إلتقيت مع الشيطان … في مديوغورييه !
“كان الصوت أجشّ عميق ورهيب. كان الصوت غاضب بشراسة مخيفة !
كان جسمها ينتفض، استغرق الأمر ستة رجال للسيطرة على قوّتها المشحونة. جميع المحتشدين حولها كانوا يُصلّون باللغة الإيطالية : يا قديسة مريم صلي لأجلنا “Santa Maria, prega per noi”. هذه الكلمات بقيت محفورة في ذاكرتي حتى الآن.
لقد ذهبت الى مديوغوريه حيث تظهر السيدة العذراء منذ 34 سنة، بذهن منفتح، لكني لم أتوّقع ان ألتقي بالشيطان !
كنت أتجوّل في كنيسة القديس يعقوب شفيع مديوغوريه وفي ساحاتها وحدائقها، بعد انتهاء القداس اليومي عند المذبح الخارجي، حينما وجدت نفسي بين حشد يلتفّ حول كاهن يُقسّم على امرأة ممسوسة. هذا المشهد المرعب لن أنساه طول ما حييت.”
هذه شهادة لويس روزنغريف Louise Roseingrave الذي زار مديوغورييه بعد أن جال العالم لسنين طويلة بحثاً عن الحقيقة ووجدها في مديوغورييه :
“كان الكاهن منحنياً على إمرأة في العقد الثالث من عمرها وملامح الغضب مستولي على وجهها.
شفتاها مزمومتان الى الخلف مُكشّرة عن أسنانها، تصدر صوتاً كفحيح الأفاعي، مزمجرة ، متوتّرة، تتلوّى في غضب رهيب. والكاهن ممسك بالكتاب المقدس في احدى يديه ويقرأ منه بصوت عالٍ. وبيده الثانية كان يرسم إشارة الصليب على جبهة المرأة. كاهن آخر أصغر سنّاً يقوم بإعطائها ماءاً مقدسّاً لتشرب.
حدقتَي عينيها كانتا متوسّعتين كأنها بِركتان من السواد . يداها كالمخالب تخدش الهواء، أصابعها ملتوية ومستعدة للخمش والخدش.
كان المشهد بشعاً جداً ومثير للقلق لدرجة أن بعض الحاضرين بدأوا في البكاء. كان علي ان أقاوم دموعي انا ايضاً. وكما لو أن الحشد اراد ان يتعاون ضد هذا العدو الجهنّمي، أمسكوا يداً بيد، مشكّلين حلقة من الصلاة.
كنت هناك ، في وسطهم، مرتعباً ومحتاراً. ومع ذلك مفتوناً تماماً في هذا العمل الفريد من الطقس الديني القديم .
الشيطان داخلها يصدر فحيحاً ويشتعل غضباً كلما رشّ الكاهن الشاب المياه المقدسة على المرأة. تناوب الشيطان بين إصدار الأصوات المرعبة وبين سكب اللعنات على الكهنة الذين يُعذّبونه، متلفّظاً عباراته الشيطانية مغرغراً بصوت أجشّ مرعب.
فجأة بدا وجه المرأة مرتاحاً بعض الشيء، بينما كان الجمع يتلوا الوردية من حولها وقد خفّت حدّة التوتّر قليلاً.
كنا جميعنا نصلّي من أجل تحرّرها وخلاصها: صلّي من أجلنا “prega per noi”…
من ثم، فجأة، امتدّت عضلات عنق المرأة وتوتّرت الأعصاب فيها دافعة رأسها في وجه الكاهن، شفتاها مزمومتان الى الوراء، أسنانها مكشوفة، مصدرة ضحكةً بشعة ساخرة، تُجمّد الدم في العروق، كأنها تقول “لقد خدعتك”.
وجدت كل شيء مزعج لدرجة أنني تساءلت ماذا سوف يحلّ بهذه المرأة. كم من الوقت سوف تستغرق هذه العملية؟ كان الأمر قد ابتدأ ساعتين قبل وصولي واستمر بعد ذلك لساعة أخرى، حينها تقهقر الشيطان، تاركاً جسد المرأة شبه منهار، فساعدها الكهنة في الوصول الى مقعد مجاور والجلوس. كانت تبدو في حالة ذهول وارتباك، كمن يعود الى وعيه بعد إغماء. متعبة، منهكة، انهارت في البكاء وهي تتمتم : يا والدة الله صلّي لأجلنا…”
بين الحشد، صبي يبدو أنه أصيب بصدمة مما عاينه، فابتدأ هو ايضاً في البكاء.
بقيّتنا غادرت ببطئ، مصدومين ومنزعجين ممّا شاهدناه.
في تلك الليلة، لم أستطع إزالة هذه الصور من رأسي. تذكّر الأصوات الرهيبة والصراخ الذي لا يقدر مخلوق بشري على إصداره ، كان يرسل الرعشات الباردة حتى أسفل عمودي الفقري. شكرت الرب على النهاية السعيدة وتحرّر المرأة من قيد إبليس.
بقيت حتى الفجر أفكّر بالموضوع. قليلا ما سمعت عن المسّ الشيطاني ودور الكنيسة في تحرير ابنائها. وكيف يمكننا حماية انفسنا.
العديد من البركات تخدم هدف طرد الأرواح الشريرة مثل الماء المبارك وصلوات خاصة. الفاتيكان والكنيسة ربما يهوّنان او يقلّلان من أهمية طقوس طرد الأرواح الشريرة لعدم إخافة المؤمنين وكي يُمنع جذب إهتمام صحفي سيئ. لكن في مديوغورييه ، حيث يُرحّب بالسيدة العذراء بكل احترام وصمت يومياً الساعة 6:40 ساعة ظهورها اليومي، حالات المسّ ولكن أيضاً التحرّر، هو أمر شائعٌ.
“حيث العذراء موجودة، هناك تجد الشيطان أيضاً” هذا ما قاله لي أحد الخبراء بموضوع طرد الأرواح الشريرة .
بما أنها المرأة المذكورة في الكتاب المقدس والتي وحدها أعطِيَت السلطان لتدوس رأس الحيّة ، فمن الطبيعي أنها تُرعب الشياطين وتُجبرهم على مغادرة الممسوسين بمساعدة الكهنة المقسّمين. الشياطين التي تسكن الحجّاج تصبح غاضبة وثائرة في حضور الرب يسوع ومريم العذراء، كما لو أنهم لا يستطيعون تحمّل البقاء في حضور القداسة. لذلك كثير من التحرّر يحدث أبان ساعة السجود للقربان الاقدس الذي يحتفل فيه يومياً مساءاً بعد القداس.
بعض أشكال طرد الارواح الشريرة هي واضحة، مثل الخلاص، ربما من الإدمان المزمن أو غيره من السلوكيّات الموهنة للعزيمة. حالات المس الشيطاني قد تكون منهكة ودراماتيكية ويمكن أن تستمر لعدة أيام. عندما سألت ماذا فعل الشخص بحيث أصيب بمسّ شيطاني، الأجوبة تختلف، لكن الأكيد هو أنه أمر في غاية الخطورة. ذلك دفعني إلى التقدّم من سرّ الإعتراف. أنا أؤمن بالله وأشارك في القداس. أصلي وأعيش حياة جيدة، على الرغم من أنني لا أنجح دائما في ذلك.
لكن لقائي وجهاً لوجه مع الشيطان غيّر منظوري الشخصي. مواجهة الغضب الجهنمي في وجه تلك المرأة المسكينة كان له تأثير عميق.
لقد ذهبت الى مديوغوريه لأسبوع واحد، لكني بقيت فيها ثلاثة أسابيع. كنت قد سافرت من قبل حول العالم في بحث عن الحقيقة الروحية: أقمت في المعبد الهندوسي أشرم في نيبال، ومع الرهبان البوذيين في جبال الهيملايا وتعمّقت في روح الإسلام في الشرق الأوسط وأندونيسيا. تدرّبت كمدرّس لليوغا في الهند، وانتقلت الى كوخ منعزل في لودبرغ وسط إيرلندا موطني.
لكني لم أجد في اي من هذه الأمكنة، السلام، والنور، والحبّ الموجودين بفيض كبير في مديوغورييه.
معجزات كثيرة تحدث فيها كل يوم ، معجزات شخصية، تُغيّر الحياة.
الكاثوليكية، مع كل أسرارها وطقوسها المقدسة، يُحتفل هنا بها.
الآلاف يجثون ساجدين، مصلّين أمام القربان الأقدس المعروض في الهواء الطلق على المذبح الخارجي في “الساعة المقدّسة”. لكنك تستطيع ان تسمع صوت وقع إبرة، الى هذه الدرجة والمستوى يبلغ الخشوع.
يسكب البالغين الدموع في مديوغورييه بشكل روتيني ، واحياناً بتنهّدات وتأوّهات وشهيق، حين يتمّ فهم سنوات من الألم والإحباط المكبوت وإدراكها، كخطوة أولى نحو التحرّر والشفاء.
لقد أصبحت مدمناً على ساعة السجود المقدسة في مديوغورييه، وعلى مشاهدة الأشقّاء والأزواج والأصدقاء والأسَر في عناق حبّ سماوي، حين تشارف الستون دقيقة على الإنتهاء. في عالم مُترع بالأكاذيب والخداع ، وجدت الحقيقة في مديوغوريه. وايضاً الحقيقة في أن الشيطان موجود. إنه ابو الكذب وفي غاية المكر والخداع إذ يوقع الناس في الإعتقاد بأنه غير موجود !”
تتميّز ساعات السجود اليومية في مديوغورييه بروحانية فريدة تجعل المؤمن يدخل بسهولة في حوار حُبّ مع يسوع القرباني لا يحدّه مكان او زمان . فيبقى دائماً بتوق الى المزيد … إنه نوع من الإدمان المقدس ! الإدمان على التواجد في سلام القلب والروح مع الرب يسوع .
Amen