مختارات عالمية

زمن المجيء ، امرأة حامل تعطينا درساُ في كيفية عيشه كما يجب

تروي لنا امرأة حامل كيف توصلّت الى عيش زمن المجيء بشكل جميل بالرغم من تعبها وإنهاكها:

كنت ضخمة، ليس كبيرة فقط، بل عملاقة. حتى قبل دخولي الثلث الأخير من الحمل، كانت سيّدات متقدّمات في السنّ يربتن على كتفي مشجّعات وقائلات: “قريباً انشاء الله”. أكملت سيري وهرمونات الحمل مستعرة في داخلي، تعجّبت من نفسي كيف لم أصفع إحدى تلك النساء الطيّبات القلب! أنا ضخمة!
عند اقتراب نهاية نوفمبر، أيّام قليلة قبل زمن المجيء كانت قدماي منتفختان لدرجة أنني لم أعد استطيع انتعال الأحذية. فصرخت في وجه زوجي مشتكية كوني المرأة الوحيدة التي ستكون حامل الى الأبد. معطفي الكبير لم يعد يصلح بعد الآن، بالرغم من حاجتي اليه في الوقت الذي أصبح الجو بارداً. حين لم أكن في العمل، أكون مستلقية على الأريكة، محاولة تذكّر ما هو الشعور أن أكون قادرة على رؤية أصابع قدميّ. لكن حينها كان طفلي يتحرك في رحمي، مغيّراً وضعيّته – لتذكيري بأنّ بطني الهائل الحجم، يضمّ طفل حيّ يتحرّك!

اقترب ديسمبر وبدأ زمن المجيء. كنت أهتم بهذا الزمن وأتحمّس لعيد الميلاد القادم، لكن لم أعتبر هذا الزمن شيئاً آخر سوى زمن بدء العدّ التنازلي قبل عيد الميلاد. أدركت أنه تعريف خاطئ وغير كامل تماماً كما يخطئ من يعتبر الحمل مجرّد تسعة أشهر تسبق الولادة.

زمن المجيء

تذكّرت حينئذٍ مريم العذراء. أعترف أنّني لم أكن أفكّر كثيراً بها سابقاً. لم أشعر أنّ هناك قاسم مشترك بيني وبينها حتى تلك اللحظة. لكن بينما كان بطني يزداد كبراً وظهري يزداد ألماً، كنت أتذكّرها وأفكّر بها. لقد مرّت هي أيضاً بما أعيشه هذه الأيّام، لقد شعرت بالجنين يتحرّك في رحمها، ربما تجاوباً مع صوتها او غنائها. مريم عاشت معجزة الحياة هذه التي تحدث في أحشائها. لقد عاشت هي ببطولة، زمن المجيء.
في عصرنا الحديث المحبِط هذا، لم نفقد تماماً افتتاننا بمعجزة الحياة الجديدة. أينما جررتُ جسدي الحامل المُتعب الى الأماكن العامّة، أختبر أموراً مختلفة عمّا قبل. أطفال صغار ينظرون الى بطني باندهاش، أحياناً يحاولون لمسه، أو رفع قميصي لاكتشاف إذا ما كان هناك فعلاً طفل في الداخل. أمّهات يبتسمن في وجهي. عجائز وجدّات يطمئنّني. طفلي العادي، هذه الحياة العادية الجديدة، تثير مثل هذه الردود والدهشة. فبدأت أتساءل: كم إذاً مثير وعجيب مدهش بالأكثر مجيء ربّنا يسوع؟!

“قد وُلد لنا ولدٌ، أعطي لنا إبنٌ….”

كنت أتوقّع ولادة ابني خلال موسم التوقّعات – زمن المجيء. التوقّع هو الإنتظار، الأمل، والترقّب والإستعداد. لقد فعلت كل هذه الأشياء. في البداية، كانت هناك القناعة في الإنتظار وفي الأمل. لكن في نهاية الأمر، الأنين وعدم الراحة والبؤس، قادت بي الى الإستعداد للولادة ومواجهة المخاض. أسبوع قبل الولادة، كنت منهكة ومتعبة للغاية من التحرّك مع بطني الضخم، ومن الإستيقاظ عشر مرات في الليلة الواحدة، لم أعد قادرة على صعود الدرج، لم أستطع الجلوس خلف مكتبي, لم أعد أستطيع النوم!
ما أن وصل عدم الراحة والإنزعاج الى عتبة معيّنة، أخذتني الرغبة اليائسة في أن لا أبقى حاملاً ليوم آخر. كانت أوجاع المخاض تقلقني فبقيت على غير استعداد. لكن في الأيام الأخيرة، لم أعد خائفة. كل شيء ما عدا البقاء حاملاً. بدأت أفهم أنّه ليس قبل أن تُنهك قوانا، تُستنفد صحّتنا، تسوء للغاية أوضاعنا، ونصل الى حافّة البؤس، أنّنا نكون مستعدين أخيراً لمجيء المسيح – عندئذٍ فقط نقدر أن نتوق الى الميلاد.

ظللت أفكّر بمريم العذراء. هل كانت هي أيضاً تتوق للولادة مثلي؟ بالولادة تحرّر الأمّ مولودها من أحشائها. تأمّلت بدهشة كيف أنّ العذراء مريم بولادتها طفلها يسوع تحرّره، وطفلها الصغير هذا سوف يحرّرها، يحرّرني ويحرّر طفلي الذي لم يولد بعد!

بينما انتظرت بفرح، ببؤس، بتوقّع قلِق، بدأت أفهم لمحة صغيرة عمّا يكون الشعور عند انتظار المسيح، ابن مريم! بدأت أدرك الفرح المولود للعالم في يوم الميلاد المجيد، والحاضر معنا اليوم، حين سمعت صوت أول وأجمل صرخة من طفلي المولود. أدركت، بطريقة جديدة، كيفيّة الإنتظار بأنين، تأوّه وتوقّع، عودة ربّنا في المجد. لقد كان هذا أول زمن مجيء أحياه.

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق