شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريةمواضيع روحية
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهرية – اليوم الثالث عشر
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهرية
اليوم الثالث عشر –مهجورون من أصحابهم، مهجورون من أهلهم
1. المهملة من أصدقائها
لنفكّر أنّ في المطهر نفوسًا مهملة حيث لا يهتمّ بها أحد فتتألّم من غير عزاء. طبعًا، الكنيسة لا تنسى أبناءها هؤلاء. وأنفسهم لها الحقّ في الصلوات التي تقيمها هذه الأمّ الحنونة وتقدّمها إلى الله لصالح الموتى المؤمنين.
ولكن ما عدا هذه الصلوات الجماعيّة لا تحصل هذه الأنفس على أيّ دعم خاص من الأحياء. إنّها مهملة من أصدقائها الذين أقسموا على حبّها أبدًا. ولكن بما أنّ هذا الحنان هو حنان بشريّ محض وأناني فهو يختفي مع آخر صوت لجرس الكنيسة.
إنّ هذا الإهمال غير المتوقّع، هو سبب في تعاظم آلام هؤلاء الأسرى البائسين. فهم يلومون الأحياء الذين نسَوا واجبات الصداقة فينادونهم قائلين: “إرحمونا يا من كنتم أصدقاءنا. لقد أعطيناكم الكثير من عطفنا واندفاعنا يا من أحببناكم بحنان. لقد وعدتمونا في ساعتنا الأخيرة، لحظة الوداع أن لا تنسونا أبدًا! وهاكُم تخلفون الوعد: لا صلاة تتلونها، أو حسنة تقدّمونها أو دمعة تذرفونها أو تنهيدة تطلقونها من أجلنا. ذلك لأنّنا بعيدون عن عيونكم فأخرجتمونا من قلوبكم”.
يقول بوسّويه (Bossuet)*: يا لتقلّب المشاعر الإنسانيّة! فإنّها تذهب مع السنين والمصالح”.
هذه المآخذ تطال كلّ واحد منّا. أتفكّرون بأصدقاء طفولتكم وشبابكم الذين خطفهم الموت؟ هؤلاء الموتى الأعزّاء، كثيرًا ما ننساهم يقول القدّيس فرنسوا دوسال رغم أنّهم أحبّونا في حياتهم!..
لنخشى نحن الإهمال أيضًا لأنّه كُتب من يُهْمِلْ يُهْمَلْ.
2. المهملة من أهلها
هؤلاء الموتى مثلما أهملهم أصدقاؤهم كذلك أهملهم أهلهم إمّا لأنّهم رحلوا عن هذا العالم أو لأنّ أهلهم تنكّروا لكلّ شعور بالمحبّة وعرفان الجميل نحوهم. الأب، الأم، الأخوة والأخوات أو ورثتهم تخّلوا عنهم. حيثما تطلّعوا لا يصادفون غير النسيان والإهمال. لا كلمة واحد تذكّر بهم أو تلفظ أسماؤهم. لا زيارة إلى مدافنهم ولا صلاة. يخيّم النسيان على آلامهم في المطهر ولا أحد من الأحبّاء يعزّيهم. النسيان يعمّهم إلى الأبد.
يا للأنفس البائسة، يا لطول عذابها ومكوثها في المطهر الرهيب حيث لا يجدون من يساعدهم. يا لقساوة منفاهم يزيد من عذاباتهم!
هذه الأنفس تنادي مع النبي: “… أقربائي ابتعدوا عنّي وأهلي رموني في النسيان. أبي وأمي تخلّيا عني فغدوت كإناءٍ مكسور وُضِع جانبًا ولم يعد يفكّر به أحد”.
كما السيّد المسيح تخلّ عنه الجميع في بستان الزيتون، تقول هذه الأنفس: “سألت من يعزّيني فلم أجد أحدًا”.
صلّوا دائمًا من أجل الموتى المنسيّين وأقيموا القدّاس من أجلهم كلّ أسبوع. كونوا لهم الأب والأم والأخ والأخت والصديق.
هل من عمل أعظم من ذلك يعبّر عن محبّتك؟ سيصلّون من أجلك يومَ ينساك أهلك وورثتك ويتركونك للنسيان.
مثال : في إحدى الرعايا الريفيّة وقعت جريمة بشعة كمدت القلوب. مفادها أنّ شابًّا أعمت الغرائز بصيرته فحوّلته إلى وحش قاسي القلب، تآمر مع مجرم آخر على قتل والدته فحملاها ورمياها في بركة ماء موحلة. كانت الأم البائسة تتخبّط في المياه الآسنة مادّة يدها إلى جلاّديها. الغريب كان يدفعها إلى الماء بيده القاسية كلّما حاولت التمسّك بالضفة.
لكن ابنها، رغم تصرّفه المجرم، عندما رأى أمّه تمدّ يديها اللتين حضنته غلبته طبيعته فتخلّى عن وحشيّته ومدّ إليها يده وانتشلها من الغرق لكن شريكه دفعها وأغرقها حتّى الموت.
المطهر هو كبركة غير مرئيّة، يمدّ إلينا أهلنا وأصدقاؤنا أيديهم من أجل أن ننتشلهم من الغرق. حيث نكون قد ساهمنا في إغراقهم في هذا العذاب المخيف. بينما نحن نلهث وراء ملذّاتنا في هذا العالم هم يتألّمون وينادوننا في أعماق مطهرهم. ألا نقوم بنجدتهم؟
أيّتها النفوس المقدّسة! سنكون عائلتك، أصدقاؤك، ومخلّصيك ويومًا ما ستسرعين أنتِ إلى نجدتنا.
لنصلِّ: يا يسوع! يا من تخلّ عنه تلاميذه والعالم في بستان الزيتون، إرحم نفوس المطهر المقدّسة وخصوصًا تلك المحرومة من الصلاة والعزاء من قبل الأحياء. كن عزاءهم ومحرّرهم.
يا يسوع أدعُ أبناءك المنسيّين إلى عائلتهم السماويّة. ليرقدوا بسلام!