الأسقف دنيس كروتو : أنا مقتنع بصورة مطلقة أنّ السماء تنشط في مديوغوريه
الأسقف دنيس كروتو يدلي بشهادته ويُصرّح: أتيت متخفّياً الى مديوغوريه جئت، رأيت، اختبرت ووقعت في أسرها!
في فندق روزيكا في مديوغوريه، كان الحجّاج الكنديون الستّون يسرعون الخطى باتّجاه غرفة الطعام. ففي هذا المساء سوف يتشاركون حلوى الوداع والنّعم التي تلّقوها خلال الحجّ. هم يعرفون أن بعضهم قد اختبر شفاءات والبعض الآخر تلقّى أنواراً فيما يخصّ مسيرة حياته. في الغد تنقلهم الطائرة الى المقاطعات الشمالية الغربية في كندا. ورحلة مديوغوريه شارفت على نهايتها ولا ينبغي تفويت أي شيء مما تبقّى منها!
كان لاري راضياً عن سلوك المجموعة التي يتولّى تنظيم شؤونها. فلا مشاكل مهمّة ولا مفاجآت مزعجة تستحقّ الذكر. وكانت الأيام الثمانية غنيّة باللقاءات والصلوات والأسرار والنّعم المتنوّعة، إذ كان للسيّدة العذراء تأثيرها الناشط في القلوب.
جاء رجل من المجموعة وهمس في أذن لاري بأنه يرغب التحدّث لأن لديه أمراً مهمّاً يودّ نقله الى المجموعة. إنّه دنيس، ذاك الرجل المائل للرزانة والذي قليلاً ما لفت إنتباه لاري طيلة الأيام الثمانية. فسأله – “ما الأمر؟”
– “لا تقلق، إنها أمور حسنة! أنا أسقف منطقة يالونايف. وأتمنى إطلاع المجموعة على ذلك ومشاطرتها بعض مسائل رحلة الحجّ”.
اندهش لاري وقال:
– “أجل! بالطبع! سوف أعلن أنّ لديك ما تقوله… رائع!”
– لدينا ضيف مميّز سوف أتركه يُعرّف عن نفسه”.
– “أقدّم نفسي، إنّي الأسقف دنيس كروتو ، من أبرشية ماكتري فورت سميث من المقاطعات الشمالية الغربية في كندا. أنا….”
كانت المجموعة تتوقّع كل شيء إلا هذا الحدث المثير! فانفجرت فرحاً وعلا التصفيق بقوّة… كان بينهم أسقف ولم يكونوا على علم بذلك!
لم يترك الأسقف دنيس كروتو الإنفعال يتغلّب عليه وراح يشرح لماذا اختار المجيء متنكّراً:
– “لقد جئت الى مديوغوريه مثل أحدهم ويُدعى الأسقف باولو هنيلكا، الذي بعد عودته من روسيا في آذار 1984، التقى البابا يوحنا بولس الثاني. سأله البابا:
– ” باولو، هل مررت في مديوغوريه؟”
– “كلا، صاحب القداسة”
– “ماذا؟ ألم تذهب الى هناك؟”
– “كلا، فالفاتيكان حذّرني من ذلك”
بدرت من البابا حركة تريد القول “لا بأس”. ثم أضاف:
– “إذهب متنكّراً كما فعلت في روسيا. وعُد منها وأخبرني بما ترى”.
أضاف الاسقف دنيس كروتو :
– “عشت بينكم مثل أي حاج بسيط. حافظت على بعض المسافة ولم أختلط بكم كثيراً، أنتم معشر الحجّاج في مجموعتي، مخافة أن أكشف هويّتي أو “إكتشافي” كما يقال. لماذا؟ لسببين:
الأول: في كندا قيل لي أنّ الكهنة القادمين الى مديوغوريه يُعاملون بصورىة مميّزة. من جهة أخرى، فهم يجلسون في خورس الكنيسة ولا يشكّلون جزءاً من الجمهور. كما يُطلب إليهم العمل وسماع الإعترافات وتبريك الأشياء الدينية، الخ… رغبت بالمجيء الى مديوغوريه مثل زائر بسيط وفي عيش الحجّ عيشاً عميقاً مثل أي كاثوليكي عادي. بدون تلقّي أي معاملة خاصة تراعي وضعي. لم أكن أريد عيش مديوغوريه انطلاقاً من الخورس بل من صحن الكنيسة.
القول أسهل من الفعل! حاول العيش طيلة أسبوع كامل مع مجموعة من ستّين حاجّاً دون أن تشير مرة واحدة عمّن تكون ولا ما تفعل. إنها مسألة صعبة حتى لأسقف، لا بل هي موضع صعوبة مضاعفة.
حاول تجنّب أسئلة الرفيق في الغرفة مثل إدمون الذي كان يستعلم عن هويّتي من دون أن تنطق بكذبة واحدة. ذات يوم اتّخذ الحديث المنحى التالي:
– إدمون: “يا دنيس، ماذا تعمل في هذه الحياة؟”
– الأسقف دنيس كروتو : “أعمل للكنيسة، في التعليم الكاثوليكي”.
– إدمون: “حسنا، أي كمدرّس في المدارس الكاثوليكية؟”
– الأسقف: “كلّا، أعمل على مستوى الأبرشية”.
كانت هذه الأسئلة تتيح لي الوقت الكافي لتوجيه الحديث نحو حقل أقل خطراً. في يوم آخر، شنّ إدمون هجوماً مضاداً:
– إدمون: “هل لديك أسرة؟”
– الأسقف: “كلّا، لا أسرة لي”.
– إدمون: “إذاً أنت غير متزوّج؟”
– الأسقف: “كلّا، أنا عازب”
– إدمون: “ألم تفكّر يوماً في أن تصبح كاهناً؟”
– الأسقف: “كما تعلم، منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، ميادين كثيرة يستطيع العلمانيون فيها خدمة الكنيسة بشكل رائع، من دون أن تصبح كاهناً أو رجل دين”.
السبب الآخر الذي جئت لأجله يتعلّق بالرغبة في مشاهدتي بأمّ العين ما يجري حقّاً في مديوغوريه.
وللقيام بهذا الإكتشاف، كان ينبغي لي أن أعيش مديوغوريه مثل أي زائر عادي. بعد إنجاز هذا الإختبار، وصلت الى الخلاصة بأنّ مديوغوريه هي فعلاً ما يُقال عنها.
لقد دُفعت قليلاً للمجيء الى هنا. لم تنفكّ شقيقتي الصغيرة ميشلين عن إرسال المعلومات إليّ، كالكتب والمقالات. إنها إمرأة مميّزة تتمتّع بتصميم رائع. وقد نجحت في جعلي أتعلّق بمديوغوريه. جئت ورأيت اختبرت ووقعت في أسرها.
إني مُرسل في الشمال الكندي أكثر من 40 سنة. أعمل بوجه خاص مع جماعتَيْ “دين” (هنود) و “إينوي” (الإسكيمو). تبدي هاتان المجموعتان تعبّداً شديداً لمريم العذراء، ولا سيّما لجهة تلاوة المسبحة. لو جاءتا الى مديوغوريه، لشعرتا بفرح عارم ولكان انتعش إيمانهما وتعزّز. ولكانتا كالسمك في الماء وأنضمّتا الى عائلة مديوغوريه.
في الختام، دعوني أقول لكم أنّني قدّرت عالياً هذا الإختبار الغني على الصعيد الروحي. وإنّي أدرك الآن لماذا يرغب الذين جاؤوا الى مديوغوريه في العودة اليها دائماً. إنّه اختبار خاص وفريد تماماً. كان يمكن لي أن أكون بالتأكيد رفيقاً أكثر ثرثرة، غير أنّني بلغت هدفي. ومن الآن فصاعداً، أعلّل النفس أن نكون ذات يوم من جديد في الطائرة ذاتها وفي الحافلة ذاتها وعلى الطريق ذاتها، الطريق التي تقود الى مديوغوريه حيث نترك جزءاً من قلبنا”.
بعد سنة واحدة، كان الأسقف دنيس كروتو يعود الى مديوغوريه بصفته أسقفاً من مجموعة من منطقته. وكانت شقيقته ميشلين هذه المرّة المنشّط الرئيسي للزيارة. وفي ختام هذه الزيارة شهد الأسقف بما يلي:
ما يسترعي الإنتباه هو التقوى والتعبّد لدى الناس والإيمان والشهادات التي تلقيّناها هنا. شاهدنا جماعات صلاة وأناساً يؤمنون ويعيشون اختبارهم المسيحي بإيمان وحبّ. إنّهم أناس متحمّسون وهذا أمر رائع! أجريت في أبرشيتي الكثير من النشاطات من اجل تغيير الناس فنحن نعيش في مجتمع معطّل الوظائف، وقد أنفقت آلاف الدولارات على إجراء دورات وورش عمل. غير أنّني بعد إنفاق كل هذه الأموال لم أحقّق 10% ممّا تَحقّق هنا في زيارة حجّ واحدة. لذا ستجدون في شخصي واحداً ممّن سيدعون بقوّة الى الحجّ الى مديوغوريه!
لا شك أنّ اللحظة المثلى كانت بالنسبة لي عند سماع الإعتراف.
ذلك أنّ كرسي الإعتراف بالنسبة للكاهن، قد يكون المكان الأفضل للتعرّف حقّاً الى مديوغوريه واكتشاف ماهيّتها. لا يمكنني أن أتصوّر كاهناً يأتي الى هنا ويستمع الى الإعترافات طيلة ساعة من دون أن يقتنع بصورة مطلقة مثلي أنّ السماء تنشط في مديوغوريه. يمكننا أن نلمس باليد عمل مريم والله من خلال الإستماع الى الناس والطريقة التي تغيّروا فيها. يأتي بعضهم الى هنا وهم أناس طيّبون، ولكن عندما يعودون، يتحوّلون الى مسيحيين من أفضل طراز.
البعض الآخر يأتون الى هنا خطأة ويعرفون ذلك (أحياناً لا يعرفون ذلك)، ولكن عندما يغادرون يعرفون أنهم كانوا خطأة وأنّهم قد شفوا وغُفرت خطاياهم. ويجري الكاهن هذا الإختبار بالدرجة الأولى. وإذا قال أحدهم أنّ الشيطان هو الناشط في مديوغوريه، فإنّي أقول: “أجل، إنّه لشيطان تافه! ولا أعتقد أنّه يأتي من الجحيم. أعتقد أنّه ينبغي أن يكون مُرسلاً من السماء! إذ من المؤكّد أنّه يقوم بعمل السماء!