قلب يسوع الأقدس – قصة، تأمّل وصلاة (3)
قصة
رتداد مُلحد بفضل فتاة صغيرة
روى القدّيس توما كرولي، رسول قلب يسوع الأقدس، أن فتاة كان هو مرشدها الروحي حكت له يومًا أنها ترى بعد التناول ظهورات خارقة العادة ليسوع. فأراد أن يتحقّق من صحّة ذلك، فقال لها:
– غدًا متى تناولتِ فاسألي يسوع هديّة.
– أيّة هديّة، يا أبتاه؟
– قولي: يا حبيبي يسوع، قال لي مرشدي: أطلبي من يسوع نفسًا كبرهان على أنه هو الذي يُكلّمكِ.
– أيّة نفس؟
– يا بنيّتي، لا يعنيكِ معرفة ذلك. فاطلبي فقط نفسًا توبتها في غاية الصعوبة.
في اعترافها التالي، قالت لي:
يا أبتِ، لقد تمّ كل شيء.
ولمّا كنت أتظاهر بأنّي غير فاهم قالت:
– ولكن ألا تذكر أنّك قلت لي: أطلبي برهانًا من يسوع؟ فقال لي يسوع: يا أخيّتي، ليكن لكِ ما تريدين. ثم أضاف: أطلبي منّي نفوسًا فأعطيكِ إيّاها. قولي للأب، يطلب منّي دائمًا نفوسًا، فيُعطاها. ولكن يجب أن تكوني صغيرة دائمًا ومطيعة دائمًا ومُحبّة دائمًا. وأن تبذلي نفسك باحتمال بعض المشاقّ لاكتسابهنّ. فلا تعملي شيئًا بلا استئذان مرشدك. فإن أذِنَ لكِ وإلّا فإنّي أفضّل الطاعة، كما تعلمين.
– يا أبتِ، هذه النفس آتية، فهيّا حُلّني. إذ قال لي يسوع إنها ستأتي يوم أعترف.
فحاولتُ عند ذاك أن أُلهيها متحدّثًا إليها عن شيء آخر. إلّا أنها انتهزت فرصة انقطاعي هنيهة عن الكلام، فقالت:
– يا أبتِ، تلطّف وحُلّني. فهذه النفس ههنا.
وبينما كانت الصغيرة متّجهة إلى المذبح، لتتلو عن ظهر قلبها الكفّارة أي القانون، خرجتُ من كرسي الاعتراف، فإذا بباب يُفتح أمامي ورجل وجيه، بيد أنّه مُلحد كافر، يتقدّم إليّ: رجلُ لم يُرَ جاثيًا أبدًا.
– يا أبتِ، لستُ أعلم كيف جرى هذا، لقد غلبَتني النعمة، فأشعر بأنّي صرت شخصًا آخر… جئت أعترف.
كان هذا الاعتراف المقرون بالدموع مؤثّرًا كل التأثير: لستُ أعلم كيف… لستُ أعلم لماذا… هذا ما كان يُردّده.
كنت أستطيع أن أُحضر إليه تلك الصغيرة التقيّة التي كانت تصلّي خاشعة متّضعة، وأن أقول له: إنّ لها عليك الفضل في توبتكَ.
هكذا تقع النفوس الساذجات من قلب يسوع موقعًا عظيمًا، فلا يسعه أن يمنع عنهنّ شيئًا، لأنهنّ واثقات، وإليه مطمئنّات.
تأمّل
إنّ قلب يسوع لأحنّ القلوب كافّة وأرقّها، بحيث لا يسعه إلّا أن يحنّ علينا في جميع بلايانا وضيقاتنا وأحزاننا. فلا تسقط دمعة من عيوننا، ولا تصعد زفرة من شفاهنا وتنهّد من صدورنا، إلّا جرَح كل ذلك قلبه الأقدس.
إنّ رقّته هذه غير مقصورة على التابعيه عن قريب، والباذلين أنفسهم في سبيله، وإنّما تتناول جميع الخلائق حتى أعداءه أنفسهم. بل يصحّ القول إنّه على هؤلاء أحنّ وأرأف.
ومن ثمّ فليس أحد أعدى أعداء الله، ممّن يسيء إليه بالخطيئة ويدوس حبّه ويُدنّسه، ويُجدّد يوميًّا آلامه وموته. فإلى هؤلاء أمثال الابن الضال العائشين بعيدًا عن البيت الأبوي يصرف يسوع اهتماماته، ولهم يَظهر بمظهر أوفى الخلّان والأصدقاء.
إنّ العالم الآن لفي حاجة – كما كان في عهد نوح – أن يُطهَّر من أدرانه وأقذاره. ولكن الله لا يرغب في تطهيره بطوفان من ماء، بل بطوفان من نار… نار حبّه المضطرمة في قلبه الكثير الرحمة للبشر.
وكأنّي بيسوع يخاطب أصدقاءه وجميع النفوس الكريمة قائلًا لهم: ألا ترون الكثير من البائسين في طريق الهلاك الأبدي سائرين، غير عابئين بالوهدة الموشكة أن تبتلعهم إلى الأبد؟ ألا ترون أنّ عددهم يجلّ عن الإحصاء؟
مضت عليّ سنوات وسنوات، وأنا أناديهم… قد بحّ صوتي من الصراخ الدائم. فأعرَضوا عنّي بأسماعهم وما اكترثوا لي… صاحوا في وجهي: نحن في غنى عنك… لسنا نعرفك… ومع ذلك، فإنّي لأجلهم نزلت من السماء، ولأجلهم صعدت إلى الجلجلة، ولأجلهم مُتُّ على الصليب، ولأجلهم أكرّر كل يوم وكل ساعة تضحيتي غير الدموية على المذابح…
ألا أشفقوا عليّ! صلّوا أنتم أيضًا لأجلهم. فإنّما هم إخوتكم، وهم أيضًا أبناء دمي. ضمّوا إلى صلواتكم بذل النفس والأوجاع والدموع، فيطفح كيل رحمتي وتتدفّق النعمة فيخلُصون.
إنّ كثيرين الآن موفون على قرب السقوط في نيران جهنّم! فأنتم تستطيعون منعهم، وفتح باب السماء أمامهم.
أما تؤثّر فيكم هذه التنهّدات، تنهّدات قلب يسوع الرحيم؟ أليس من نفوس تُخلّصونهنّ؟ ألا ترون أنه يتسنّى لكم تخليص عدد كبير من النفوس، بأن تكونوا جميعًا رسل عبادة قلب يسوع الأقدس وخاصة عبادة التسع أوّل جُمَع من الشهر، وهي العبادة التي تسلّمون إليهن وثيقة الفردوس؟
قال القدّيس أمبروزيوس: إنّ تخليص نفس، عمل أكبر من إبداع الكائنات، عمل أجلّ من إحياء الموتى، وضمان الحياة الأبدية.
والقدّيس أوغسطينوس قال: هل خلّصت نفسًا؟ إذن خلّصت نفسك!
صلاة
يا يسوع حبيبي، ما أشدّ تأثّري حين أسمع تنهّدات قلبك الحنون التي سبّبها شقاء الخطأة. ألا فاذكر يا يسوع، أنّك لأجلهم قد انحدرت من السماء إلى الأرض، ولأجلهم قد حملتخشبة الصليب، ولأجلهم قد أرقت دمك عليها.
فلا تدع ثمرة فدائك تذهب سدى. فمِن مخلب إبليس أنقذهم بحبّك القدير، واجعلهم غنائم مجيدة لرحمتك. لِمِثل هذه الغاية تقبّل أوجاعي، فأبارك قلبك الأقدس إلى الأبد. آمين