كيف صدم البادري بيو رجلاً ماسونيّاً جاءه مستهزئاً وجعله يركع باكياً؟
شُفي الإكليركي الإيطالي بييرينو غاليوني بصلاة القديس البادري بيو في العام 1947. وأصبح بالنسبة اليه ولده الروحي وتمتّع بقرب كبير منه. فأصبح شاهد عيان للكثير من أحداث حياة البادري. وفي عام 1986 شهِد له أمام اللجنة الأسقفية التي تولّت دراسة ملف تقديسه.
في العام 2010 وبمناسبة مرور 100 سنة على سيامة البادري بيو كاهناً، نشر الأب بيرينو ذكرياته الثمينة في كتاب “البادري بيو، أبي”. ما يلي شهادة من هذا الكتاب تكشف جانباً مؤثّراً في البادري بيو الذي وهب حياته ببطولية من أجل الخطأة، من أجل مساعدتهم ليجدوا السلام من جديد.
أترك الأب بييرينو يصف لقاءه البارز مع الماسوني ديل فانتي:
“التقينا في فندق ولكننا لم نكن نعرف بعضنا. فكان هو من خرق جدار الصمت إذ عرّف عن نفسه قائلاً: “أنا المحامي ألبيرتو ديل فانتي. من بولونيا. ماسوني سابق من الدرجة 33 . ارتددت على يد البادري بيو منذ فترة وجيزة وأكتب الكثير عن الموضوع”. لم أسأله شيئاً لكن هو راح يبجّل البادري بيو بحماس، لأنه أعاد له الإيمان، وعبّر عن سعادته بعيشه حياة جديدة بخدمة القريب.” تابع ديل فانتي راوياً: “عانت زوجتي من مرض السرطان. وكانت على حافة الموت وفاقدة كل أمل بالشفاء. وحدّثَتها صديقة لها عن البادري بيو، وهو كبوشي متواضع من سان جيوفاني روتوندو. لأن عدداً كبيراً من زائريه يعود لامساً نعمة الشفاء. وإذ كنت واقفاً بالقرب من سريرها، طلبت إليّ زوجتي أن أقصد هذا الكاهن لأسأله نعمة شفائها. كانت عيناها مغرورقتين بالدموع. وكانت على علم بأني ماسوني وأني معارض شرس للإكليروس. فكنت قاسياً في البداية لا بل مستهزئ: فإن عجز العلم، ما الذي يستطيعه هذا الأخ المسكين! إنما عندما رأيتها تبكي وتتألّم لهذه الدرجة، قرّرت أن أرضيها وقلت لها: “حسناً سوف أزوره! ليس لأني أومن به، بل لأجرّب حظّي تماماً كما لو كنت ألعب ورقة يانصيب. انطلقتُ ووجدت نفسي في سان جيوفاني روتوندو عند المساء.”
“بعد مشاركتي في اليوم التالي بالذبيحة الإلهية الطويلة، وقفت في صفّ الإعترافات. ثم حان دوري. فلم أركع على الفور، لا بل مكثت واقفاً أمام البادري بيو وسألته إن كنت أستطيع أن أحدّثه لبرهة. أجاب البادري بقساوة وهو يصرخ: “لا تضيّع وقتي أيها الشاب! ماذا أتيت تفعل هنا؟ ألتجرّب حظّك كمن يلعب اليانصيب؟ إن أردت أن تعترف، إركع على ركبتيك! وإلّا دعني أعرّف هؤلاء المساكين الذين ينتظرون”.
“صدمني سماع التعبير نفسه الذي كنت قد استخدمته، واضطربت من هذه القساوة الغريبة. فركعت أمامه تلقائياً ولكن من دون اقتناع مطلق. ولم أكن جاهزاً البتّة لأعترف، ولم أقوَ على التلقّظ بكلمة واحدة، لا بل لم أتذكّر خطاياي التي لم أدرك أنّي ارتكبتها أصلاً. في المقابل ما لبثت أن ركعت حتّى غيّر البادري بيو نبرته معي. فأصبح لطيفاً وأبويّاً. وراح يعرض عليّ رويدياً رويداً جميع خطايا حياتي السابقة تحت شكل أسئلة: وكم كان عددها كبيراً! أصغيت الى كل سؤال، منحني الرأس، وأجبت دائما بال”نعم”. وتسمّرت مكاني متفاجئاً ومضطرباً في آن.
“سألني البادري بيو في النهاية: أليس لديك خطايا أخرى تبوح بها؟” أجبت “كلّا”. اقتنعت أنّه يعرف جيداً حياتي وأنّ ما من شيء آخر أبوح به إذ تلا عليّ خطاياي كلّها. سألني بقساوة غير متوقّعة: “ألا تخجل؟” وتلك المرأة التي تركتها تسافر الى أميركا منذ وقت طويل؟ لقد رُزقت بصبي منك. وأنت أيها البائس تخلّيت عن الأمّ والإبن معاً!”
كل ما تفوّه به كان صحيحاً. لم أجب بشيء، وغرقت في بكاء مرير، كنت محبطاً. وضع البادري بيو يده بهدوء على كتفي، فيما كنت متّكئاً على المصلّى ووجهي بين يديّ وأنا غارق في الدموع، اقترب من أذنيّ وهمس منتحباً: “يا بنيّ، لقد افتديتك بحقّ دمي!”
عند سماعي هذه الكلمات، شعرت أن سكّيناً حادّاً مزّق قلبي، رفعت وجهي الغارق بالدموع وكرّرت له: “سامحني يا أبتِ! سامحني! سامحني!…
حينئذٍ وضع البادري ذراعه حول عنقي وشدّني إليه وراح يبكي معي. فاجتاحني سلام عذب جدّاً. ثم تحوّل ألمي الى فرح لا يُصدّق وقلت له: “أبتِ! أنا كلي لك! افعل بي ما تشاء!”
همس وهو يمسح دموعه: “ساعدني بمساعدة الآخرين!” ثمّ أضاف: “بلّغ تحيّاتي الى زوجتك.”
“عدت الى منزلي. فها هي زوجتي قد شُفيَت!”
لم يفهم ألبيرتو ديل فانتي على الفور عمق الكلمات المضطربة التي همسها البادري بيو في أذنه عند اعترافه: “يا بنيّ، لقد افتديتك بحقّ دمي!”.. كان بالطبع يسوع نفسه الذي يتحدّث من خلال هذا الكبّوشي البسيط. ما من أحد غير المخلّص الإلهي سفك دمه الثمين على الصليب “لمغفرة الخطايا”. وما من أحد غير يسوع نفسه يقدّم كنوز نعمته اللامتناهية عبر الكاهن من خلال سرّ الإعتراف. في هذه الحالة بالذات، نستطيع أيضاً أن ننسب هذه الكلمات للبادري بيو لأنه شارك بشكل وثيق في آلام الرب عبر جراحاته وجراحات المسيح في جسده. فهو بالواقع سفك دمه من أجل ارتداد ألبيرتو ديل فانتي، كما من أجل أولاده الروحيين الذين بلغ عددهم ال14 مليوناً!.