مختارات عالمية

إيماكولي رائية رواندا صلّت 27 وردية و 40 مسبحة الرحمة يومياً خلال اختبائها 3 أشهر من مذابح الإبادة

كانت الأهوال افظع من أن يتخيّلها عقل. الإبادة الجماعية الأبشع في التاريخ.

لمدة 91 يوماً مروعاً من عام 1994، اختبأت الطالبة إيماكولي إليباغيزا من قبيلة التوتسي في رواندا، اختبأت في حمّام بيت أحد الوزراء مع سبع أشخاص آخرين هروباً من موت مؤكّد. كانت قبيلة الهوتو تقود عهد رعب. وقبل أن ينتهي، سجّل مقتل ما يقارب المليون رواندي من قبيلة التوتسي – شعب إيماكولي – في غضون ثلاثة أشهر. إيماكولي هي إحدى الرائيات التي ظهرت لهن السيدة العذراء في كيبيهو، رواندا، وحذّرتهن من الحرب الأهلية التي ستُغرِق البلاد ببحر من الدماء إذا لم يرتدّ الناس الى الله بالصلاة والصوم والتوبة الصادقة.

كان حماماً سرياً حتى أن بعض أفراد عائلة الوزير لم يعرفوا عن الحمّام الذي يبلغ طوله ثلاثة أقدام وعرضه أربعة أقدام وصغير بحيث كان على إماكولي والآخرين – في تلك الأشهر الثلاثة  – أن يتناوبوا على الوقوف.

البديل الوحيد الذي أمام السبعة كان الموت بالسيف.

في الواقع فقدت إيماكولي في الحرب كل من والديها، أخوَيها، جدّيها، أعمام، عماّت، أولاد أعمام، جيران، أصدقاء، ورفقائها بالصف.

طوال أيام مخيفة، كانت هي والآخرون يستمعون الى صوت الرعب الصارخ فيما يبحث القتلة في قريتها عن بقية التوتسي، بل دخلوا المنزل الذي يختبئون فيه، دون أن يكتشفوهم وذلك بنعمة من الله.

يوماً بعد يوم، في النهار وفي الليل، خارج النافذة الصغيرة، وأحيانا لا يفصلهم عنهم سوى الجدران الرقيقة التي تحميهم – كانوا يسمعون أصوات القتل!

كان الوزير من قبيلة الهوتو، لكنه بدافع الرحمة المسيحية خبّأ النساء مخاطراً بحياته. كل يوم – ربما كل ساعة – كانت النساء تتساءل كيف ستكون نهايتهن. وقد توسّلت أحداهن الى الوزير أن يلقي التراب على جثتها عندما يحين موعد موتها، كي لا تمزّقها الكلاب التي كانت تنهش الجثث المتناثرة.

كان الوضع مرعباً جداً، مرعباً لدرجة أن أفواههن الجافة لم تتوقّف عن الصلاة. الصلاة في كل لحظة ممكنة. كان بذلك نجاتهم، جسدياً وعاطفياً:

«كنت أشعر كأن رأسي يرتاح في حضن الأمّ الطوباوية طوال اليوم»

«لم يكن هناك طعام. كنت أصلّي منذ الصباح وحتى الساعة الحادية عشرة ليلاً». كانت تتلو 27 وردية و 40 مسبحة الرحمة يومياً طوال فترة اختبائها.

«كل يوم، كل ثانية، كنت أفكر في الأم المباركة. وفي الليل، كنت أحلم بيسوع. على الرغم من أني كنت أصلّي كل يوم الى مريم، في الليل كنت أحلم دائماً بيسوع، وقد قال لي: «لا تخافي.»

تنسب إيماكولي نجاتها الى الصلاة والى المسبحة التي أهداها إياها ابوها الذي كان قد اعتنق الكاثوليكية قبل الحرب. الغضب والاستياء بسبب وضعها كان يأكلها من الداخل ويهدّد بتدمير إيمانها، ولكن بدلاً من الاستسلام إلى الغضب، تحوّلت إيماكولي إلى الصلاة. بدأت في تلاوة الوردية كوسيلة لإغراق السلبية التي كانت تتراكم داخلها.

وجدت إيماكولي العزاء والسلام في الصلاة وكانت تبدأ صلاتها من اللحظة الذي تفتحت عينيها في الصباح إلى الوقت الذي تغلقها في الليل. من خلال الصلاة، وجدت أنه من الممكن، بل في الواقع ضروري وإلزامي، أن تغفر لقتلة عائلتها لمجرمين.

في أحد الأيام، شهدت إيماكولي، أن أحد أفراد الهوتو القتلة وضع يده على باب الحمام ولكن، بأعجوبة، لم يفتحه.

بعد ذلك، تم وضع خزانة لإخفاء الباب حيث بقيت إيماكولي خلال محنتها التي لا تصدق، وكانت تتناول الفاصولياء مع الحشرات فيها. وتضاءلت الفتاة الرواندية الشابة من وزنها السابق 52 كيلوغراماً إلى هيكل عظمي يزن 30 كيلوغراماً فقط، غذاءها الأساسي كان المسبحة التي أعطاها إياها والدها المؤمن.

عند نهاية هذه الإبادة الحديثة – التي جرت أمام أعين العالم – ثلاثة أرباع قبيلة التوتسي كانت قد قُتلت، بما في ذلك 900 من أصل 2500 طالب زملاء إيماكولي. كانت أعداد الجثث هائلة، فكدّسها الهوتو كحواجز في الطرق من بينها كانت جثّة والدها. وجثث كثيرة أخرى ألقيت ببساطة في نهر كاجيرا فسدّت مسيره الذي يصب في بحيرة فيكتوريا.
صحيفة نيو يورك تايمز التي غطّت قصة الإبادة كتبت في مقال عنوانه «دماء في النهر»: «جهنّم فارغة من الشياطين. إنهم جميعاً في رواندا».

في الحقيقة هذا بالضبط ما سمعته إيماكولي والأخريات: أصوات الشر. جار يقتل جاره! الهوتو يتصيّد التوتسي ليُشبع رغبته الشيطانية للدم والموت! الهوتو لم يجدوا النساء اللواتي هربن بمساعدة الوزير الى مخيّم للاجئين أنشأه الفيلق الأجنبي الفرنسي.

قصة الرائية إماكولي أصبحت معروفة فقد تم تكريمها بمنحها عدة جوائز من شخصيات شهيرة مثل جائزة المادري تيريزا، جيمي كارتر، نيلسون مانديلا، والدالاي لاما، وحصلت على درجة الدكتوراة الفخرية من جامعة نوتردام وجامعة سانت جون. وكتبت كتابا ذائع الصيت عنوانه «بقيتُ لأخبِر».

قد تم التنبؤ عن هذه الإبادة الجماعية 10 سنوات قبل حدوثها من قبل السيّدة العذراء نفسها عندما ظهرت في بلدة كيبيهو في رواندا عام 1981 وتمت الموافقة على هذه الظهورات بالكامل من قبل الكنيسة الكاثوليكية – ظهورات تكرّس إيماكولي نفسها الآن لنشرها في العالم.

خلال تلك الظهورات، حذّرت مريم من المادية، والاستهتار، والفجور الجنسي الذي من شأنه أن يجلب الخراب (الذي تحقق باجتياح مرض الإيدز لهذه المنطقة).

رسالة إيماكولي الرئيسية هي الغفران المسيحي: بعد انتهاء المحنة غفرت إيماكولي لقتلة أفراد عائلتها حتى أنها قبّلت إثنين منهم.

في البداية كان هناك 12 من الرؤاة الذين شاهدوا العذراء في رواندا وإيماكولي واحدة منهم. خلال الحرب توفي إثنان منهم وفي وقت لاحق توفي ثالث من المرض. اعترفت الكنيسة بثلاثة منهم فقط.

تقول إيماكولي «لم أتصور أبدا أن العالم يمكن أن ينتهي حتى رأيت الإبادة الجماعية. ان مقتل مليون شخص خلال ثلاثة اشهر، أن ترى الناس يموتون، دون أن يبقى شيء من ماضيهم، أمر لا يصدق».

التحذيرات التي أعطتها العذراء في كيبيهو، هي للعالم كله، وهي تعيد تحذيرها في مواقع مثل مديوغوريه، والتي زارتها إيماكولي وتدعمها بقوة. تقول المرأة الأفريقية، التي تعيش الآن في نيويورك وتعمل في الأمم المتحدة: «أعتقد أن الرب هو الذي يذهب إلى أقاصي العالم. الكثير من النفوس يبحثون عن الله. سنرى العقابات. سنواجه المتاعب بسبب خطايانا. فالذي حدث في بلادي يمكن أن يحدث في كل مكان».

نحن أيضاً مثل إيماكولي لدينا الوردية، لدينا مسبحة الرحمة الإلهية.

ومع الصلاة يمكننا نحن أيضا الهروب والاختباء، بغض النظر عن العاصفة أو الحروب أو الإبادة الجماعية أو زلزلة الأرض التي قد تقع حولنا.

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق