مواضيع روحية

اجعلوا قلوبكم مغارة ليسوع! تأمل في الميلاد

تحمل مواعظ فترة الميلاد عبارة مركزيّة، تتكرّر في كلّ سياق ميلاديّ، وفي كلّ مناسبة واحتفال.
الكاهن يقولها ويوصينا بها، الرّهبان والرّاهبات كذلك، المربّون والأهلون، والأصدقاء الغيورون، وكلّ مَن له مصلحة تتّسم بالمحبّة.
كم مرّة سمعناها منذ طفولتنا وصبانا وحتّى كهولتنا، وصرنا نردّدها دون التفات، ودون اهتمام، نجترّها كموروث ثقافيّ دينيّ لا أكثر! بل صرنا نردّدها على الدّوام ونترنّم على كلمات تقول: “قلبي مهيّا مغارة”؛ أي قلبي مُهَيَّأ مغارةً ليسوع.

” اجعلوا قلوبكم مغارة ليسوع! ” خلّوا يسوع يولد بقلوبكم “،
” جهزوا قلوبكم لميلاد الطّفل يسوع “، عبارات كثيرة متشابهة المضمون سمعناها وردّدناها طويلًا، نشأنا على موعظتها، تسلّمناها، ونسلّمها بدورنا كموروث لأبنائنا، وهم بدورهم سيفعلون كذلك!

هذه العبارات، وللأسف، تستفيق هورموناتها مرّة كلّ عام، وننهال بها تثقيفًا خلال فترة أسبوعَي التّهيئة لاستقبال الميلاد، ثمّ سرعان ما تتبخّر مع أوّل يوم في العام الميلاديّ الجديد!

أردت، في الحقيقة، من خلال هذا التأمّل القصير، التّوقّف عند المعاني العميقة الّتي تحملها عبارة ” قلبك مغارة ليسوع…”

إنّ يسوع الكلمة المتجسّد تنازل من علياء السّماوات وقصورها، واختار ألّا يولد في قصور، بل في مغارة فقيرة حقيرة، سرعان ما تقدّست به. تقدّست بتواضعه. ومنها خرج خلاص لكلّ البشر. ويسوع هو هو لن يتغيّر، سيبحث في كلّ ميلاد عن تلك المُغر ليولدَ فيها من جديد.

أنت وأنا تلك المغارة، منها نُعلن المحبّة والخلاص لكلّ النّاس، وبأعمالنا وأقوالنا نتقدّس.

نحن نريد أن تكون قلوبنا مغارة دائمة ليسوع، وطنًا من المحبّة المطلقة والتّسليم المُطلق لإرادة الله وتدبيره.

المغارة قصرٌ من المحبّة والتّواضع تتّسع لكلّ النّاس، كُن تلك المغارة الّتي لا تُميّز ولا تَدين، فغنيّ وفقير وبارّ وخاطئ، اجعل قلبك يتّسع لكلّ أولئك وأكثر، وارفق بهم ودلّهم على الصّلاح والصّفح والمصالحة. هكذا يكون قلبك مغارة مُهيّأة لاستقبال الطّفل الإلهي يسوع.

كُن حقيرًا مثل المغارة، صغيرًا، وديعًا ومتواضعًا، مُحبًّا وغفورًا لا ليوم، إنّما ما حييت، وكيفما حييت، لأنّك لن تجد يسوع مولودًا في قصر مذهّب فخم، بل في روح وقلب وديعين وضيعين. هكذا يكون قلبك مغارة مُهيّأة لاستقبال الطّفل الإلهي يسوع.

لا يكن ميلاد يسوع مرّة في السّنة، في الأشجار المزيّنة والهدايا المزركشة، وموائد الأطعمة الفاخرة فحسب، فإنّ كلّ تلك إن خلت من المحبّة والصّلاة والانشغال بهموم الآخرين وبعجزهم، فلنعلم ونتأكّد أنّ يسوع في مكان آخر حتمًا، فيسوع لن يولد في موائد وبيوت خالية من صفاته. هكذا يكون قلبك مغارة مُهيّأة لاستقبال الطّفل الإلهي يسوع.

ستجدون يسوع هناك في أزقّة الشّوارع حيث الجائعين والمعوزين والجياع والمشرّدين، ستجدونه عند أسّرة المرضى يُطبّب جراحاتهم، وعند عيون الثكالى يُكفكف من عيونهنّ الدّموع ويقدّم لجميعهم رحمة وتعزية ومحبّة. هكذا يكون قلبك مغارة مُهيّأة لاستقبال الطّفل الإلهي يسوع.

لكنّكم، يا أخوتي، ستجدونه أيضًا في عائلاتكم، يجلس معكم، يُصلّي معكم، يُنصتُ إليكم، ويرفع نخب عيده معكم، لأنّكم في صلواتكم تطلبونه، متوسّلين مراحمه لخير العالم أجمع وسلامه وخلاصه.
هذا يعني أن يكون قلبك مغارة مُهيّأة لاستقبال الطّفل الإلهي يسوع.

والآن، وكلّ أوان، هل تريد أن تكون مغارة للحُبّ الإلهيّ وصورة طبق الأصل عنه؟!
هكذا يعني أن يكون قلبك مغارة مُهيّأة لاستقبال الطّفل الإلهي يسوع.

الله معكم وميلاد حقيقيّ

أخوكم جريس أندراوس

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق