8 كانون الاول : عيد الحبل بلا دنس
عقيدة الحبل بلا دنس
عقيدة الحبل بلا دنس هي الأولى من حيث الأهمية وذلك لما يدور حولها من جدال وحوار مع الطوائف الأخرى حيث أنها من أول العقائد التى أعلنت من عقائد مريم لأنها حسب الترتيب التاريخي تكون عقيدة الحبل بلا دنس الثالثة، وقد أعلنت في 8 ديسمبر 1854 وحددها البابا بيوس التاسع الذي كان يرأس كرسي روما من سنة 1864 – 1878، وقد أعلنها البابا على أنها عقيدة موحاة فلذلك على كل مؤمن داخل الكنيسة الكاثوليكية أن يؤمن بهذه العقيدة، ولهذا فمن المهم معرفة نص العقيدة التي تدعونا الكنيسة للإيمان بها.
نص العقيدة
“إن الطوباوية مريم العذراء حفظت معصومة من كل دنس الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى من الحبل بها، وذلك بامتياز ونعمة خاصة من الله القدير بالنظر إلى استحقاقات يسوع المسيح فادي الجنس البشري”
شرح نص العقيدة
الهدف من نص العقيدة هو تبرئة العذراء من أي علاقة بالخطيئة؛ أي أنها طاهرة تماماً ليس لها خطية أصلية أو شخصية منذ اللحظة الأولى التي حبل بها وحتى وجودها كإنسان، نظراً للمكانة التي ستحتلها مريم بأن تكون أماً لله تعالى.
عقيدة الحبل بلا دنس والقدّيسين
كثيرين من القديسين تحدثوا بمحبة عن التي حبل بها بلا دنس. نذكر منهم على سبيل المثال القديس مكسيميليان كولبي الذي يقول أن “الروح القدس يسكن فيها، يعيش فيها، وذلك منذ اللحظة الأولى لوجودها، على الدوام وإلى الأبد”.تقليدياً، وفي الثامن من ديسمبر، يلقي البابا كلمة من ساحة إسبانيا في روما تكريماً لصورة العذراء التي حبل بها بلا دنس.ففي مريم تتألق قداسة الكنيسة التي يريدها الله لجميع أبنائه. فيها، تبلغ الكنيسة كمالها، لذلك تبقى مريم للكنيسة “مثالاً دائماً” (بحسب تعريف الرسالة العامة التي كتبها يوحنا بولس الثاني “أم الفادي” Redemptoris Mater).
يشكل قرار بيوس التاسع ذروة تقليد طويل من العبادة لمريم التي حبل بها بلا دنس. منذ القرون الأولى للمسيحية، وبخاصة في الشرق، تحتفل الكنيسة بطُهر مريم. ويعرف عنها آباء الكنيسة كـ « Panaghia » أي الكلية القداسة، المقدسة من الروح القدس، “الزنبقة النقية”، “الطاهرة”.وفي الغرب، لطالما حفظ تقليد الكنيسة عقيدة الحبل بلا دنس، لكن تطور العقيدة مرتبط بالتمييز اللاهوتي حول مسألة الخطيئة الأصلية. كانت المصاعب مزدوجة: ففي المقام الأول، إن كانت مريم استثناء، لما كانت بحاجة إلى أن تُفتدى، وبالتالي لما كان بالإمكان اعتبار الفداء شاملاً، الأمر الذي يدحض أقوال القديس بولس.
عصمة مريم
وفي المقام الثاني، كان هناك نقاش حول معرفة الفترة التي ظلت فيها مريم معصومة عن الخطيئة: قبل الحبل بها أو بعيد ذلك، إذ لم يكن هناك إجماع حول الطريقة التي انتقلت بها الخطيئة الأصلية.الجدل الحقيقي بدأ في أوروبا في القرن الثاني عشر مع نشأة الجامعات والمدرسية. أعد اللاهوتي أنسلموس دو كانتربري مفهوم الفداء السابق مؤكداً أن الفداء انطبق على العذراء قبل ولادتها. والفرنسيسكاني جان دونز (1265-1308) المعروف بسكوتس بسبب أصوله الاسكتلندية هو مؤلف القول المأثور “Potuit, decuit, fecit” (“كان الله قادراً على حفظ أمه من الخطيئة الأصلية، وهذا ما كان يجدر فعله، فأتم ذلك”): إذاً، لم يكن الحبل بلا دنس شذوذاً عن فداء المسيح، وإنما عمله الخلاصي الأكثر كمالاً وفعالية.
مع ذلك، استمر الجدل ونقلت المسألة سنة 1439 أمام مجمع بازل. بعد عامين من المناقشات، أعلن الأساقفة الحبل بلا دنس عقيدة ورعة مطابقة للعبادة الكاثوليكية، للإيمان الكاثوليكي، للقانون العقلي والكتاب المقدس، موضحين بأنه لم يعد مسموحاً منذ ذلك الحين بوعظ أو إعلان ما يتعارض معها. مع ذلك، وإذ لم يكن مجمعاً مسكونياً، لم يستطيعوا إعلان موقفهم بسلطة عليا.سنة 1476، ومع البابا سكستوس الرابع، أُدرج عيد الحبل بمريم في التقويم الروماني.وانطلاقاً من القرن السادس عشر، أصبحت الجامعات الكبرى حصوناً للدفاع عن العقيدة. ومن لم يكن يقسم ببذل قصارى جهده للدفاع عن الحبل الطاهر بمريم، لم يكن بالإمكان قبوله كعضو في العديد من الجامعات الشهيرة منها بولونيا، نابولي، باريس، كولونيا، فيينا، كويمبرا، لوفان، سالامانكا، إشبيلية، فالنسيا، إضافة إلى أوكسفورد وكامبريدج قبل الإصلاح. هذا الدفاع عينه الذي لا يعرف الكلل صدر عن الرهبنات. فالإخوة الأصاغر مثلاً أكدوا سنة 1621 خيارهم للتي حبل بها بلا دنس كشفيعة للرهبنة، ملتزمين بنشر العقيدة علناً وبشكل خاص.
في 8 ديسمبر 1661، أصدر البابا اسكندر السابع الدستور “العناية بكل الكنائس” (Sollicitudo omnium Ecclesiarum) معلناً أن مناعة مريم تجاه الخطيئة الأصلية منذ لحظة خلق نفسها وانبثاثها في الجسد هما سبب إيمان. كما أتى التأييد للحبل بلا دنس من تعاليم بيار كانيسيوس (القرن السادس عشر)، روبير بيلارمين (القرن السابع عشر) وجاك بنين بوسوييه (القرن الثامن عشر).سنة 1830، تراءت العذراء لكاترين لابوريه (1806-1876) وأوكلت إليها واجب نشر “الأيقونة العجائبية” في العالم أجمع إضافة إلى صورة مريم ونقش “التي حبل بها بلا خطيئة”.
تحديد العقيدة
كانت العبادة التي أحدثتها هذه المسألة بين المؤمنين كبيرة جداً لدرجة أن كثيرين من الأساقفة طلبوا من البابا غريغوريوس السادس عشر إيضاح عقيدة الحبل بلا دنس. استمرت الطلبات مع خليفته بيوس التاسع الذي أنشأ جمعية خاصة من الكرادلة وأعضاء الإكليروس العاديين والرهبان لكي يتفحصوا بعناية كل ما يتعلق بالطاهرة. كذلك، أرسل الحبر الأعظم إلى أساقفة العالم الكاثوليكي الرسالة العامة Ubi primum (1849) لينقلوا وضع العبادة التي تشجع الإكليروس والمؤمنين تجاه الحبل الطاهر بالعذراء، وآراء الأساقفة في هذا الصدد.في البراءة الرسولية Ineffabilis Deus (البند 17)، يعترف بيوس التاسع بـ “التعزية” التي شعر بها عند تلقيه أجوبة الأساقفة التي وإذ كانت “زاخرة بفرح وجذل وحماس لا يصدق”، لم تؤكد فقط على “عبادتهم الخاصة” تجاه الحبل الطاهر بالعذراء وإنما أيضاً “طلبت إلينا، كتمن إجماعي” (أجاب 546 أسقفاً من أصل 603) تعريف العقيدة من خلال “حكم” السلطة البابوية. في الوقت عينه، وبـ “إلحاح”، طلب أعضاء الجمعية الخاصة من البابا هذا التعريف إضافة إلى مجمع للكرادلة.هكذا، أثبت البابا وأوضح أن “العقيدة التي تعلم أن الطوباوية مريم العذراء، في اللحظة الأولى للحمل بها، حفظت من وصمة الخطيئة الأصلية وكانت معصومة منها، وذلك بنعمة وهبة خاصة من الله الكلي القدرة، بموجب خصائص يسوع المسيح، مخلص البشر، هي عقيدة موحاة من الله” معلناً أن هذه العقيدة يجب أن “يؤمن بها جميع المؤمنين بثبات وعلى الدوام” (البند 18).
أنا الحبل بلا دنس
بعد مرور أربعة أعوام على إعلان العقيدة، وفي عام 1858، ظهرت العذراء للشابة برناديت سوبيرو في لورد بفرنسا قائلة لها: “أنا التي حبل بها بلا دنس”، التأكيد البليغ على إعلان بيوس التاسع.ويذكر تعليم الكنيسة الكاثوليكية في الرقم 488 بأن “الله أرسل ابنه لكنه في سبيل إعطائه جسداً أراد تعاوناً حراً من قبل إنسان”، وفي سبيل أن تكون مريم أم المخلص، “منحها الله هبات على مستوى مهمة بهذه الأهمية” (رقم 490). “منذ اللحظة الأولى بالحمل بها، حفظت بالكامل من وصمة الخطيئة الأصلية وبقيت نقية من كل خطيئة شخصية طيلة حياتها” (رقم 508).