قناة ناشيونال جيوغرافيك تصرّح :”مريم العذراء، أقوى إمرأة في العالم !”

“كيف أصبحت مريم العذراء أقوى إمرأة في العالم” هو عنوان فيلم وثائقي أعدّته قناة ناشيونال جيوغرافيك والمقرّر بثّه في 13 كانون أول 2015. في التقرير التحضيري للفيلم الذي بثّته القناة في 10/11/2015 تتبّعت القناة ورافقت حجّاج ومنهم مرضى الى المعابد المريمية المنتشرة في العالم لكي يعرفوا ما هو سرّ جاذبية مريم.

فيما يلي مقطتفات من تقريرناشيونال جيوغرافيك المصوّر :

سيدتنا العذراء. الأم المباركة. العذراء القديسة. مريم العذراء. ملكة السلام. والدة الإله. أمة الرب. أمنا مريم.
هذه ليست سوى بعض الأسماء المستخدمة لوصف امرأة شابة التي ظهر لها ملاك الرب قبل نحو 2000 عام مع رسالة من الله بأنها ستحبل وتلد مخلص العالم.

الفيلم يبدأ في تقصّي كل المعلومات عن مريم، بدءاً مما ذُكر عنها في الأناجيل متتبّعاً ظهوراتها حول العالم . رافق طاقم التصوير حجّاج الى العديد من المعابد المريمية : فاطيما، لورد، كابيهو – رواندا، ومديوغورييه.

“مع أن العهد الجديد لم يسجّل لها سوى القليل جدا من الكلمات، إلّا أنها تحظى بالإكرام في جميع أنحاء العالم يمتد عبر الزمان والثقافات وحتى الأديان.
الإيمان بمريم “شفيعة” امام الله تأتي من الكتاب المقدس في عرس قانا الجليل حين قام المسيح بمعجزة تحويل الماء الى خمر تلبية لطلبها “ليس عندهم خمر”، تبعه إرشادها للخدم “إفعلوا كل ما يقوله لكم”.

كان ذلك في عام 431، في المجمع المسكوني الثالث في أفسس، حين سميّت رسمياً “ثيوتوكوس” والدة الإله. ومنذ ذلك الحين لا توجد إمرأة تعالت وعظُم شأنها كما مريم. أصبحت رمز عالمي للحبّ الأمومي ورمزاً ايضاً للمعاناة والتضحية. عباءتها تقدّم الحماية والأمان لكل من يلتجئ إليها .سُئِل البابا فرنسيس يوماً من هي مريم بالنسبة لك؟ أجاب :”إنها ماما”.

ظهوراتها، والرؤى التي يختبرها كثير من الأحيان أطفال فقراء يعيشون في مناطق نائية او التي تعصف بها الصراعات أبرزت وضاعفت من غموضها وهالتها. وعندما لم يتزعزع الأطفال ولم تتغير او تتناقض روايتهم، خصوصاً عندما ترافقها “علامات” لا تفسير علمي لها، مثل رقص ودوران الشمس او تدفّق الينابيع، تتعاظم الدهشة والإعجاب بمريم. مريم في كل مكان ! الزهور المخملية Marigolds سميّت باسمها . السلام الملائكي يردّد في المباريات والساحات. صورة عذراء غوادالوبي في المكسيك هي الأكثر انتشاراً والأشهر بين جميع صور النساء في العالم أجمع.

خصّص لها المسيحيون شهر أيار أجمل الشهور بأكمله لعبادتها وشهر تشرين أول لتكريمها وورديتها. مريم تجذب الملايين كل عام الى معابدها مثل فاطيما، لورد، ومديوغورييه وغيرها من المعابد المريمية حول العالم، داعمة بذلك السياحة الدينية حيث تشير التقديرات أنّها تصل الى بلايين الدولارات في العام الواحد موفّرة بذلك آلاف الفرص من العمل.
مريم هي الوحي الذي ادّى الى خلق الكثير من الأعمال العظيمة في الفن والهندسة المعمارية مثل منحوتة بييتا (العذراء الثكلى) لمايكل انجلو، كاتدرائية نوتردام والكثير الكثير غيرها. وكذلك أوحت لكثير من الشعر والليتورجيا والموسيقى . أشهر الموسيقيين أبدعوا بتلحين السلام الملائكي الذي تسابق مغنيي الأوبرا وغيرهم في إنشاده. مريم هي المؤتمنة والملجأ الروحي لبلايين البشر بغض النظر إن كانوا منسيين او منعزلين.
لا ينحصر تكريم مريم عند المسيحيين فالمسلمين ايضاً يعتبرونها أقدس النساء . في العهد الجديد ذُكرت أربع مرات فقط . بداية من بشارة الملاك جبرائيل في إنجيل لوقا حيث أجابته ها أنا أمة للرب، فليكن لي بحسب قولك. أما أطول أقوالها هي التسبحة التي انشدتها عند زيارتها لنسيبتها أليصابات:”تعظّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي، لأنه نظر الى تواضع أمته فها منذ الآن تطوّبني جميع الشعوب… حقّاً! لقد فعلوا !

مع ذلك، دلائل عن حياتها الأرضية بقيت مجهولة. يأخذ العلماء المريميين ما في وسعهم من معلومات من الكتب العبرية القديمة ونصوص القرن الأول، ومن العهد الجديد والحفريات الأثرية.
قال الكتاب المقدس انها عاشت في الناصرة عندما كان الرومان مسيطرين على بلاد اليهود. وبعد ان وُجدت حاملاً من الروح القدس قرّر يوسف خطيبها النجار ان يتركها سرّاً فظهر له الملاك في الحلم وأوضح له سرّ حملها وتجسّد ابن الله في أحشائها الطاهرة. ميلاد يسوع المسيح ذُكر فقط في اثنين من الأناجيل لوقا ومتى. أما مرقس ويوحنا فقد ذكروا “أم يسوع” عدة مرات.

خلال الألفية الأولى، بعدما أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، وبدأت تنتشر في أوروبا، صُوّرت مريم عادة كشخصية إمبراطورية ملكية، مساوية للأباطرة، ترتدي ثياباً ملكية أرجوانية مذهّبة. أما منذ الألفية الثانية، بداية من القرن الأول منها، يقول مؤرخ العصور الوسطى ميري روبين من جامعة كوين ماري في لندن “، لقد اجتازت عملية تحوّل جذري، تطوّرت لتصبح متوفّرة أكثر مُتاحة للجميع بسهولة، أكثر لطفا، شخصية أمومية في غاية الرّقّة والوداعة. قامت بدور الأم في الأديرة والرهبانيات، حيث كانت المبتدئات في كثير من الأحيان في سن حرج بحاجة الى رعاية الأم، كما نرى في سير حياة القديسين.”

“حب الأم”، يقول روبين، “أتى للتعبير عن جوهر القصة الدينية”.

مريم هي الأم الثكلى، العذراء الرائعة الجمال، شخصية إلهية. وتماما كما أنّ يسوع هو الرجل المثالي، مريم هي المرأة المثالية.!
خلال ما سميّ بفترة الاصلاح (1517-1648)، رفض البروتستانت فكرة مريم الشفيعة، مؤيّدين التوجّه مباشرة الى الله في الصلاة. ولكن مريم في القرن ذاته كسبت ملايين جدد من أتباعها الكاثوليكيين. مع الغزو الاسباني للأمريكيتين وظهوراتها لخوان دييغو  (سيدة غوادالوبي) بلغ عدد الذين اعتمدوا 7 ملايين شخص خلال بضع سنوات . وفي الآونة الأخيرة تشهد أفريقيا تحوّل كبير الى المسيحية التي تنتشر مع التعبد لمريم، خاصة بعد ظهوراتها في رواندا قبل الحرب الأهلية.

أمثلة :

في ظهورات السيدة العذراء في بيليفوزان قالت لإستيل :”ألم أقل لكِ أنه إن أبقاك حيّةً يجب حينئذٍ أن تُخبري عن عظمتي؟””أنا ممتلئة رحمةً، والسلطان من ابني. لا تفقدي النعم الإلهية التي أُعطيت لك واجعلي عظمتي وملكوتي السماوي معروفاً.”
تقول الرائية إستيل :”أردت سؤالها عن إشارة عن قوّتها، لكنّني لم أكن أعرف ما أقوله وكيف أسأل، لذا قلت: “أمي الطيبة، أرجوكي، من أجل عظمتك”. ففهمت وقالت: “ألا يعدّ شفاءك دليلاً قاطعاً وعظيماً على قوّتي؟ لقد أتيت خصوصاً لتخليص الخطأة”. وبينما كانت تتكلّم كنت أفكّر بالطرق المختلفة الكثيرة التي تعكسها وتُظهر قوّتها. وأجابتني: “دعي الناس يرون ذلك”. ثم بارحت المكان بهدوء.
في لا ساليت قالت :”إن لم يسلّم الناس أنفسهم الى الرب، سأكون مجبرة على بعث ابني”. كما أنّ دموعها المنهمرة وكلماتها وأسلوبها المنكسر عند قولها لهذه الرسالة ما هو إلا تعبير عن اهتمامها وعاطفتها التي تكنّها للناس: “لن تكونوا قادرين على إيفائي حقّي على ما فعلته لأجلكم”. “أريد أن يَخلَص الجميع الصالح منكم والطالح أيضاً. إنني أمّ المحبة، أمّ الجميع؛ أنتم أطفالي. لذا، أتمنى أن تخلصوا كلّكم. وهذا سبب دعوتي للعالم أجمع الى الصلاة”.

في إحدى ظهورات العذراء في القرن الثامن عشر لراعية غنم صغيرة اسمها بنديكتا رينكولر (ظهورات أثبتتها الكنيسة وأعلن البابا بندكتوس ال 16 الأخت بنديكتا مكرّمة عام 2009) عندما حقّق معها الاسقف وقال لها:”إن كانت العذراء المباركة حقّاً تظهر لك وتكلّمك فقولي لها ان تجري معجزة امامي حتى أومن.” أطاعت الراعية البسيطة وأوصلت طلبه الى العذراء. وفي اليوم التالي كان الأسقف بانتظارها ليسمع إجابتها. وهذا ما قالته له :”تقول لك السيدة العذراء، صحيح انك تستطيع أن تأمر الرب يسوع كل صباح فينزل من السماء الى المذبح بواسطة السلطان الذي وهبك هو إيّاه، لكنك لا تملك السلطان بأن تأمر العذراء القديسة. فهي تظهر متى تشاء ولمن تشاء وأينما تشاء”.
ومع ذلك، في صباح اليوم التالي وبينما كان يحتفل بالذبيحة الإلهية دخلت الى الكنيسة برفقة أمّها فتاة كسيحة منذ ست سنوات اسمها كاثرين فيال تعاني من تقلص الأعصاب في ساقيها لدرجة انهما انثنوا الى الوراء. أثناء القداس شعرت كاثرين بتحّرر ساقيها فوقفت صارخة لقد شُفيت.. شفتني العذراء المباركة !” فتأثّر الأسقف وأعلن فوراً إيمانه بصحة الظهورات.

في ظهوراتها في بوارين، بلجيكا عام 1932 عرّفت عن نفسها “أنا العذراء النقيّة” وقالت:”سأقوم بهداية الخطأة”. ولتُظهر السيدة العذراء قوّتها العظيمة قالت:”أنا ملكة السماء وأم الله؛ صلّوا دائماً”.

في مديوغورييه تتجلّى قوّتها وعظمتها يومياً ومنذ أربع وثلاثين سنة:

قوّتها في الشفاعة، والدليل الشفاءات التي لا تُحصى.

قوّة جاذبيتها التي لا تُقاوم، والدليل اكثر من 30 مليون شخص حتى الآن قدموا لزيارتها. مسيحيون من مختلف الطوائف ومسلمون ويهود وغيرهم.

قوّتها في لمس القلوب، نتجت عنها إرتدادات رائعة ودعوات كهنوتية ورهبانية مؤثّرة.

قوّة محبّتها الأمومية، فمن منّا يقدر أن يرفض محبّة أمّ تقول :”آه، لو تعلمون كم أحبّكم، لبكيتم من الفرح!”

أُم الله تقف في كل أجيال التاريخ في نقطة المركز من دائرته، لقد اختارتها نعمة الله لتصبح رابطة بين السماء والأرض. وفي شخص إبنها الرب يسوع ومن اجله، ألا نعظم الله معها، ألا نعظم الله من أجلها، ألا نشترك مع جميع الأجيال في تطويبها، فنقول مـع أليصابات: “مبـاركة أنـت فـي النسـاء ومبـاركة هـي ثمـرة بطنـك” ( لوقا 42:1 ).

رابط المقال في موقع ناشيونال جيوغرافيك

http://ngm.nationalgeographic.com/2015/12/virgin-mary-text