أخبارقصص القديسين

تعرّفوا على القديس البادري ليوبولد من كاستلنوفو رسول الوحدة بين المسيحيين وشفيع الشرق

البابا فرنسيس أما نعش البادري بيو والبادري ليوبولد في سنة يوبيل الرحمة 2016
جسد البادري ليوبولد الذي لم يمسه الفساد عُرض للتكريم في وطنه كرواتيا وزاره مئات الآلاف من أبناء وطنه حيث يُعدّ من أكثر القديسين شعبية

القديس البادري ليوبولد شفيع الشرق ومسيحيي الشرق

قديسان، كلاهما من الكبوشيين المعروفين بقضاء ساعات طويلة في كرسي الاعتراف، كانا موضع تبجيل خاص خلال سنة يوبيل الرحمة 2016. الأول معروف على نطاق واسع: البادري بيو (1887-1968)، الذي عاش وخدم في جنوب إيطاليا في سان جيوفاني روتوندو. والثاني أقل شهرة، ولكنه يستحق التأمّل فيه: ليوبولد مانديتش، المعروف أيضًا باسم البادري ليوبولد من كاستلنوفو (1866-1942).

في شهر شباط 2016، تم إحضار جسدَي القديسَن كلاهما سليمين لم يمسّهما الفساد، إلى كاتدرائية القديس بطرس بناءً على طلب البابا فرنسيس. قال البابا فرنسيس عن البادري ليوبولد أنه مثالًا للمؤمن لأنه التزم طوال حياته بالرحمة وكانت خدمته في كرسي الاعتراف موجهة نحو الشفاء الأعظم للكنيسة ألا وهو وحدة المسيحيين.

قضى البادري ليوبولد معظم حياته كراهب كبوشي يعيش في غرفة صغيرة بين بيت الرهبان وكنيسة الصليب المقدس في بادوفا. كانت غرفته معزولة عن ضوء النهار أو الهواء النقي، وكانت شديدة البرودة في الشتاء وخانقة الحرارة في الصيف.

غرفة البادري ليوبولد

باستثناء كرسي بذراعين محطم في إحدى الزوايا، وصليب على الجدار المكسور وصورة لمريم العذراء، كان الشيء الآخر الوحيد في غرفة البادري ليوبولد هو مركع كبير، عتيق من الاستخدام المفرط. هنا ولمدة 40 عامًا تقريبًا، وبين ثماني إلى 16 ساعة في اليوم، سمع الكاهن الصغير القامة، الضعيف البنية، الملتحي المنحني، اعترافات عشرات الآلاف من الناس. وكان من بينهم أساتذة وطلاب وسياسيون وفلاحون ورهبان وكهنة. أحد هؤلاء كان ألبينو لوسياني، البابا المستقبلي يوحنا بولس الأول.

بعد سنوات، ألقى لوسياني محاضرة بعنوان “ليوبولد مانديتش ورحمة الله”. وأشار إلى أنه بينما كان كاهنًا شابًا، سمع أن الأب ليوبولد – الذي كان يُلقَّب ب”المُعرّف الرحيم” – سيسمع الاعترافات (كان ليوبولد مشهورًا جدًا خلال حياته).

قال لوسياني: “ذهبت إلأعترف عنده. استمع إلي وقدم لي بعض النصائح. لقد تأثرت بحقيقة أنه (بين الاعترافات) كان يقرأ كتابًا عن اللاهوت النسكي ظهر للتو. كان واضحًا أنه لا يريد أن يضيع ولو دقيقة بين تائب وآخر؛ كان يبقي نفسه على اطلاع دائم ويدرس”. بعد ذلك، حمل لوسياني صورة هذا الراهب الصغير المنحني ذو اللحية البيضاء في محفظته لبقية حياته. بعد وفاة الأب ليوبولد، غالبًا ما كان لوسياني يتوقف عند كنيسة الكابوشيين في بادوفا للصلاة عند قبره.

خلال سنواته القليلة الأولى ككاهن، تم نقل البادري ليوبولد إلى أماكن مختلفة في مقاطعة فينيسيا. في عام 1906 تم إرساله إلى بادوفا حيث، باستثناء حوالي عام قضاها في السجن بسبب رفضه التخلي عن جنسيته، سيبقى فيها لبقية حياته.

على طريق الجلجلة

كان القديس ليوبولد يميت جسده بنوع غريب. خصوصًا بالنوم والطعام. فقد كان يأكل نادرًا. فلم يسمح لنفسه قط أن يذوق قرص حلوى جاء به أحد التائبين المتأثرين من ضعف صحة القديس. فقد كان يأخذه ويعطيه لرئيسه ليوزّعه على إخوته المرضى. كذلك كان يحرم نفسه لذة النوم. فلم يكن ينام سوى أربع أو خمس ساعات. وفيما كان الرهبان يرتاحون بعد الظهر، كان هو يصلي في الكنيسة أو في مخدعه.

وكان يميت نفسه أيضًا متألمًا من البرد القارص، فقد رفض حتى في أيامه الأخيرة، كل مدفأة أو مجمرة في غرفة الاعتراف. مع أنّ حسمه النحيل الضعيف كان يتألم تألمًا شديدًا من البرد. كان يجيب من يسأله لماذا لا يضع مدفأة في غرفته: “كيف تريد ذلك وكثير من الفقراء يتألمون من البرد؟ هل يليق بي أن أنعم بالتدفئة؟ فماذا عساهم يقولون لي عندما يأتون للاعتراف؟”

صوت الرب

في 18 حزيران 1887 أسمعَ الله صوته جليًّا للأب ليوبولد، كان يدعوه لتخصيص حياته لرجوع الشرقيين إلى الكنيسة. خمسين سنة بعد هذا الوحي كتب يقول: “هذه السنة ترجعني إلى خمسين سنة إلى الوراء، حيث سمعت صوت الرب للمرة الأولى في حياتي يدعوني للصلاة لأجل رجوع الإخوة الشرقيين المنفصلين إلى الوحدة الكاثوليكية”.

ولد القديس ليوبولد في كرواتيا – يوغوسلافيا سابقًا – بلد غالبيته مسيحيين شرقيين. اشتعلت في قلبه الرغبة في السفر كمرسل إلى الشرق، ليعمل لرجوع الشرقيين إلى حضن الكنيسة، لكن الله أراد منه هذه التضحية: أن يكون شهيدًا خفيًّا من أجل تحقيق وحدة المسيحيين في الشرق والغرب. وكان مقابل كل تائب يمنحه الغفران، يطلب من الله ارتداد شخص من الشرق.

من مواهب الله التي أنعم بها عليه: الحكمة المنيرة، موهبة إسداء النصائح، تعزية الحزانى، النبوءة، معرفة مقاصد الله، موهبة الشفاء، الجسدي والروحي. لكن أعظم ما تحلّى به القديس ليوبولد من الصفات هو التواضع السحيق

من أقوال البادري ليوبولد :

يجب أن أصنع كل شيء لأجل خلاص النفوس. لا بل أريد أن أموت في ساحة الجهاد حبًّا بها.

إذا أنّبني السيد المسيح يومًا على حلمي وتساهلي مع الخطأة، فإني أجيبه، لقد تعلّمت هذا المثال “العاطل” منك يا سيدي! بموتك على الصليب لأجل النفوس، مدفوعًا برحمتك غير المتناهية!”

قال مشيرًا إلى المصلوب: هذا هو الذي مات عن النفوس، وليس نحن. وما نحن سوى أناس مساكين لم نصنع سوى الخطيئة”.

إن العذراء مريم تعتني دائمًا اعتناء عظيمًا بالشرقيين لأنهم متعبّدون لها. فهي تلتمس لهم من ابنها الإلهي نعمة الإيمان القويم.

إني بحاجة قصوى بأن تتنازل السلطانة المعظّمة وتشفق علي. إني آمل بها دومًا، ولو رفضت طلبي فإنها أمّي، وكفى”.

(يتبع مقالين عن حبّه وتضحياته من أجل الشرق ووحدة المسيحيين وعن أعاجيبه خلال حياته وبعد موته)

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق