تقدمة الطفل يسوع إلى الهيكل بحسب رؤيا ماريا فالتورتا
تقدمة الطفل يسوع إلى الهيكل بحسب رؤيا ماريا فالتورتا
مريم ويوسف يَدخلا معاً داخل سور المعبد. يتوجّهان بادئ ذي بدء صوب رواق يتواجد فيه أولئك الناس الذين ضربهم يسوع بالسوط فيما بعد بشكل عنيف: بائعو اليمام والحِملان والصيارفة. يشتري يوسف زوج حمام أبيض. لم يُبدِّل أبداً عملة ممّا يشير إلى أنّه أصبَحَ لديه كلّ ما يَلزَم.
يتوجّه يوسف ومريم صوب باب جانبيّ، يُرتَقى إليه بثماني درجات، كذلك كانت كلّ الأبواب بحيث إنّ كتلة الهيكل كانت مرتفعة عن الأرض المحيطة. لهذا الباب ردهة كبيرة تشبه المداخل الرئيسيّة لبيوتنا في المدينة، تقريباً للأذهان، ولكنّها أكبر وأكثر زينة. وعلى اليمين واليسار يوجد هنا نوعان مِن الهياكل، أي أنّ مستطيلين مبنيّان، ولم ألحظ في البداية ما الفائدة منهما. إنّهما مثل حوضين قليلي العمق حيث ينخفض الداخل عن الحافّة الخارجيّة المرتفعة بضعة سنتيمترات.
لستُ أدري إذا كان يوسف هو الذي طَلَبَ: ذلك أنّ كاهِناً يَهرَع إليهما. تُقدِّم له مريم طيري الحمام المسكينين، فأدركتُ آنذاك مصيرهما وأشحتُ بوجهي. أُلاحِظ تزيينات الباب الثقيل جدّاً، والسقف والبهو. يبدو لي مع ذلك أنّني أرى بطرف عيني الكاهِن يرشّ مريم بالماء. ينبغي أن يكون هذا ماء إذ إنّني لم أرَ بُقَعاً على ثوبها. ثمّ إنّ مريم التي أعطت الكاهِن، مع طيري الحمام، قبضة دراهم (لقد نسيتُ قول ذلك) تَدخُل مع يوسف إلى الهيكل، بالمعنى الصحيح، يصحبهما الكاهِن.
أَنظُر إلى كلّ الجهات. إنّه مكان مليء بالتزيينات، منحوتات رؤوس ملائكة، أغصان وتزيينات على طول العواميد وعلى الجدران والسقف. أمّا النور فيدخل مِن خلال نوافذ طويلة وغريبة الشكل، ضيّقة وطبيعيّة بدون زُجاج، ومتوضِّعة على الجدار بشكل مُنحَرِف، أظنّه لمنع المطر مِن التسرّب للداخل.
تَصِل مريم إلى مكان معيّن تقف عنده، وعلى بضعة أمتار منها توجد درجات أخرى في أعلاها نوع آخر مِن الهياكل، ويليه إنشاء آخر.
أتنبّه إلى أنّني كنتُ أظنّ نفسي في الهيكل: على العكس، لقد كنتُ داخل الأبنية المحيطة بالهيكل بالمعنى الصحيح، أي قدس الأقداس حيث لا يمكن لأحد الدخول سوى الكَهَنَة. وما كنتُ أظنّه الهيكل، لم يكن سوى ردهة مُغلَقَة وهي تحيط بالهيكل حيث يوجد تابوت العهد مِن جهاته الثلاث. لستُ أدري ما إذا كنتُ قد وُفِّقتُ في التعبير، ذلك أنّني لستُ معماريّة أو مهندسة.
تُقَدِّم مريم الطفل الذي استيقَظَ وهو يجيل نظره البريء حوله، ويَنظُر إلى الكاهِن بدهشة، نظرة طفل لم يتجاوز الأيّام المعدودة. فيأخذه هذا الأخير بين ذراعيه ويرفعه بذراعين ممدودتين ووجهه صوب الهيكل وهو واقف أمام هيكل فوق الدَّرَجَات. ثمّ ينتهي الطقس الدينيّ ويُعاد الطفل إلى أُمّه ويمضي الكاهِن. كان هناك أناس فضوليّون يَنظُرون، يَبرز مِن بينهم عجوز قصير القامة مُنحَنٍ ويسير بصعوبة متّكئاً على عكّاز، يُفتَرَض أنّه طَعَنَ كثيراً في السنّ، أظنُّه تجاوَزَ الثمانين. فيدنو مِن مريم ويَطلب منها أن تعطيه الطفل للحظة. وتُلبّي مريم طلبه مبتسِمة.
إنّه سمعان، وقد كنتُ، على الدوام، أعتَقِد أنّه مِن السلك الكهنوتيّ، ولكنّه في الحقيقة على عكس ذلك، إنّه مجرّد مؤمِن بسيط، ويمكن تخمين ذلك مِن ثوبه. يأخذ الطفل ويُقَبِّله. يبتسم لـه يسوع بملامح الرضيع غير الواضحة. يبدو أنّه يتأمّله بفضول، لأنّ العجوز القصير القامة يبكي ويضحك في الوقت ذاته، ودموعه تُشَكِّل على وجهه رسوماً مُرَصَّعة تَلِج تجاعيده لتَسقُط على لحيته الطويلة البيضاء التي يمدّ يسوع يديه إليها. هو يسوع، ولكنّه يظلّ الطفل الصغير الذي يثير انتباهه كلّ شيء يتحرّك أمامه، ويجعله يمسك به بشكل عفويّ ليرى ما هو. يبتسم يوسف ومريم وكذلك الأشخاص الموجودون الذين يُثنون على جمال الطفل.
إنّني أسمَع كلمات العجوز القدّيس، وأرى نظرة الدهشة على محيّا يوسف، وتأثُّر مريم، وتفاعلات الجمع الصغير مِن الأشخاص الموجودين، فالبعض متأثِّرون ومندَهِشون مِن كلام العجوز، والبعض الآخر يَضحَكون ضحكة جنونيّة. ومِن بين هؤلاء يوجد رجال ملتحون وأعضاء متغطرسون مِن المجمع اليهوديّ الذين يهزّون رؤوسهم. إنّهم يَنظُرون إلى سمعان بشَفَقة ساخِرة، فلا بدّ أنّهم يعتقدون دون شكّ أنّ سنّه الكبير قد أفقده عقله.
وتخبو ابتسامة مريم بشحوب بالغ حين يُعلِن لها سمعان عن الألم. ورغم معرفتها، فقد اختَرَقَت كلماته نفسها، وتقترب مِن يوسف أكثر لتجد عزاء لها؛ وتضمّ ابنها إلى صدرها بشغف. وكنفس عطشى ترتوي بكلمات حنّة التي، كامرأة، تُشفِق على آلام مريم وتَعِدها بأنّ الأزلي سَيُلَطِّف ساعة الألم بإعطائه لها قوّة فائقة الطبيعة: «أيّتها المرأة، إنّ الذي مَنَحَ شعبه المخلّص، لن يَبخل في إعطائكِ ملاكه ليمسح دموعكِ. لم يُقَصِّر الربّ يوماً في مدّ يد العون لنساء إسرائيل العظيمات، وأنتِ أكثر مِن يهوديت ويائيل، فسوف يمنحكِ إلهنا قلباً ذهبيّاً نقيّاً جدّاً لمقاومة بحر الآلام الذي به ستصبحين أعظم امرأة في الخليقة كلّها، الأُمّ. وأنتَ أيّها الصغير اذكرني ساعة انبعاثكَ.»