بالرغم من معارضة وتوسّل الوالدين قرّرت المحكمة أن تشارلي ابن ال10 أشهر يجب أن يموت!
بعد معركة قضائية مؤثرة ومنهكة نفسياً دامت أشهر عديدة، على الأبوين أن يتركوا طفلهما يموت ولا يمكنهما عمل شيء.
أسابيع قليلة بعد ولادته وحتى الساعة الأخيرة حارب والدا تشارلي من أجل حياته.
يعاني تشارلي من مرض وراثي نادر وتلف في المخ، سلبه القدرة على تحريك ذراعيه وساقيه أو تناول الطعام أو التنفس من تلقاء نفسه. وقد تم توصيله بأجهزة الإنعاش للمساعدة على إبقائه حياً.
رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الاستماع إلى القضية يوم الثلاثاء، مع التمسك بقرار المحكمة السابق التي حكمت بنزع الأجهزة عن الطفل تشارلي. كان الاطباء في المستشفى البريطاني قد شهدوا انه لا يمكن عمل اي شيء للطفل. لكن والدي تشارلي بحثوا واكتشفوا ان هناك علاج تجريبي في الولايات المتحدة لم يجرّبوه بعد. ولكن المحكمة قرّرت أن على الوالدين كريس وكوني غارد أن يودعا ابنهما وأمرت بأن تُنزع عنه الأجهزة التي تبقيه حياً.
قال الأب كريس في شريط فيديو نشرته العديد من القنوات في لندن:
“يمكن لتشارلي أن يقاوم ويقاتل الى اللحظة الأخيرة، لكن أنا وأمه لا يُسمح لنا القتال من أجله. لا نستطيع حتى أن نأخذه ليموت في البيت”. وأضاف الأب باكياً: “نحن نعرف اليوم الذي سيموت فيه ابننا، وليس مسموح أن يكون لنا رأي بالموضوع”.
سيتم إيقاف الأجهزة الحيوية اليوم الجمعة 2017\6\30 مساءاً. لكن لا يُسمح له بمغادرة مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال.
انتقد والدا تشارلي بشدة قسوة قلوب الأطبّاء الذين رفضوا السماح له بالعودة معهما ليموت في البيت.
كانت رغبة كريس وكوني الأخيرة أن تكون لحظات ابنهما الأخيرة في البيت حيث يستطيعان توديعه والاحتفاظ بالذكرى الأخيرة له بينهما وليس في المستشفى. لكن إدارة المستشفى رفضت تحقيق أمنيتهما الأخيرة لطفلهما المريض.
قالت الأم كوني وهي تبكي بحرقة قلب: “كنّا نعد ابننا الصغير كل يوم بأننا سوف نأخذه الى البيت. نريد أن نحمّمه في المنزل وأن نضعه في السرير الذي لم ينم فيه أبداً ولكننا نُحرم حتى من ذلك”.
قبل ساعتين نشرا الوالدان صورة وهم نائمون بالقرب من تشارلي في المستشفى معلّقين: “نقضي الساعات الثمينة الأخيرة مع طفلنا”.
وكان المتبرّعون قد جمعوا من جميع أنحاء بريطانيا مبلغ 1.4 مليون جنيه استرليني من أجل سفر تشارلي الى الولايات المتحدة وتغطية العلاج التجريبي في المستشفى إلا أن المحكمة قرّرت أنها لن تسمح بإرساله لأنه لا يوجد إثبات أن العلاج قد يساعده. وتوجّه الأب الى المتبرّعين “جنود تشارلي” كما سمّاهم شاكراً إياهم. قال: “سوف يموت تشارلي بعد ساعات عالماً بأنه كان محبوباً من ألآلاف. شكراً للجميع على كل ما بذلتموه من الدعم والحب”.
هل يحقّ للأطباء وللمحكمة اتّخاذ هذا القرار وتجاهل رغبة الوالدين؟
هل أن يموت تشارلي هو دفاع عن حقوقه وحريّته؟
هل فعلاً قرار نزع الأجهزة عنه نابع من “الرحمة” أم من أجل توفير تكاليف مالية كبيرة؟
أين تقع حدود “الموت الرحيم”؟ ومن له السلطان غير الله أن يقرّر من يجب أن يعيش ومن يجب أن يموت؟
تحدّث البابا يوحنا بولس الثاني عن الموت الرحيم في إرشاده الرسولي “إنجيل الحياة”:
“الرحمة” الحقيقية تقوم على التضامن مع عذاب الغير، ولكنها لا تميت من لا نقوى على تحمل عذابه”.
من دواعي الأسف أن هذه اللوحة المقلقة لا نراها تنحسر، بل نراها آخذة في الاتساع: فمع ما نلحظه من آفاق جديدة، ناجمة من التقدم العلمي والتقني، نرى أشكالاً جديدة من التعرّض لكرامة الإنسان. وفي الوقت نفسه ترتسم وتتكوّن حالة حضاريّة جديدة تضفي على الجرائم التي تستهدف الحياة وجهاً مستحدثاً وأكثر إغراقاً في الظلم – إن أمكن – وفي ذلك ما يبعث في النفس هموماً أخرى خطيرة: فثمة طبقات واسعة في الرأي العام تبرّر بعض الجرائم ضدّ الحياة باسم حقوق الحريّة الفرديّة، وتنطلق من هذه الأرضيّة لتطالب لا بالتبرئة وحسب بل بموافقة الدولة لتمارسها في حريّة مطلقة وبدعم مجاني من قِبَل الخدمات الصحيّة.
نجد صورة مأساوية في انتشار القتل الرحيم، مقنّعاً ومُبيّتاً أو سافراً بل مشرعاً. فإذا استثنينا شيئاً من الشفقة المزيّفة، تجاه عذاب المريض، نرى أن القتل الرحيم يُبرَّر أحياناً باعتبارات منفعيّة قوامها الإقلاع عن تكاليف مالية عقيمة ترهق المجتمع. وهكذا يُصار إلى التفكير في إلغاء أطفال مشوّهين أو أشخاص معاقين إعاقة خطيرة أو عاجزين أو مُسنين، ولا سيّما إذا كانوا على غير اكتفاء ذاتي، أو مرضى في طورهم الأخير. إنه لا يسوغ لنا أن نسكت عن أشكال أخرى من القتل الرحيم أشدَّ دهاءً وإن لم تكن أقل خطراً وواقعية.
“يمسي اللجوء إلى القتل الرحيم أشد خطورة عندما يمارسه آخرون في حق إنسانٍ لم يطلب منهم ذلك البتّة، ولم يوافق قط عليه”. “وأمّا ذروة التحكّم والظلم ففي ما يدَّعيه البعض، من أطباء ومشترعين، من سلطة التقرير في من يجب أن يعيش ومن يجب أن يموت”.