مواضيع روحية

يوحنا التلميذ الوحيد على الجلجلة مع مريم. لماذا لم يهرب كباقي الرُّسل؟!

هل تساءلت يوماً لماذا كان القديس يوحنا ، الرسول الوحيد الذي يقف عند أقدام الصليب مع السيدة العذراء؟ بينما هرب الرسل الآخرون، لقد تغلّب عليهم الجُبن والخوف.

في الواقع كان لديهم سبب قوي للخوف. في النهاية، هناك مخاطر حقيقية في الإرتباط والإتصال بالمسيح المصلوب. في أسوأ الأحوال، يمكن أن يُتّهموا بالخيانة والكفر بما أنهم أتباع وتلاميذ يسوع. شركاء في الجريمة، إن جاز التعبير. وعلى أقلّ تقدير، يمكن أن يُطردوا من المعبد، ويُحظر عليهم العبادة في الهيكل. مع ظهور هذه المخاطر، لم يكن الرسل مستعدين بعد للإستشهاد. فقد يكون مفهوماً وربما متوّقعاً أن يستولي عليهم الجُبن والخوف.

لكن يوحنا الإنجيلي كان مختلفاً. الكاهن كورنيليوس لابيد، باحث الكتاب المقدس من القرن السادس عشر قال: “يوحنا وحده بقي دون خوف وبحزم مع مريم عند الصليب، وسط كل إهانات اليهود، شتمهم، وغطرستهم. لذا استحقّ أن يتبنّاه يسوع كأخٍ له، وأن يضعه مكانه كإبن للعذراء القديسة”. لأن يوحنا كان مستعداً للموت مع يسوع على الجبل، وعلى ذلك استحقّ جائزة لا تُثمّن. هذه الجائزة هي أمّ الله! كاتب مسيحي من القرون الأولى ثيوفيلاكت كتب :”الطاهرة يُعهد بها الى الطاهر”. ولاهوتي آخر من المسيحيين المبكّرين، نونوس، قال معيداً صياغة ذلك: “أيتها الأمّ المُحِبّة للبتولية، ها إبنك البتول، التي أصبحتِ والدته من دون أن تلديه”!

كما أعطيَ بتولان أحدهما للآخر في بدء رواية الإنجيل، بواسطة الله اي خطوبة يوسف ومريم، هكذا أعطيَ  بتولان أحدهما للآخر في نهاية رواية الإنجيل على جبل الجلجلة… في الواقع، هذه الطهارة البتولية هي التي جمعت وربطت بطولتَي القديس يوحنا والسيدة العذراء، الأم المباركة. ليس الرجال الذين تفاخروا باستعدادهم للموت مع يسوع هم الذين صعدوا جبل الجلجلة وراء يسوع في يوم الجمعة العظيمة، هم خافوا واختبؤا، وحده يوحنا رافق يسوع ومريم في الساعات الرهيبة.

قبل عيد العنصرة، تميّز باقي الرُسل بالحكمة التقليدية والتفكير البشري. فمثلاً نثنائيل، لم يستطع ان يصدّق أن شيئاً صالحاً ممكن أن يخرج من الناصرة. وبطرس تبنّى الإعتقاد السائد في انّ المسيح المنتظر هو ملك محارِب الذي سوف يهزم الرومان. لذلك حاول أن يثني الرب يسوع عن تعريف نفسه على أنّه “الخادم المتألم”. وفيليبّس، كان صعباً عليه إدراك وفهم أن المسيح يسوع  ابن الله، هو واحد مع الله الآب. لهذا السبب طلب في العشاء الأخير:”يا رب أرِنا الآب وكفانا”. وبطبيعة الحال هناك توما الذي لم يقتنع بشهادة باقي الرسل عن مشاهدتهم للرب يسوع القائم من بين الأموات . بقي على شكّه الى أن شاهد المسيح بعينيه ولمسه بيديه. يسوع ويوحنا الرسول

هذه العيوب البشرية قد تفسِّر  وتوضح لنا لماذا لم يتواجد نثنائيل، بطرس، فيليبس وتوما عند أقدام الصليب. لقد فعلوا ما تقتضي به الحكمة البشرية: اختبؤا!

لكن البراءة الطفولية عند القديس يوحنا، تلميذ المعلّم الحبيب، ألهمته بالقيام بما يتعدّى الفطنة البشرية والحكمة التقليدية. في النهاية كان هو الرسول الوحيد من بين الإثني عشر الذي عرّض نفسه للعديد من المخاطر! وليس من قبيل الصدفة ان هذا الرسول ذاته كتب عن محبّة الله اكثر من كل كتبة العهد الجديد. كان هذا “التلميذ الحبيب” هو من فهم سرّ البطولة. وما يكمن وراء البطولة هو حُبّ محض نقي.. هذا النوع من الحبّ يساعدنا أن نرى في الظلام. في الحقيقة، في رسالته الأولى كتب يوحنا :«مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ».(يوحنا 10:2). وفي يوم الجمعة العظيمة، لم يعثَر لأنه كان بالفعل مشاركاً في النور.

طهارة هذا الرسول الشاب مع الطهارة الكليّة التي تمتّعت بها وحدها أمّ الله، جعلتهما غير واعين او مهتمّين بالمخاطر، وبكل ما تُمليه الحكمة البشرية الحمقاء. كما كتب القديس برنارد الى تلميذه السابق البابا يوجين: “ما هو الأثمن، ما هو الأكثر هدوءاً، وما هو الحرّ من القلق، اكثر من الضمير الصالح؟ إنه لا يخشى الخسارة، ولا يخشى اللوم، ولا يخاف العذابات الجسدية، فهو يتعالى بدل أن يغتمّ حتى من الموت نفسه”.

الطهارة الأخلاقية تسمح لنا برؤية القيمة الحقيقية للأشياء: ما الذي يستحقّ الموت من أجله، وما الذي لا يستحق. انها (الطهارة) تساعدنا في الإستيلاء على مكافأتنا في السماء وحتى على فوائد حياة الفضيلة هنا على الأرض . من المسلّم به أن لا ربح مادي او ميزة اجتماعية يمكن ان تكون بديلاً عن سلام الروح… سلامُ يأتي فقط من معرفة يسوع المسيح،  ولهذا لا تتوانى الروح عن قبول المعاناة وحتى الموت.

لهذا السبب كان القديس يوحنا الحبيب ، الرسول الوحيد الذي يملك الشجاعة لتسلّق جبل الجلجلة مع مخلّصه الإلهي. .

لهذا السبب أُنعِم عليه بأن  يرث أمّ ربّنا كأمٍّ له.

القديس يوحنا ارتفع فوق محدودية وقيود رفاقه الرسل ، لأنه هو ، مثل مريم، كان طاهراً. والطهارة تجعل الحُبّ البطولي ممكناً!

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق