هنا يمكن لي أن أعيش دعوتي كمبشِّر علماني وأعلن حب الله العظيم الذي أنا نفسي مُنِحْتُ إيّاه”.

هل أحلم أم ماذا؟

أمضى عامًا في هذه الجماعة من دون أن يرى أمه، ثم حانت اللحظة التي يذهب فيها المبشِّرون إلى أهلهم لزيارتهم.  فذهب رافائيل إلى أمه في باريتوس. واستغل هذه الإقامة للقيام بمهام رعوية في الشارع، من بينها زيارة المشرَّدين. كان يخطط لاستضافتهم وتقديم الطعام لهم.  

وفي أحد الأيام، خرجت أمه لزيارة عمة مريضة. وأثناء غيابها، ذهب إلى الساحة المركزية للمدينة حيث التقى بخمسة متسوّلين ودعاهم إليه. ولدهشته العظيمة، هناك واحد منهم فقط مَن قَبِل دعوته. وكان بحالة يُرثَى لها أكثر من الأربعة الآخرين!

بعد أن قام بتغسيله بحرص وحلاقة ذقنه وإلباسه ثيابًا جديدة، أجلسه رافائيل إلى الطاولة ليتناولا معًا وجبة شهية. وأَكْثَرَ رافائيل من إشارات المودة ووجد الرجل الشجاعة ليفتح له قلبه. قلب مكسور إن وُجِد!

اعترف له بأنه اغتصب فتاة منذ زمن طويل وبدل أن يعترف بجريمته ويسلّم نفسه ويحتمل نتيجة جريمته قام بالهرب. ومنذ ذلك الحين يعيش عذاباً ويرى الفتاة روث في أحلامه تعاني من اضطهاد المجتمع.

– “تمهَّل…  هل أحلم أم ماذا؟  هل كانت تُدعَى رُوث بالفعل؟  وحدث هذا في باريتوس، في ذلك الوقت؟”.

كرر الرجل: “نعم، هو هكذا!”.

مكث رافائيل دون أن ينطق من الذهول، ثم انفجر في البكاء. المرأة التي اغتصبها هذا الرجل هي أمه! وهذا المتسول المسكين الجالس أمامه هو أبوه! اضطرب قلبه ولم يعد يدري إن كان عليه أن يبكي أم يضحك. وتحت وَقْع الصدمة، أخذ يقبّل والده ولم يتوقف عن شكر الله على هذه الهدية التي تفوق الخيال والتي أهداه إيّاها للتو… حقق الرب للتو رغبة طفل في التاسعة من عمره ذي قلب مكسور، وهي أن يتعرّف على أبيه، وذلك بعد أن جعله يكتشف آبًا مُغرَمًا أكثر بحبه.

غني عن القول، في ذلك اليوم، تلقّى والد رافائيل تعليمًا مسيحيًّا قويًّا من جانب هذا الابن الضال! وكان هذا أوانه إذ أن الصحة المتداعية لهذا الرجل لم تكن لتتيح له سوى القليل من الوقت قبل مغادرة العالم.

واليوم، يواصل رافائيل رسالته مع زوجته ليليان وابنه دانيال في سردينيا بإيطاليا، بهدف وحيد دائمًا: أن يتيح لأكبر عدد ممكن من الأشخاص معرفة واختبار رحمة الله غير المتناهية مثلما حدث معه.  حدث خلال إرسالية في بولندا في ١٥ مايو/أيار من العام ٢٠١٣، بمناسبة رياضة روحية كبيرة للكهنة في أبرشية كشالين، أن علم رافائيل بوفاة أبيه في ذات الوقت الذي كان يروي فيه شهادته: فكان الرجل قد تُوُفي قبل يومين، في 13 أيار من العام 2013 (ذكرى ظهور العذراء في فاطيما!).  وكان القداس على وشك أن يبدأ، إلا أنه كان لدى رافائيل الوقت لإخبار الكهنة بأمر هذه الوفاة بحيث أن جميع المحتفلين كانوا يصلّون لأجله بالاسم أثناء تلك الإفخاريستيا.  الجمع الغفير من الكهنة الحاضرين حول الهيكل في ذلك اليوم…  وعددهم ثمانمائة بالإضافة إلى ثلاثة من المطارنة! وانخرط الجميع في تقديم قداسهم في اليوم التالي من أجل هذا الرجل.  أي مُتَوَفّى آخر حظي بفرصة كتلك؟

نعم، حضر يسوع ليأخذ هدية هذا اليتيم الصغير ذي القلب المكسور، وقد ردَّ له أكثر من مئة ضِعف!

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق