كانت تصعد يومياً جبل الصليب حافية القدمين طلباً لارتداد زوجها فهل حصلت المعجزة؟
إيفونا إمرأة لها 49 من العمر. بسيطة ومبتسمة، أرملة وأمّ لولدين. تعمل في مجال الزهور. أتت الى مديوغوريه للمرة الثالثة، وقد أثارنا حماسها الكبير.
كانت تصعد الى جبل الصليب كريزيفاك كل يوم على الرغم من الصقيع والهواء والشتاء والوحل، وتعود منه حافية القدمين. وتتلو الوردية يومياً عند تمثال ملكة السلام على تلّة الظهورات، حيث كانت تجد عند أقدام الأم السماوية عزاء كبيراً وسلاماً داخلياً. في البدء لم تشأ إيفونا أن تخبر قصّتها فهي حميمة للغاية لكي تُنشر. لكنها وافقت عندما علمت أنها ستساعد نسوة أخريات على استعادة الأمل.
كانت تسكن شقة صغيرة من غرفتين في أوكرانيا حيث تزوّجت عام 1984 من إيغور الذي سرعان ما ظهر طبعه الشرير. يُسرف في الشرب، ويعاملها بالسوء ويضربها في بعض الأحيان. وانتهى بها الأمر الى أن تعلم أن لديه عشيقة، إمرأة متزوجة وأمّ لثلاثة أولاد.
يتكلّم إيغور بالسوء عن الكهنة بالرغم من أنه كاثوليكي ويرفض أن يذهب الى الكنيسة إلا وقت الأعياد. إنما إيفونا تحبّ زوجها بصدق وتصلّي كثيراً من أجله. مرض كثيراً ذات يوم، وأجبر على الإقلاع عن العمل. أصبح بحاجة الى عناية دائمة. وتخلّت عنه عشيقته.
وإذ رأته ينازع، خافت إيفونا على مصيره الأبدي. وحبّاً به لم تكتفِ فقط بالصلاة من أجله، بل قدّمت الأصوام لله على نيّته. في آب العام 2009 أتت للمرة الأولى الى مديوغوريه لتنال له المصالحة مع الله. فراحت تصعد كل يوم جبل الصليب بحرارة ملتهبة حافية القدمين على الحجارة اللاذعة. ورجت الله: “لا تدعه يموت من دون أن يعترف!” وطلبت من عذراء مديوغوريه أن تتشفّع من أجله لدى ابنها. وإذ كان إيغور ينزعج من الأولاد، راحت تصلّي من أجل وحدة عائلتها. وقالت لله: “حتى إن كرهني إيغور أعطني القوة لأسانده!”
وبالفعل، على الرغم من اعتنائها به أشد الإعتناء ليل نهار، كان إيغور لا ينكف عن شتمها. إنما شعرت إيفونا بالسلام في قلبها لأن صلاتها أبقتها على اتّحاد وثيق بالله.
ذات يوم، خضع إيغور لعملية جراحية. لم تستسلم إيفونا، ومكثت عند قدميه لساعات طويلة. تابعت أصوامها وصلّت بإيمان وهي على ثقة بأن الله يصغي لدعائها. وقد رفض إيغور ثلاث مرات الكاهن الذي أتى ليُعرّفه. صمتت إيفونا ولم تخضع للإحباط، وهي مسمّرة بالقرب منه. ازداد تشفّعها من أجل زوجها من كل قلبها وجدّدت ثقتها بالله في كل مرّة جاء ردّه بالرفض. تتالت مسابح الوردية والرحمة الإلهية خلال كل فترة العناية الطبية.
حصلت المعجزة صباح يوم وفاته، وكان ذلك في فترة الأعياد الميلادية. لامس إيغور شعر زوجته قائلاً: “حتى عندما كنت شريراً معك، لم تكفّي عن حبّي واهتممت بي”. كانت رِجلا إيغور قد أصبحتا سوداوَي اللون، لكنه بقي واعياً. كان على إيفونا أن تخرج من المستشفى لبضع ساعات للإحتفال بالقربانة الأولى لابنتها ذاك اليوم. عند عودتها، التقت بالكاهن وسألته أن يحاول مرّة جديدة أن يُعرّف إيغور. إنها مسألة ساعات قبل وفاته. ولكن الكاهن أجابها بأنه كان عند زوجها الذي اعترف اعترافاً جيّداً بعد مرور 20 عاماً على ابتعاده عن الأسرار. تلقّت إيفونا الخبر في الرواق، وراحت تتمايل من الفرح.
عندما دخلت غرفة إيغور، وضعت في يده صورة ليسوع الرحيم. وللمفاجأة الكبرى حملها إيغور بين أصابعه وراح يتأملها بسكون، ثم سأل زوجته:
– كيف أذهب الى السماء؟
– تذهب الى منزلك. لا تخف! أجابته. – سينير لك يسوع الدرب لتذهب إليه وستكون برفقة المجوس!
وإذ رأته يتألّم قالت له:
– تذكّر بأنّ يسوع أيضاً تألم قبل أن يعود الى أبيه.
سألَته الغفران عن المرات التي تسبّبت له فيها بالألم. وعبّرت له من جهتها بأنها غفرت له كل شيء. كان إيغور قد بدأ يعجز عن الكلام. لكنه ذرف الدموع. لُمِس قلبه أخيراً! شكرَته على السنوات الفائتة التي عاشاها معاً. ثم قالت له بابتسامة عريضة: “تستطيع الآن أن تذهب بأمان الى منزل الله!” على وقع هذه الكلمات، جمدت عينا إيغور، وتوفّي.
ثابرت إيفونا على الصلاة والصوم. تحقّق كل ما طلبته من الله. اعترف إيغور قبل وفاته بست ساعات وقبل أن يفقد القدرة على الكلام. وخلال الصوم الأربعيني الذي تلا وفاته، صامت إيفونا أربعين يوماً على الخبز والماء عربون شكر لله والسيدة العذراء على ارتداد زوجها.
لم تكفّ إيفونا عن العمل منذ وفاة زوجها، ابنها بوريس مريض جداً. عادت الى مديوغوريه وفي نيّتها أن تُثني قلب الله من أجل شفائه. وبنوع خاص من أجل ارتداده لأنه ابتعد عن الكنيسة وهو يسكن الآن مع شخص يمارس أعمال السحر والتنجيم وأموراً أخرى شرّيرة. قامت إيفونا بمقايضة مع الله: “إعتنِ أنت يا رب بابني بوريس وسأعتني أنا بأولادك الكهنة!”
في 25 تشرين الثاني الفائت، بعد صعودها جبل الصليب وتلة الظهورات حافية القدمين، أمضت ليلتها في الكنيسة أمام القربان الأقدس تصلّي من أجل الكهنة.
إن التقى أحد يإيفونا لن يعلم بمن حصل له شرف اللقاء. لا يفطن لها أحد. غير أن العالم ما زال صامداً بفضل هؤلاء الأشخاص المتواضعين الذين يعيشون وصيّة الحبّ حتى البطولة من دون أن يلحظهم أحد. يخفي الله جيّداً قدّيسيه! وعددهم لا يُحصى. آه. يا للمفاجآت التي تنتظرنا في اليوم الأخير. عندما تنجلي جميع الحقائق أمام نور الله!
تقول لنا العذراء مريم: ” ادعوكم ان تصلّوا باستمرار لنيل عطية الحب . احبّوا الآب السماوي فوق كل شيء فعندما تحبّونه سوف تحبون انفسكم والقريب. هذا لا يمكن فصله. الآب السماوي موجود في كل إنسان. يحب كل إنسان ويدعو كل إنسان باسمه” (2013/11/2) وقالت أيضاً “أولادي الأحبة، فليسُد الحبّ في عائلاتكم، ليس الحبّ البشري بل الحبّ الإلهي”. إيفونا تنتمي الى أولئك الجبّارين الذين اختاروا أن يستحوذوا على الملكوت مهما كلّف الثمن. وهي لن تخيب أبدا!