ذُبحت بالسيف وأُلقيَت جثّتها في مغارة لكنّ امرأة رائعة الجمال بثياب راهبة أعادتها للحياة
يتيمة من أرض المسيح، تُشغل الأرض والسماء! أمّيّة لا تعرف القراءة والكتابة، يأتمنها الله على أسراره! خدمت في بيوت الناس، والملائكة خدَمتها! إنها زهرة الجليل، منارة الأراضي المقدّسة، القديسة مريم بواردي، إبنة عبِلّين، القدّيسة مريم ليسوع المصلوب.
تيتّمت من والديها وهي في الثانية من عمرها، وربّاها عمها. أما أخاها الوحيد فقد تبنّته خالته. في سنّ الثامنة انتقلت مع عائلة عمّها للعيش في الإسكندرية في مصر.
لمّا بلغت الثالثة عشر من عمرها، أُلبِست خاتم الخطوبة على الرغم من ممانعتها الشديدة إذ كانت قد عزمت على البقاء بتولًا، عروسًا للمسيح، عروسًا مكلّلة بالشوك مثل عريسها. احتدم النزاع بينها وبين عمّها وأولاده. كانت ترفض بعناد الزواج.
عانت مريم ليسوع المصلوب الأمرّين: الضرب والإذلال والحرمان والضغط والعمل الشاق في المطبخ. فكّرت بالاستنجاد بأخيها بولس ابن الحادية عشرة. فكتبت له رسالة وانطلقت ليلًا إلى رجل مسلم كان خادمًا عند عمّها، مزمع أن يسافر في الغد إلى الأراضي المقدّسة.
استقبلها الرجل بترحاب. فقصّت عليه مشكلتها مع عمّها ورفضها الزواج، فافتعل الهياج والسخط على العم الوحشي والديانة المسيحية التي تُبيح قسوة كهذه نحو يتيمة صغيرة.
عرض عليها الإسلام لكي ينقذها من هذا الاضطهاد، فبانت لها نيّته الخبيثة واكتشفت الفخّ. فثارت النخوة في ضلوعها والإشمئزاز من هذه الإنتهازية القذرة، فأجابت غاضبة:
“أصير مسلمة؟ هذا مستحيل. إنّي إبنة الكنيسة الكاثوليكية، وأرجو بنعمة الله أن أموت في ديانتي الحقيقة الوحيدة.” استشاط الرجل غضبًا وعزّ عليه أن تلقّنه طفلة درسًا في الأصالة والعراقة. أعماه التعصّب الديني فركلها بقدمه، واستل سيفه وحزّ به عنقها فغرقت في بركة من الدماء وبدت فاقدة للحياة. لفّها بعباءته وحملها بمساعدة زوجته وأمّه وألقاها في زقاق معتم.
جرى هذا الحادث الدموي في ليلة 7 أيلول 1858، وحين غدت مريم ليسوع المصلوب راهبة، كانت تقيم ذكرى عرسها الدموي في عيد ميلاد العذراء في 8 أيلول من كل سنة.
روَت مريم ليسوع المصلوب.في مرحلة الإبتداء، قصة استشهادها، خضوعًا لأمر رئيستها:
“لقد مُتُّ حقيقة، وصعدت روحي إلى السماء، وعاينتُ مريم أمّي والملائكة والقدّيسين وأقربائي يحيطون بعرش الثالوث الأقدس الأبهى من الشمس، وأبصرت يسوع المسيح الإنسان والإله…”
“سمعت من يقول لي: إنك بتول، أجل ولكن كتابك لم يُختم بعد… إستفقت في مغارة وإلى جانبي راهبة بثياب زرقاء سماوية، قالت لي: عثرت عليكِ في زقاق، وحملتك إلى هذا المكان، وخِطتُ عنقك المحزوز”… عاملتني برفق وحنان، تبلّ شفتَيّ بقطعة من القطن مبتلّة بالماء… لم تتكلّم كثيرًا… كانت تلقّمني حساء لن أنسى طعمه الشهي… وكانت تهدهدني لأنام…”
“في نقاهتي التي لا أتذكّر مدّتها، رسمت ممرّضتي المجهولة الحنونة برنامج حياتي المقبلة، قالت: “لن تري عائلتك، ستذهبين إلى فرنسا وتصبحين هناك راهبة. ستدخلين رهبانية القدّيس يوسف قبل رهبانية القدّيسة تريزا الأفيلية. سترتدين ثوب الرهبنة الكرملية في أحد الأديرة، وتبرزين نذورك في دير ثانٍ، وتموتين في دير ثالث في بيت لحم…”
“لما اندمل جرح عنقي، أخرجتني ممرّضتي العظيمة وأخذتني إلى كاتدرائية القدّيسة كاترينا في الإسكندرية، واستدعَت كاهنًا فرنسيسكانيًا سمع اعترافي. حين خرجتُ من كرسي الإعتراف، وجدت نفسي وحيدة في الكنيسة، وقد اختفت ممرّضتي المتوشّحة بثياب سماوية زرقاء.”
من كانت تلك الممرّضة؟
في أحد انخطافاتها، في ذكرى استشهادها في عام 1874، قالت القدّيسة مريم ليسوع المصلوب بصوت منخفض: “في مثل هذا اليوم، كنت مع أمّي السماوية، وكرّست لها ذاتي”.
وقالت الشيء ذاته لمرشدها الروحي الأب إسترات في طريقها إلى فلسطين في عام 1875.
إن هذا الحدث هو حقيقة تاريخية لا جدل فيه، فقد عاين الأطبّاء في مرسيليا، مانجالور وبيت لحم، آثار الجرح في عنقها (طول الجرح 10 سم وعرضه 1 سم). كان أحد الأطبّاء في مرسيليا ملحدًا، شهد فقال: “إنّ الله موجود وإلا ما بقيت هذه الراهبة، من الوجهة الطبيعية، على قيد الحياة.”