قصص القديسين

“ذلك اليوم تعلّمت ان أصلّي !” قصة البادري بيو مع القديس بيلليغرينو

 القديس بيلليغرينو يجري معجزة أبقت أثراً في نفس البادري بيو


نحن في العام 1896، وفرنسيسكو الصغير (البادري بيو) الذي يبلغ التاسعة، قد قرّر والده في ذلك اليوم اصطحابه الى التافيلا إيربينا للمشاركة بالعيد السنوي للقديس بيلليغرينو (بيريغران شفيع مرضى السرطان)، وهو شهيد محبوب وموضع تكريم شديد في المنطقة .
وصلا قبل الظهر الى الساحة واندسّا داخل الكنيسة التي غصّت بالناس . لقد قدم المؤمنون من جميع انحاء المنطقة يحملون الى قديسهم المحبوب علامات التعبّد الاكثر اثارة.
ازدحم الجميع حول المذبح حيث ترتفع صورة القديس. في تلك اللحظة اخذت امرأة ترتدي ثياباً رثة وبدا انها تحمل كل مآسي العالم، بمخاطبة القديس بيلليغرينو بصوت عالٍ. كانت تحمل بين يديها طفلاً يبدو جامداً لا حركة له.
بقدر ما كانت ترفع صراخها كان الجمع الذي اصيب بالذهول قد خفض نبرته كي يتيح لتلك الأم المسكينة فرصة البوح بمكنونات قلبها.

عندئذِ امسكت المرأة بولدها بأعلى يديها وأخذت تشنّ هجوماً واسعاً على القديس وتوجّه اليه الملامة:
 “طيلة عمري كرّمتك ولم اتغيب يوماً عن المجيء الى عيدك، ووضعت لك الشموع وحملت اليك الهدايا ووثقت بدعمك لي. وتحدّثت على الدوام في قريتي عنك. وها انت تكافئني على هذا النحو! تعلم اني وحيدة لا مال لديّ وأجدني مع ولد مشوّه ومريض.”
 “كيف عليّ ان اتصرّف كي أربّيه؟ الا يهمك ان تراني عاجزة عن الاهتمام يهذا الولد؟ هل انت من سوف يستعطي لأجلي؟ اي صنف من القديسين انت!؟”


اخذ صوتها يعلو اكثر واكثر وهي تشهق باكية واكملت:
“انت على ما يرام، لديك كل شيء، انت في السماء! هذا سهل!
 اذا كانت هذه هي قداستك، اي ان تترك المساكين يقلعون اشواكهم بأيديهم فانت تخيب آمالي بك وتثير اشمئزازي! انت تتبختر كالطاووس في اطار لوحتك، وحين تحلّ مصيبة باحدهم فأنت لا تحرّك ساكناً ولا يرفّ لك جفن! مرحى، يا لهذا المثل الجميل من المحبة!”

 “جميع الصلوات التي تلوتها… كم كنت غبية، وكم تعبت من اجل لا شيء! كل ما استطعت ان تمنحني اياه هو طفل دميم… والآن ماذا تقول لي، ايه؟ لعل تتوقع مني ان اعود الى قريتي مرنّمة بحمدك؟!”


بدا الجميع واجماً لا يدري اذا ما كان عليه ان يشعر بالانزعاج لأجل تلك المرأة او لأجل ذلك القديس المسكين الذي تلقّى تأنيباً لم ينل منه في حياته كلها. اختنق صوت الأم وانتفضت بحركة جريئة وصعدت درجات مذبح القديس بيلليغرينو .
وكان فرنسسكو الصغير يتابع بانتباه كلّي ما يجري ويصلي بكل جوارحه من اجل تلك الأم التي يحطمها الحزن. اراد ابوه الخروج لكن فرنسيسكو رجاه ان ينتظر ليرى ما يحل بتلك المسكينة.
اما المرأة فجرّدت ولدها الصغير من ثيابه الرثّة ورفعته مثل ضحية امام صورة القديس بيلليغرينو ثم وضعته امامه وهي تصرخ:
“خذه، ها هو! احتفظ به او اعده لي معافى!”
وابتعدت … كان الصمت في الكنيسة سيد الموقف.

ظل فرنسيسكو مسمّراً في مقعده راغباً في مشاهدة خاتمة هذا الحدث. فجأة جحظت عينا فرنسيسكو الصغير: ثمة حدث غير مألوف يجري على المذبح !
فالولد الدميم شرع يدور بهدوء حول نفسه، وسط هتافات الحجاج المنذهلين.
كان الولد يجهد للنهوض على ذراعيه الصغيرين وركبتيه المشوّهة وهو الذي كان لتوّه جامداً لا يأتي بحركة. استعادت اطرافه شكلاً طبيعياً واختفى تشوّه جسمه بالكامل!


اخذت أجراس الكنيسة تقرح بشدة معلنة الحدث الغير متوقع .
اجل شفي الولد تماماً . قد انجز القديس بيلليغرينو الكبير والمحبوب الأعجوبة تحت انظار الجميع!
بدا فرنسيسكو الصغير مضطرباً حتى اعماق نفسه، وهو الذي اصبح لاحقاً القديس بيو الذي انطبعت في جسده صورة المسيح. كان يستطيب ان يروي تكراراً حادثة القديس بيلليغرينو وإيمان تلك المرأة وتأثيرها عليه، مضيفاً بشيء من الوقار:
“ذلك اليوم ، تعلّمت ان أصلّي !”

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق