ما هي الحياة الباطنية التي يُشبّهها الرب يسوع بعطر سماوي وكيف نكتسبها
الحياة الباطنية بحسب أقوال الرب يسوع للطوباوية بنينيا كونسولوتا
كثيراً ما نقرأ في سيَر القديسين ونسمع في عظات الكهنة عن الحياة الباطنية وكيف أنها تساعد النفس في صعود درجات القداسة وتغني النفس بالنِعم وتجعلها تعيش في جو سماوي وتساعدها في التشبّه بالرب يسوع. فما هي الحياة الباطنية وكيف يمكننا أن نكتسبها؟ هذا ما علّمه الرب يسوع للطوباوية بنينيا كونسولاتا في أحاديثه الكثيرة معها.
قال لها يوماً:
«لكي تماثلينني لا أريد أن تفتّشي عن وسائل غير حفظ القوانين. فإن كنتِ أمينة في حفظها واتّخذتِ روحها، سهُل عليك أن تماثليني في كل شيء؛ ولكن يجب عليك لذلك أن تحيَي حياة باطنية».
فطلبت إليه أن يشرح لها ذلك. فقال:
«إن القوانين هي التي يجب أن تتبعيها. لأنها تحيي جميع أعمالك. ولكي يكون العمل حبّاً يجب أن تصنعيه بروح الباطن. فعُدّي الأعمال التي تعملينها في النهار… فإذا أحييتها كلّها باتّباعك القوانين بتدقيق، فكم تجمعين من الاستحقاق في يوم واحد!
إن الحياة الباطنية إنما هي روح الإيمان؛ والإيمان هو الذي يوجّه الحياة كلّها؛ ويجب أن تُكثري من أفعال الإيمان لكي تقوّيه دائماً أكثر؛ فإن الإيمان يُري قيمة الأشياء الصغيرة، فيقول لكِ أن فعلاً صغيراً من الطاعة هو أفضل مما لو ملكتِ العالم كلّه.
إن الإيمان يجب أن يُريكِ يسوعك في كل فُرص الكفر بنفسك. أليس صحيحاً أنك، لو رأيتني طفلاً صغيراً، تمدّين يديك لتأخديني حالاً؟ فالإيمان يُريك يسوعك في القريب، وإذا رأيتني فيه تكلّميه بوداعة. والإيمان يُريكِ قيمة إخلاص النية؛ وذلك كما لو ضممتِ كل أفعالك الى استحقاقاتي غير المتناهية، وكما لو غرّقتِها بدمي الكريم…»
فطلبت بنينيا حينئذٍ كيف تفعل لتكتسب الحياة الباطنية. فأجابها:
«إذا أرادت نفس أن تصير باطنية سريعاً، إذا شاءت أن تحفظ وتنمّي فيها هذا الكنز وجب عليها:
1) أن تحبّ الصمت.
2) أن تلازم إماتة تامة.
3) أن تستسلم تماماً لسلطان الحُبّ كتِبنة في الماء.
4) أن تقيم ما استطاعت في هيكل قلبها لتسمع الله وتكلّمه وتتمتّع به وتعطي ذاتها كلها له».
«إن النفس الباطنية تخرج من التأمّل وكلّها معطّرة بعطور السماء؛ فهي كمن قضى وقتاً في جوّ مُعطّر؛ وتبقى كلها متشرّبة من روائح العطور وتنشرها في كل مكان. ولكن لكي تحفظ العطر يجب عليها أن تدّخر من دُهن العطر؛ وإلا تبخّر كل شيء سريعاً واضمحل».
«فهكذا إن اكتفت النفس في التأمّل أن تذوق العذوبة وأن يكون لها عواطف طيّبة، لم تلبث رائحة عطرها أن تضمحل. أما إذا قصدت مقاصد ثابتة، فإن تلك الرائحة تستمر وتنتشر محبّة وعذوبة وتنازلاً…
«إن النفس الباطنية تعيش في جو سماوي، كالزهرة التي، وإن كانت مولودة من الأرض، تُزهر فوق الأرض ولا تعود تمسّها، ما لم تنقصف وتسقط. وكذلك النفس التي تحيا حياة باطنية لا تعود تمسّ الأرض، إلا إذا لم تُطاوع النعمة».