“يا أمّي العذراء،، ساعديني!” العذراء تنقذ والد الراهبة إيمانويل مايار من موت أكيد
الأحداث التالية التي جرت مع والد الراهبة إيمانويل مايار حصلت في سنوات الحرب العالمية الثانية وقد ذكرتها في كتابها “السلام صاحب الكلمة الأخيرة”.
كنا ستة في العائلة، واليوم كل واحد، على طريقته الخاصة، يخدم العذراء. بالنسبة لي، أنعم بالدهشة يومياً، ولا أملّ، من تمركزي هنا في مديوغوريه، لأساعدهم معها في مخطّطاتها. (لقد حذّرتها حين حللت مديوغوريه قائلة لها: “هل اخترتني؟ أنت تعرفينني، فتحمّلي كامل مسؤوليات هذا الاختيار!).
وكانت سعادتي، والحق يقال، كبيرة ولا تزال، خاصة وأنني ألمس أنها لا تزال تحتفظ بي بعد سبع سنوات!
لكنني أعرف تماماً أنّ جذور هذه الاختبارات المريمية ونعمها، غالباً ما تغور قِدماً في العائلات. فصلاة المسبحة في العائلة، التي يمكن أن تبدو شاقة لأول وهلة، هي في الحقيقة، ينبوع غزير جداً من البركات والحماية للسلالات المقبلة. فأن يكون أخي برونو نجا مرّات عديدة من الموت، فنجاته تبقى لغزاً. وإخوتي الآخرون نجوا من فخاخ مرعبة كما بسحر ساحر (دون أن ينفي ذلك تعرّضهم لآلام شديدة). وفيما يتعلّق بي؟ لو رويت لكم كل شيء….!
ولكن، دعوني أخبركم بما حصل لأبي. كان صبياً وحيداً، وسبق له أن فقد أباه عندما التحق بالمقاومة عام 1940. حينها كانت خليّته تضم عشرة رجال.
وعقب نجدة قاموا بها لطيّار إنكليزي، اعتقلتهم شرطة التحرّي “الغستابو” وأقلّتهم الى ألمانيا. فبقيت أمّه وحيدة، إذن، دون أن يصلها خبر عنه طوال ثلاث سنوات. وكان نظام المعتقلات دون شفقة ورحمة، وهي تعرف ذلك. وكانت هذه الأمّ مشهورة بثقتها العمياء بالعذراء القديسة، فقضت وقتها تتلو سبحة بعد سبحة على نية أن يعود ابنها حيّاً.
ذات يوم، فرضت أجهزة المخابرات النازيّ’ على أسرى مخيّم “هنزارت”، نقل قطع حجرية ذخمة من أحد المقالع، لتوسيع مساحة المخيّم. وكان أبي على ضعف يكاد لا يمكنه من الثبات على قدميه. فعاين قطعة صغيرة، وبينما كان يمسك بها، انقضّ عليه الشرطي وشتمه، وألقى على ظهره واحدة ضخمة. فخرّ على الأرض تحتها، وغدا نهوضه مستحيلاً… فأدرك والدي أن ساعة موته دقّت، وأن الكلاب قد تنقضّ عليه، وأن الهراوات قد تنهال عليه… فكم شاهد من رفاق يموتون هذه الميتة! في ذروة محنته هذه، صاح ملء رئتيه: “يا أمّي العذراء،، ساعديني!” وفي اللحظة عينها لم تعد قطعة الحجر تزن شيئاً فوقه، كأنّ قوانين الثقل خضعت فجأة لأمر خفيّ! وشعر أنه يحمل قصاصة ورق! وهكذا أُنقِذت حياة أبي!
ومرة ثانية، تماماً قبل أن يأتي الأميركيون لإنقاذ معتقلي مخيّم “فلوسنبرغ” عام 1945، كان الألمان قد قرّروا أن يقضوا على المساجين، قبل إخلاء المخيّم، بطريقة غير مرتقبة: حمّل رجال الاستخبارات النازيّة كل سجين كيساً مملوءاً بالشعير زاداً للطريق، وساقوهم واحداً وراء الآخر. وراح الأسرى يتساقطون، من الضعف، في الطريق، فيجهزون عليهم ويطمرونهم في حُفر. وندر من نجا. ولحظة انطلاق أبي، وعلى ظهره كيسه، استنجد مجدّداً بالعذراء، وإذا به يُبصر عريفاً يسأل: “أين هو الطبيب؟” فرجال الاستخبارات كانو يريدون الاحتفاظ بواحد في المخيّم تحسّباً لحاجة. وكان أبي طبيباً. فاستطاع البقاء في زنزانته، وبعد زمن قصير أنقذه الأميركيون. وكان الوحيد من أعضاء شبكته الذي عاد حيّاً الى دياره.
ولا أزال اسمعه يُحدّث عن العذراء، حول المائدة، يوم كنت طفلة. وكان ذا عبقرية في رواية الأخبار. فكم من مرة، اضطررت الى التظاهر بأنني ذاهبة لأحضر شيئاً من المطبخ فأخفي عن الأنظار الدموع التي كانت تطفر من عينيّ! وقصة ثالثة جميلة جداً كانت قصة التقائه أمي يوم عودته الأولى من ألمانيا، وكان ذلك بفضل “ضرب” مدهش جديد قامت به العذراء: كانت أمّي قد نذرت زوجها المقبل للعذراء، وراحت تصلّي من أجله، ولم تكن قد تعرّفت اليه بعد وأبي اليوم بات في دنيا الحقّ. وعندما تستذكر أمّي هذه الحقبة تقول: “شكراً لمريم سلطانة السلام، على كل ما حدث منذ تلك اللحظة: برونو، إيمانويل، فنسان، آريك، ماري بيا، وباسكال….
وتسألونني عن الغوسبا (العذراء)؟ يوحنا الرسول لم يخطئ بأخذها الى بيته!
(من كتاب الراهبة إيمانويل مايار )