مواضيع روحية

هل تعلم أن الكتاب المقدّس يكشف لنا بعض الأسرار عن حياة عائلة الناصرة الخفيّة ؟

سنوات الصمت في الناصرة

حياة عائلة الناصرة الخفيّة

بعد أن حجّ يسوع، ابن الثانية عشرة، الى هيكل أورشليم بمناسبة عيد الفصح، رسم الإنجيلي لوقا خطوطاً عريضة لسر سنوات الصمت والتخفّي الطويلة في حياة عائلة الناصرة الخفيّة : “ثم نزل معهما، وعاد الى الناصرة، وكان طائعاً لهما. وكانت أمّه تحفظ تلك الأمور في قلبها. وكان يسوع يتسامى في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس”. (لوقا 52:2-51)

ماذا حدث في الناصرة؟ كيف كانت حياة عائلة الناصرة الخفيّة وكيف كانت تسير الحياة في المنزل الفقير الذي كان يحرس حضور الذي “يحصي عدد الكواكب ويدعوها كلها بأسمائها”. (مزمور 4:47)

لم يرغب الروح القدس كشف النقاب عن سحر هذا السر المتواضع والعظيم. غير أن الرسول بولس يعطينا مفتاحاً لقراءتها عندما كتب قائلاً: “فمع أنه في صورة الله لم يعدّ مساواته لله غنيمة. بل تجرّد من ذاته متّخذاً صورة العبد. وصار على مثال البشر”. (فيليبي 7:2-6)

في ضوء هذه البشارة البيبلية يمكننا أن نفهم بأن الحياة في الناصرة كانت حياة بسيطة لأن ابن الله أراد أن يشركنا فعلياً، في مغامرته البشرية. ومن المؤكّد أن تكون مريم المحرّك الرئيس في سنوات الناصرة، وذلك وفق ما يجري في العائلة الحقيقية حيث تكون الوالدة عصب العلاقة التربوية. لذا فإن يسوع المراهق والشاب قد طُبع على صورة أمّه لدرجة لم يعد فيها الدم الوالدي يجري لوحده في عروق بشريّته بل أحاسيس مريم كذلكورقّتها وشفافيتها وصلاحها. جميل وعميق السر الذي أعلنه يوحنا في مقدّمة إنجيله: “والكلمة صار بشراً وسكن بيننا”. (يوحنا 14:1)

من المفترض أن لاتكون ثمة أحاديث طويلة بين مريم ويوسف ويسوع إنما صمت عارم في حياة عائلة الناصرة الخفيّة . ففي المحصّلة كان يسوع “يعرف الجميع، ولا يحتاج الى من يشهد له في شأن الإنسان، فقد كان يعلم ما في الإنسان” (يوحنا 25:2-24)

إذاً كان الحوار، في أغلب الأحيان، بالنظر والشراكة الداخلية، وبالرغبة الحميمة في تحقيق مخطّط الآب الذي بيّنه يسوع لمريم ويوسف بجوابه السريع على تساؤلهما في هيكل أورشليم.

مرّت السنوات بسرعة كما يحدث لكل الناس، ولكن في يوم من الأيام سلّم يسوع على والدته بطريقة مغايرة. وساد مجدّداً صمت عظيم: نظرات ثاقبة، بضع كلمات ولفتات بسيطة بين الأمّ وابنها. إنها هنيهات الوداع.

يومها رأت مريم يسوع يبتعد في طريق البلدة دون أن يدرك أحد أنه في تلك اللحظة كانت تبتدئ ساعة تاريخ البشرية الكبيرة.

ورافقت مريم يسوع بنظرها حتى توارى في أعماق الحياة.

إنه الإنسلاخ. لقد فهمت مريم أن يسوع لن يعود لأنه يحمل في كيانه مشروعاً يجب أن يتحقّق، ورسالة يجب عليه إتمامها، ونار حبّ يجب أن تضطرم حتى الأعماق.

وجدت مريم نفسها وحيدة في المنزل الفارغ. ألعلّها تنهّدت وتأثّرت وبكت؟

لا ندري، لكنها ردّدت بالتأكيد قائلة: “ها أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك”. (لوقا38:1)
ومن ثم راحت مريم تهيّئ قلبها من أجل ساعة الإبن العظيمة – ساعة الصليب.

 للكاردينال أنجلو كوماستري، نائب البابا العام من كتابه “هذه هي أمّك”

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق