مختارات عالمية

القدّيس روبرت بيلارمين والرجل الذي مات وزار المطهر ثم عاش ليُخبر عن عذابات النار والجليد

يروي القدّيس روبرت بيلارمين أن في زمنه وقع حدث غير عادي في إنجلترا. رجل من نورث امبرلاند يدعى دريثيلم، عاش مع عائلته حياة إيمان وتقوى. ذات يوم، مرض مرضًا شديدًا وسرعان ما فارق الحياة.

حزنت زوجته وأولاده، وأمضوا الليل كله قرب جسده الميت باكين ومصلّين.

لكن في صباح اليوم التالي، قبل أن تتمكن الأسرة الحزينة من دفن الأب، رأوه يعود فجأة إلى الحياة ويجلس على سريره حيث كان مسلتقيًا جثّة هامدة! عند هذا المنظر، شعر أطفاله بالرعب لدرجة أنهم هربوا جميعًا من الغرفة. الزوجة فقط، على الرغم من خوفها الشديد، بقيت مع زوجها العائد إلى الحياة.

أكد لها دريثيلم على الفور أن كل شيء على ما يرام:

قال: “لا تخافي. إن الله أعادني إلى الحياة. وما زال لدي الكثير لأعيشه على الأرض، لكن حياتي الجديدة ستكون مختلفة تمامًا عن تلك التي عشتها حتى الآن”. ثم قام وذهب مباشرة إلى الكنيسة المحلية. وبقي هناك لفترة طويلة مصلّيًا.

منذ ذلك اليوم، عاش دريثلم بالفعل حياة مختلفة تمامًا عن أي وقت مضى – عاش ليُعدّ نفسه للموت، ونصح أحبائه أن يفعلوا نفس الشيء. أمضى وقته مشغولًا بثلاث أمور؛ الصلاة ، العمل الشاق، والتكفير غير العادي.

ترك دريثلم انطباعًا عميقًا في كل من رآه. حياته المليئة بالتضحيات، وعيناه الحزينتان، وحتى ملامح وجهه – كل ذلك أظهر بوضوح مدى إدراكه لأحكام الله. لقد مات حقًا وأعيد إلى الحياة. في تلك الساعات التي مرت بين وفاته وعودته، اختبر أمرًا غير عادي. وعلى الرغم من أنه عاش لسنوات عديدة بعد تلك التجربة، إلا أن الوقت لم يُضعف هذه الذكرى أبدًا – فقد كانت دائمًا في ذهنه حيّة مثل اللحظة التي حدثت فيها.

في أحد الأيام ، طُلب منه أن يكشف – لمنفعة الآخرين – عما حدث عندما مات. وكان هذا جوابه:
“عندما تركت جسدي، استقبلني شخص طيب أصبح مرشدي. كان وجهه ساطعًا، وظهر مغمورًا بالنور. وصلنا إلى وادٍ كبير وسحيق، على جانب واحد كانت هناك نار هائلة، وثلج وجليد على جانبه الآخر. من ناحية قُدور ومجامر من اللهب والنار، من ناحية أخرى صقيع وانفجارات رياح جليدية”.

“هذا الوادي الغامض كان مليئًا بنفوس لا حصر لها، وكانت هذه النفوس ترمي بنفسها من جانب إلى آخر، كما لو كانت تقذفها عاصفة هوجاء. عندما لم يعد باستطاعتها تحمّل عنف النيران، بحثوا عن العون والراحة وسط الجليد والثلج. ولكنهم وجدوا عذاب جديد في البرد القارس، فعادوا ليلقوا بأنفسهم مرة أخرى في وسط اللهب”.

“مرعوبًا شاهدت هذا التناوب المستمر بين العذابات الرهيبة. على قدر ما يمتد البصر، لم أر شيئًا سوى عدد هائل من النفوس التي كانت تتعذّب دون أي استراحة. غرس مظهرهم الخوف في داخلي. اعتقدت في البداية أنني أرى الجحيم. لكن مرشدي، الذي كان يسير أمامي، التفت إليّ وقال:

– “لا. هذا ليس جحيم الهالكين، كما تظن. هل تعرف أي مكان هذا؟”
أجبت: لا
– إعلم، أن هذا الوادي، حيث ترى الكثير من النار والكثير من الجليد، هو مكان العقاب لنفوس الذين أهملوا خلال حياتهم الاعتراف بخطاياهم، والذين أرجأوا ارتدادهم إلى النهاية.

“لكنهم بفضل رحمة خاصّة من الله، حصلوا على ندامة كاملة قبل الموت معترفين بخطاياهم. لذا هم لم يهلكوا، وفي يوم الدينونة العظيم، سيدخلون ملكوت السموات. سيحصل الكثير منهم على خلاصهم من هذه العذابات قبل ذلك الوقت. بواسطة الصلوات، التضحيات والصوم، الذي يقدّمها الأحياء إسعافًا للنفوس المتألّمة، وخاصّة الذبيحة الإلهية في القدّاس التي تُقدّم من أجل راحتهم”.

رافقت هذه التجربة دريثلم بقية حياته، وألهمت إماتاته الكثيرة والشديدة. وصل تقشفه إلى درجة أن رفاقه كانوا مندهشين من قدرته على تحملها.

كان لهذا الحدث تأثير قوي في جميع أنحاء إنجلترا. كثير من الخطاة، الذين تأثروا بكلمات دريثلم ، ودُهشوا من تقشفاته وأعمال التكفير العظيمة التي قام بها، اهتدوا بصدق وعادوا إلى الإيمان وممارسة الأسرار.

في الختام، يخبرنا القدّيس روبرت بيلارمين : “هذه الحادثة تبدو لي حقيقة لا جدال فيها، لأنه، إلى جانب كونها متوافقة مع كلمات الكتاب المقدّس، “الْقَحْطُ وَالْقَيْظُ يَذْهَبَانِ بِمِيَاهِ الثَّلْجِ، كَذَا الْهَاوِيَةُ بِالَّذِينَ أَخْطَأُوا” (أيوب 19:24)، تَبِعَ هذه الحادثة اهتداء عدد كبير من الخطأة – علامة عمل الله، الذي يعمل المعجزات لتُنتج الثمار في النفوس”.

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق