يسوع يلتقي براعي سامري ويجري معجزة بالخفية مكافأةً على إيمانه
من قصيدة الإنسان - الإله / ماريا فالتورتا
يسوع يلتقي براعي سامري ويكافئه سرًّا على إيمانه
هناك رعاة كُثُر على الجبال (في السامرة) مع قطعانهم، والرُّسُل يقصدونهم لمعرفة فيما إذا كان هذا هو الدّرب الصحيح الّذي يؤدّي إلى طريق القوافل الّتي تمضي مِن البحر إلى بيلّا.
رغم كونهم سامريّين، فهم يجيبون على الأسئلة دونما فظاظة. حتّى إنّ أحدهم، عند تقاطع مَسالِك تمضي في كلّ الاتّجاهات لتشكّل مِن جديد مزيداً مِن الفروع، يقول لهم: «سأنزل إلى الوادي بعد قليل. ارتاحوا قليلاً ومِن ثمّ يمكننا المضيّ معاً. فإذا ما تُهتم في هذه الجبال… فلن يكون أمراً جيّداً…» يخفض صوته ويضيف: «قطّاع الطرق!» ويتلفّت حوله كما لو أنّه يخاف مِن أن يكونوا قريبين منه ويهدّدون.
ها هو الرّاعي يتبعه راعٍ صغير وكلب، وهو لا يتوقّف إلّا عندما ينجح بمساعدة الصبيّ والكلب في إبطاء النّعاج، جامعاً إيّاها معاً كي لا تتفرّق أو تتّجه للوادي وحدها.
«إنّها الحيوانات الأكثر بلاهة على وجه الأرض. لكنّها مفيدة جدّاً» يقول ماسحاً عرقه، ويضيف متنهّداً: «إيه! لو كان روبين لا يزال موجوداً! إنّما مع هذا الصبيّ فقط!…» ويهزّ رأسه نازلاً خلف نعاجه، التي يبقيها الصبيّ والكلب المتواجدان عند مقدّمة القطيع متجمّعة معاً. ويُكلّم نفسه قائلاً: «فقط لو أتوصّل إلى إيجاد ذاك النبيّ، ولو أنّني سامريّ، لكنتُ أُكلّمه…»
«وما كنتَ ستقول له؟» يَسأَل يسوع.
«سأقول: “كان لي زوجة عذبة كما هو ماء الجبل بالنسبة لإنسان ظمآن، والعليّ قد أَخَذَها منّي. وكان لي ابنة عذبة كأُمّها، وقد رآها رومانيّ وأراد الزواج بها، وأخذها إلى البعيد. كان لي ابني البِكر وكان بالنسبة لي كلّ شيء… لقد انزلق عن الجبل في يوم ماطر وكَسَرَ عموده الفقريّ، وهو بلا حراك، والآن أُصيب كذلك بمرض باطنيّ، والأطباء يقولون بأنّه سوف يموت. أنا لن أسألكَ لماذا عاقَبَني الآب الأزليّ، إنّما أنا أتوسّل إليكَ أن تشفي ابني.”»
«وهل تؤمن بأنّه يقدر أن يشفيه لكَ؟»
«بالتأكيد أؤمن بذلك! لكنّني لن أراه أبداً…»
«لماذا أنتَ واثق؟ وهو ليس سامريّاً.»
«إنّه بار. إنّه ابن الله، هكذا يقال.»
«أنتم، في آبائكم، قد أسأتم إلى الله.»
«هذا صحيح. إنّما قيل أيضاً بأنّ الله سيغفر خطيئة الإنسان بإرساله الفادي. يمكن قراءة هذا الوعد في أسفار موسى الخمسة إلى جانب الحُكم على آدم وحواء. والكتاب يُكرّر ذلك مرّات عدّة. وإذا ما غَفَرَ تلك الخطيئة، أفلا يرحمني، أنا غير المذنب في كوني وُلِدتُ سامريّاً؟ أعتقد أنه إذا ما سمع ماسيا بألمي، فسوف يشعر بالشفقة تجاهي.»
يبتسم يسوع لكنّه لا يقول شيئاً. كذلك الرُّسُل يبتسمون ابتسامة ذات دلالة، ومع ذلك، لا يلاحظها الرّاعي.
«فإذن هذا الصبيّ ليس ابنكَ؟» يَسأَل يسوع.
«لا. هو ابن أرملة لها ثمانية أبناء، وهي تعاني الجوع. لقد اتّخذتُه لي مساعداً… وابناً… كي لا أبقى وحيداً فيما بعد… حينما يصبح روبين في القبر…» ويتنهّد.
«وإن تعافى ابنكَ، فماذا ستفعل مع هذا؟»
«أُبقيه. إنّه طيّب، وأنا أشفق عليه…» ويخفض صوته ليقول: «هو لا يَعلَم… ولكنّ أباه مات محكوماً عليه بالأشغال الشاقة في السفن.»
«ما الذي اقترفه حتّى استحقَّ ذلك؟»
«لا شيء متعمّد. لكنّ عربته دَهَسَت جندياً مخموراً، وقد اتُّهم بفعل ذلك عن عمد…»
«وكيف تعرف أنّه ميّت؟»
«آه! ما مِن أحد يصمد طويلاً خلف المجذاف! إنّ أخباراً مؤكّدة قد وصلتنا عن طريق تاجر سامريّ، والذي كان قد رأى جثّته تُرفَع عن الأغلال وتُرمَى في البحر فيما ما وراء الأعمدة (أعمدة هرقل هو الاسم الذي أطلقه الرومان علي مضيق جبل طارق).»
«أتبقيه معكَ حقّاً؟»
«إنّني مستعدّ للقَسَم على ذلك. إنّه تعيس، أنا تعيس. وأنا لستُ الوحيد. إنّ آخرين قد أخذوا أبناء الأرملة، الّتي بقيت الآن مع ثلاث بنات. ما يزلن كثيرات. لكن أن يكنّ أربعاً أفضل مِن اثني عشر… ولا حاجة لأن أقسم على ذلك!… روبين سوف يموت…»
يمكن الآن رؤية الطريق المزدحمة بالمسافرين الذين يهرعون إلى أماكن استراحتهم. المساء يحلّ قريباً.
«ألديكم مكان تبيتون فيه؟» يَسأَل الرّاعي.
«لا، في الحقيقة.»
«أودُّ أن أقول لكم “تعالوا”، إنّما منزلي صغير جدّاً بالنسبة للجميع. لكنّ حظيرة الخِراف كبيرة.»
«ليكافئكَ الربّ كما لو كنتَ قد استضفتني. لكنّني سأواصل المسير حتّى غياب القمر.»
«كما تشاء. ألا تخاف أن تضلّ؟ أن تصادف أناساً أشراراً؟»
«إنّ فَقر رفاقي وفقري سوف يحمينا مِن قطّاع الطرق. وبالنسبة للطريق، فإنّني أفوّض أمري إلى ملاك المسافرين.»
«يجب أن أذهب إلى مقدّمة القطيع. إنّ الصبيّ لا يَعلَم بعد… والطريق ملأى بالعربات…» ويَهرَع إلى الأمام كي يقود النّعاج إلى مكان آمن.
«يا معلّم، إنّ السوء آتٍ الآن. علينا أن نجتاز قسماً مِن الطريق وسط الناس…» يهمس الرُّسُل.
ها هم الآن على الطريق، خلف النّعاج، التي تتقدّم برتل، محصورة بين جانب الجبل وعصا الرّاعي وكلب الحراسة. الصبيّ هو الآن بجانب يسوع الذي يداعبه.
يَصِلون إلى مفترق طرق. الرّاعي أَوقَفَ القطيع قائلاً: «هي ذي دربكَ وتلك هي دربي. إنّما إذا أتيتَ باتّجاه القرية، فسوف تجد طريقاً أقصر كي تذهب إلى القرية التالية. انظر: أترى شجرة الجمّيز الضخمة تلك؟ اذهب وصولاً إلى هناك ثمّ انعطف يميناً. سوف ترى ساحة صغيرة مع ينبوع، وبعدها منزلاً قد سَوَّده الدخان. إنّه الحدّاد. بعد البيت هناك الطريق. لا يمكنكَ أن تخطئ. وداعاً.»
«وداعاً. لقد كنتَ بغاية الطّيبة، والله سوف يعزّيكَ.»
يمضي الرّاعي ويسوع كلّ في دربه، الرّاعي محاطاً بالنّعاج، ويسوع محاطاً بالرُّسُل. راعيان وسط قطيعيهما…
إنّهما الآن منفصلان، تحجبهما مجموعة منازل تفصل الطريق الرئيسيّة التي يسلكها الرّاعي عن الدرب الّذي يمرّ عبر ضاحية فقيرة مِن القرية، الأكثر فقراً على ما أعتقد، ساكنة، منعزلة… الفقراء هم الآن في البيوت، وتُرى النار في المطابخ مِن خلال الأبواب الـمُوارَبة… الليل يهبط ومعه غشاوة الغسق.
«سوف نتوقّف حالما نخرج مِن القرية» يقول يهوذا. «أرى بيوتاً في الحقول.»
«لا. مِن الأفضل أن نتابع.» الآراء مختلفة.
يَصِلون إلى الينبوع. يندفعون نحوه كي يغتسلوا ويملأوا مطراتهم الصغيرة. ها هو الحدّاد، يُقفِل مَشغله الأسود. وها هو الدرب الّذي يمضي صوب الحقول… يسلكونه…
لكنّ صرخة تُسمَع مِن بعيد، مِن القرية: “رابي! رابي! ابني! أيّها السكّان! تعالوا! أين الحاجّ؟»
«لكنّهم يبحثون عنّا يا معلّم! ماذا فعلتَ؟»
«اركضوا. إذا وَصَلنا إلى ذاك الحرج فلا يعود أحد يرانا.»
«يركضون عبر حقل مغطّى بتبن محصود حديثاً، يَصِلون إلى رابية، يتسلّقونها ويختفون، تلاحقهم الأصوات، التي أَصبَحَت الآن كثيرة العدد، والأشخاص الذين انتشروا، خارج القرية، والذين ينادون أكثر منه يبحثون، حيث الغسق يُواري الكثير مِن الأمور. ويتوقّفون عند أسفل الرابية.
«لقد كان الرابي هو الذاهب إلى شكيم، أؤكّد لكم. لا يمكن أن يكون إلّا هو. وهو قد شفى عزيزي روبين. وأنا لم أعرفه. رابي! رابي! رابي! اسمح لي بأن أجلّكَ! قل لي أين أنتَ مختبئ!»
وحده الصدى يجيب، ويبدو كأنّه يقول: «…آبي! …آبي! …آبي!».
«ولكن لا يمكن أن يكون بعيداً» يقول الحدّاد. «لقد مرّ مِن أمامي قبل وصولكَ…»
«ومع ذلك فهو ليس هنا. أترى. لا أحد على الدرب. كان عليه سلوكه.»
«أيكون في الحرج؟»
«لا. لقد كان مستعجلاً…» بعد ذلك يطلب المساعدة مِن كلبه. «إبحث! إبحث!» ولوهلة يبدو أن الكلب قادر على اكتشاف مكان الاختباء، إذ يتوجّه نحو الحرج بعد أن يشمّ في المرج. ثمّ يتوقّف الحيوان محتاراً. ساقه مرفوعة، أنفه في الهواء… ثمّ، مُضَلَّلاً لا أعرف بماذا، يأخذ بالعدو في الاتّجاه المعاكس، نابحاً، والناس يركضون وراءه…
«آه! تبارك الربّ» يهتف الرُّسُل مع تنهيدة ارتياح، ولا يمكنهم منع أنفسهم مِن القول للمعلّم: «إنّما ما الذي فعلتَه يا ربّ!» وهم تقريباً يلومونه على فِعل ذلك. «تَعلَم أنّه مِن الخَطِر أن يتمّ التعرّف عليكَ، وأنتَ…»
«أَلا ينبغي لي أن أكافئ الإيمان؟ أَلَيس حسناً أن يؤمنوا بي على طول الطريق مِن دوتاين إلى بيلّا؟ أربّما تريدونهم ألّا يعودوا يفهمون شيئاً؟»
«هذا صحيح. إنّكَ على حقّ! إنّما ماذا لو كان الحيوان قد عثر عليكَ؟»
«آه! سمعان! أوتعتقد بأنّ مَن يفرض مشيئته، حتّى عن بُعد، على الأمراض والعناصر، ويطرد الشياطين، ليس قادراً على فرضها على حيوان؟ الآن لنحاول الوصول إلى الطريق بعد المنعطف، فلن يعودوا يروننا بعد. هيّا بنا.»
يتقدّمون وهم تقريباً يتلمّسون طريقهم عبر حرج الرابية، إلى أن يعودوا إلى الطريق الضيّقة، الـمُنارة بضوء القمر الآخذ بالبزوغ، بعيداً عن القرية التي هي الآن محتجبة تماماً خلف الرابية.