مختارات عالمية

هل تعلم من أين جاء تقليد الشمعة المضاءة عند النوافذ في عيد الميلاد؟

من تقاليد عيد الميلاد المجيد

تنتشر هذه العادة خاصة في زمن الميلاد المجيد، حيث نضع شمعة او أضوية كهربائية عند حافة النوافذ. لكن ما مصدر هذه العادة، القليلون يعرفون!

وضع الشموع المضاءة في النوافذ نشأت في القرن الثاني عشر، حين غزت بريطانيا ايرلندا عام 1171 في زمن الملك هنري الثاني، وبداية الإضطهاد البريطاني للشعب الكاثوليكي الإيرلندي. استمر هذا الإضطهاد لعدّة قرون وازداد بشكل كبير في أعقاب الحركة البروتستانتية، وخصوصاً في ظل الملكة إليزابيث الأولى وثم في عهد أوليفر كرامويل.

البريطانيون المحتلّون هم بروتستانت والشعب الإيرلندي بأغلبيته كاثوليك. لذلك، ولإخضاع الشعب الإيرلندي بالتمام، كان على البريطانيون سحق عقيدتهم، اي سحق الكنيسة الكاثوليكية.
تم بلوَرة وتقنين هذا الإضطهاد بما سميّ بقوانين العقوبات .

ساد الإضطهاد بكل شراسة وقوّة، متّخذين كل التدابير لإرضاء فئة من البريطانيين المتشدّدين الذين يميلون الى مضايقة وإهلاك الكاثوليك الذين كانوا ينظرون اليهم على أنهم أعداء الله والإنسان، شعب همجي، معتبرين إياهم عاراً على الطبيعة البشرية نفسها.

قوانين العقوبات

مع صعود ويليام وماري على عرش بريطانيا، في نهاية القرن السابع عشر، اكتملت قوانين العقوبات التي كانت تهدف الى القضاء على الكاثوليكية وقد شملت هذه القوانين ما يلي :
أمر جميع رجال الدين الكاثوليك مغادرة البلاد قبل 1/5/1698 .
إذا وُجدوا بعد هذا التاريخ فسيتم سجنهم ثم نفيهم. واذا عاد أحدهم فسوف يكون عرضة للإعدام شنقاً او بالسيف (نزع أحشاءه وهو حي)، أو بقطع رأسه وبتر جسمه الى أربعة أجزاء.

كما مُنِع الكاثوليك من كل ما يلي: ممارسة شعائر إيمانهم وحضور القداس، تلّقي التعليم الكاثوليكي، إرسال الأولاد الى الخارج لتلقّي التعليم في مدارس كاثوليكية. العمل في وظائف حكومية، الإنخراط في التجارة، العيش في مدن مشتركة، شراء او استئجار الأراضي، التصويت والإنتخاب، حمل السلاح للحماية والدفاع عن النفس.

تضمّنت العقوبات على منتهكي هذه القوانين، مصادرة الأملاك والغرامات المالية والسجن والنفي وحتى الموت. وقد علّق على ذلك قاضي القضاة في عهد الملك جورج :”قوانين من هذا القبيل لا تسمح بوجود إيرلندي كاثوليكي”.

لكن على الرغم من هذا الإضطهاد، بقي الإيمان الكاثوليكي قويّاً ثابتاً. استمر الأساقفة والكهنة في رعاية الشعب مقيمين القداديس في الحقول المفتوحة متّخذين من الصخور مذابح لخدمة القداس. واستمر معلّمو المدارس في تعليم الأولاد مختبئين وراء الأسوار والأسيجة التي كانت تقدّم زاوية مراقبة سهلة معطية فرصة للهرب إذا لزم الأمر. لم يُعلّموا فقط الدروس العادية، بل ايضاً الإيمان والتراث الإيرلندي. فأعطاهم الشعب اسم “معلّمو السياج”. وهكذا حافظ الشعب الإيرلندي على ايمانهم وثقافتهم وحضارتهم.

من هنا اتى تقليد الشموع عند النوافذ

خلال زمن الميلاد، كل عائلة كاثوليكية كانت تتمنّى أن يزورها كاهن ليمنح أفرادها الأسرار المقدسة وبالمقابل يستضيفونه بكل إكرام. فكانوا يُبقون أبوابهم غير مقفلة، ويتركون شمعة مضاءة قرب النافذة علامة ترحيب وأمان للكاهن.. أحيانا يتركون شمعة واحدة عند عدّة نوافذ، أو ثلاثة شموع عند نافذة واحدة ترمز الى يسوع ومريم ويوسف.

بالطبع، اشتبه المضطهِدون البريطانيون بالأمر وسألوا عن الغاية من هذا الإجراء. فكان جواب الكاثوليك: “أبوابنا غير مقفلة، وشموعنا تحترق عند نوافذنا في عيد الميلاد، حتى تتمكّن سيدتنا العذراء والقديس يوسف والطفل يسوع، الذين يبحثون عن موضع، ان يجدوا طريقهم الى بيوتنا، كي نرحّب بهم في قلوبنا”. بطبيعة الحال، اعتبر البريطانيون ذلك علامة أخرى من الخرافات والسخافات البابوية.

حافظ المهاجرون الإيرلنديون على ذلك التقليد ونقلوه الى البلاد التي حلّوا بها، فتبنّتها الشعوب بفرح. مع ذلك، علينا أن لا ننسى معناها وخلفيّتها التاريخية. عندما نحتفل بعيد الميلاد، علينا نحن ايضاً فتح قلوبنا ومنازلنا ليسوع ومريم ويوسف. يسوع المسيح هو نورنا الذي دخل العالم ليُبدّد الخطيئة والظلام. بعد ان استنرنا بالمسيح من خلال المعمودية المقدسة، علينا دائماً ان نبقى مخلصين وأوفياء للكنيسة. نحن ايضاً علينا ان ندرك أنّ أعظم هدية هي أيماننا، هذا الإيمان الذي مكّن الإيرلنديين من الإنتصار على أفظع وأقسى اضطهاد.

 

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق