تكملة شهادة آلان عن زيارته للجحيم ورؤيته عرش إبليس في الهوّة الجهنّمية
شهادة من الجحيم - الجزء الثاني
إكمال المسير في الهوّة الجهنّمية
“بينما واصلنا انحدارنا نحو قلب الجحيم، واصل الضجيج والاضطراب تصاعده كلما توغّلنا أكثر في الهوّة الجهنّمية الرهيبة، والعذاب الذي تتعرّض له النفوس ازداد قسوة وبشاعة. نزلنا بسرعة حتى وصلنا الى ما يبدو قاع حفرة ضخمة تحتوي على زنزانة هائلة. أبوابها سميكة وعالية جداً، فُتِحت بأمر من الملاك ميخائيل. ما أن انفتحت حتى خرجت من مركزها رائحة نتنة مقزّزة أحاطت بكل ما حولنا.”
“باقترابنا من الزنزانة، رفع ملاكي يده ، فامتلأ المكان بنور رائع. كانت الجدران تتنفس وترتعش تغطيها ما يبدو كثعابين وزواحف بأحجام هائلة، لكن ما أن أنير المكان حتى زحفوا هاربين بعيداً. في وسط هذه الزنزانة عرش ضخم المصنوع بأكمله من عمَلات من الذهب والفضة والأحجار الكبيرة. وبالرغم من أنها قذرة ومشوّهة، إلا أنها مكدّسة في أكوام وتكوّن شكل العرش الأساسي، وكان هائلاً في ضخامته. في قاعدته انحشرت نفوس بشرية، بعضها مع جلد، وبعضها لديها عظام فقط، وكلها في درجات متفاوتة من الإنحلال والإنتان ومغطاة بالديدان.”
“عندما أصبحت العظام عارية تماماً وتحلّل كل لحمها أو أكلته الديدان، عادوا على الفور الى حالتهم الأولى، وتغطّت العظام باللحم والجلد، وبدأ كل شيء من جديد: يحترقون، يتعفّنون، ويأكلهم الدود. هذه النفوس ليس لديها القدرة على التحرّك بتاتاً، وكل واحدة منها كانت تئن وترتجف تحت ثِقل العرش الرهيب. شعرت بحضور مرعب ينتصب خلفي. حضور شرير للغاية ويطفح بالكراهية فأردت الهرب، لكن مرعوباً تجمدّت في مكاني.
أحسست أنه يقترب مني وينفث أنفاسه الحارّة على الجزء الخلفي من عنقي. كان كرهه لي كاملاً، حتى أنني شعرت بثِقل هذه الكراهية تنزل عليّ وتغمرني. عرفت بالغريزة من يكون وأدركت أنّ حالته ثابتة لا تتغيّر. إبليس، ليس فقط أنه لا يمكنه تغيير مصيره، بل لا يرغب بذلك أبداً. دينونته أبدية وهو راسخ في مقاومته لله. يكره الله بالكامل، وبالتالي يكره دون حدود كل ما خلقه الله. في الجحيم، ينفث كل كراهيته على كل واحدة من تلك النفوس الأسيرة في سجن جهنّم الأبدي.”
“تقصف هذه الكراهية النفوس الهالكة باستمرار، وهي تُذكَّر على الدوام أنه كان من الممكن أن تكون السماء نصيبها لكنها اختارت جهنّم بملء إرادتها. تتذكّر جمال الله، والآن هي منفصلة عنه الى الأبد. كانت تستطيع الحصول على الحبّ، السلام، والسعادة الكاملة، بدلاً من ذلك خسرتها الى الأبد. هناك عدة مستويات في جهنّم، ويُحكم على كل نفس بحسب خطاياها. يستمر التعذيب بلا هوادة ويتكرّر المرة تلو الأخرى، مستعدّين لتنفيذها ملايين وملايين من الشياطين.”
“لا شيء يمكن أن يصف حضور الشيطان لأنه لا يشبه شيئاً على هذه الأرض. ما لا يمكنني أن أعبر عنه هو كراهيته، والتي كانت موجهة نحوي. غمر نفسي حينها يأس ساحق، وسمعته يسخر مني، ليس بصوت عال، ولكن كنت أسمع كلماته القذرة في ذهني. وبدأ يقول لي أنني أنتمي إليه وذكر كل خطيئة كنت قد فعلتها في أي وقت مضى. واستمر يلقي التهمة تلو الأخرى في وجهي بسرعة وقوة متزايدة، فحاولت مجاهداً أن أطمئن نفسي بما قاله الملاك لي في وقت سابق. لكن صوته الماكر والفظّ اتهمني وأغرقني في اليأس، فتوسّلت الى الملاكين أن يأخذاني بعيداً من هنا. توسّلاتي زادت من احتقاره وضاعف سخريته مني مرة تلو المرة…”
الخروج من الجحيم
“رفع الملاك ميخائيل يده، مما أوقف إبليس عن مهاجمتي، وبصوت مهيب كالرعد صرخ “كفى! كل هذا قد غُفِر له!” انبعث عندئذٍ نور ساطع من الملاك ميخائيل وملاكي الحارس، ازداد إشراقاً أكثر فأكثر وشاهدت إبليس يهرب مرتعداً من النور. بدأ يعوي ويصب علينا اللعنات ويجدّف بصوت هادر مرعب لدرجة أن دويّه قادر على تحطيم جدران تلك الزنزانة. بسرعة وبقوة طرنا من تلك الهوّة الجهنّمية الرهيبة، رجوعاً الى الطريق التي جئنا منها، والعودة من خلال أبواب هذا المكان الفظيع.”
“أوصِدت الأبواب بشدّة واستدارت البراغي الكبيرة وصدمت الأبواب بقوة عائدة الى أماكنها، مغلقة على سكّانها الى الأبد. طرنا صعوداً الى أعلى بسرعة متزايدة وكنت أسمع صراخ وتجديف الشيطان يضعف ببطء. ثم، على الفور كنا خارج هذا المكان الفظيع وعدنا إلى النور، بعيدا عن الحرارة القاتلة ورائحة الجحيم النتنة. كنت ممتنّاً لخروجي من حمأة القذارة، فبكيت.”
“متمسّكاً بملاكي الحارس، شكرته على إخراجي من هناك. إلتفت إليّ الملاك ميخائيل وقال لي: “لقد شاهدتَ لمحة صغيرة من أهوال الجحيم. لا تنسى ذلك!” واختفى الملاكان.”
“فتحت عينيّ ووجدت نفسي ملقى على ظهري وأنبوب في فمي. يحيط بي أطبّاء وممرّضات، قال أحدهم أنه سيُخرِج أنبوب التنفّس من فمي. كان رأسي يدور وصدري يؤلمني بشدّة بينما كنت أحاول أن أتنفّس. كنت مرتبكاً وخائفاً وغير قادراً على تحريك يديّ ورجليّ. في اضطرابي هذا، اعتقدت، بما أنني لا أستطيع الحراك، أنني حُشِرت في حفرة في جدار جهنّم. أصبحت هائجاً وحاولت أن أتحرّر مما يُمسك بأطرافي.
عندها سمعت الطبيب يشرح لي ثانية أنه يجب أن أهدأ، وأنّ العملية الجراحية انتهت وسيُخرج الآن أنبوب التنفس. عندئذٍ فقط أدركت أنني عدت الى الأرض، وأنني في المستشفى، وكنت سعيداً أن أكون هنا وليس في الهوّة الجهنّمية بين الهالكين والشياطين.”
“حياتي لم تعد كما كانت. فقد تغيّرت منذ لحظة إخراج الأنبوب من فمي. طلبت إحضار كاهن في أسرع وقت. كان في داخلي اضطراب وتأثر عظيمين. وقلت للممرّضات أن يُسرعن بدعوة كاهن. لكن لم يكن هناك كاهن متوفّر حتى اليوم التالي، في تلك الليلة لم يغمض لي جفن. لم أكن قد اعترفت منذ كنت طالباً في الإبتدائية ولم أحضر قدّاساً منذ الثانوية.”
“عندما حضر الكاهن في اليوم التالي، طلبت أن يسمع اعترافي. اختلطت علي الكلمات ولم أعرف كيف أبدأ، لكنه شجعّني بصبر وساعدني في الإفصاح عن كل ما يُثقِل ضميري. استغرق اعترافي ثلاث ساعات لكني اعترفت بكل شيء.
بعد خروجي من المستشفى، وبعد أن تعافيت واستعدت صحتي، جلست مع زوجتي واعتذرت منها عن كل ما فعلته بها. ثم ذهبت الى كل من أولادي، جميعهم بالغين وبعضهم لديه أولاد، وطلبت مغفرتهم لأنني خذلتهم. في البداية اعتقدوا أنني فقدت عقلي، لكن في النهاية غفروا لي.
نحن الآن قريبون جداً، وحاولت أن أظهِر لهم كل يوم كم أحبّهم. استغرق الأمر طويلاً مع زوجتي ريجينا أن تسامحني، لأنني كنت شريراً معها طوال حياتنا الزوجية، ولأنها لم تكن تثق بي أنني فعلاً تغيّرت. في النهاية غفرت لي ونحن معاً مدة 50 سنة الآن. نعم، لقد رضيَت مجدّداً بهذا الخاطئ العجوز وأحمد الله على ذلك!”
“منذ ذلك الحين أمضيت كل لحظة لتعويضها هي ويسوع، وأصلي طوال الوقت، طوال اليوم، وأذهب كل يوم إلى القداس والمناولة، وأنا وريجينا الآن أفضل من أي وقت مضى ، والآن نحن نتعامل مع هذا السرطان، هي تواجه صعوبة في قبول الأمر، أكثر بكثير مني، وأنا أعلم أن هذا المرض قد انتشر بجسدي وأعرف أنني سأموت. أني أتوق الى هذا اليوم ولكن لا يمكنني مصارحة ريجينا بذلك، ولكنني أقول لكم لا أستطيع الانتظار!”
كلمات آلان الأخيرة
“إنها حكاية غريبة، أليست كذلك؟ لا أستطيع أن أقول لكم كم مرة قلتها، وفي كل مرة لا أستطيع أن أوقف دموعي، لأنني كنت سأهلك الى الأبد، وينتهي بي الأمر في ذلك المكان الرهيب، وبحق.
ولكن يسوع، في عمل رحمة واحد لا يُسبر وعن غير استحقاق مني، غيّر كل شيء، وأنا أعلم أنه بغض النظر عن كل شيء، الناس بحاجة أن يُدركوا أن لا شيء لا يقدر الله أن يغفره، لأن رحمة الرب يسوع أعظم من أي خطيئة، لكنه لا يستطيع أن يغفر إذا كنا غير راغبين في طلب الغفران. كل ما علينا القيام به هو الحب، وإذا كنت تحب… فذلك بسيط جدا، صعب في بعض الأيام ولكنه بسيط.”
كتبت الممرّضة التي سمعت وسجلّت شهادة آلان: “استمرت صحة آلان في التراجع مع استمرار النزيف من المثانة، ولم يُسمع أي شكوى، وفي مساء أحد أيام أبريل، وصلت إلى العمل وذهبت على الفور لرؤيته، كان غارقاً في العرق ووجهه شاحب جداً، فمسحت عرقه وغيّرت فراشه ولباسه، وعندما انتهينا، نظر إليّ وهمس، “لقد انتهى تقريباً، أشعر بأن يسوع قادم”. انحنيت عليه وعانقته، وحزنت أن صديقي كان ينازع. ابتسم لي آلان وقال: “تذكري … انه أمر بسيط جداً.” توفي آلان بسلام في الساعة الثالثة صباحاً محاطاً بزوجته وأولاده.”
لقراءة الجزء الأول من المقال إضغط هنا