إضطهاد أباطرة روما للمسيحيين وللكنيسة الأولى وكيف كانت نهاية كل واحد منهم
حينما يشعر المرء أنه مضطهد ومظلوم، فالطبيعة البشرية بداخله تثور طالبة التحرّر من الظلم ويتمنى لو أن الله يسحق الظالم ويفنيه. لكن المسيح عندما غفر لمضطهديه وقاتليه من على الصليب، فتح أمامنا طريق المحبّة الحقيقية، المحبّة المسيحية، التي لا يمكنها إلّا أن تغفِر وتُحبّ وترجو وتصلّي من أجل المضطهِدين المساكين. والمحبّة لا تطلب شيئاً لذاتها، لذا فهي تترك الإنتقام لله وحده: «الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ».
منذ أيام الكنيسة الأولى أظهر الله أمانته نحو شعبه المؤمن. ومنحه النعمة والقدرة لمواجهة الإضطهاد بروح المسيح عينه. فلا عبد أفضل من سيّده. أما المضطهِدين الذين لم يندموا ولم يتّعظوا، فقد أشاح الله بوجهه عنهم وتركهم للهلاك.
نيرون 54 – 68 م
على يده استشهد الرسولان بطرس وبولس. أحرق روما واتّهم المسيحيين فحكم بالموت على اعداد ضخمة منهم بابشع الوسائل. صلب بعضهم امعانا في السخرية بعقوبة المسيح ولف البعض الاخر في جلود الحيوانات الضارية والقوا للوحوش المسعورة في مسرح الالعاب الرياضية. وبلغت المأساة الشيطانية ذروتها ليلا في الحدائق الامبراطورية، عندما اشعلت النار في المسيحيين والمسيحيات، بعد ان دهنوا بالقار والزيت وسمروا في اعمدة الصنوبر يضيئون كالمشاعل لتسليه الجماهير.
نهايته – مات منتحراً وهو في الثانية والثلاثين من عمره، ولم يجدوا قبره.
2- دومتيان 81 – 96 م
طاغية مرتاب متكبر، كان يدعو ذاته “ربا والها”. اعتبر اعتناق المسيحية جريمة ضد الدولة. حكم على كثير من المسيحيين بالموت وهو الذي أمر بإلقاء القديس يوحنا الإنجيلي في خلقين زيت مغلي في روما، ثم عاد ونفاه إلى جزيرة بطمس كما استشهد أبان عهده انسيموس وديونيسيوس الاريوباغي وكثيرون غيرهم.
نهايته – قتل في قصره على يد اعداؤه ومحا مجلس الشيوخ اسمه من سجل الاباطرة.
3- تراجان 98 – 117
أول إمبراطور يعلن أن المسيحية ديانة محرمة. كان يعتبر مجرد حمل اسم مسيحي جريمة. سنّ قوانين وتشريعات العقوبة ضد المسيحيين بقيت سارية لفترة قرن. في زمنه استشهد القديس أغناطيوس أسقف إنطاكية، الذي أرسل إلى روما، وألقي للوحوش الضارية في الكالسيوم.
نهايته – مرض فجأه فوضعوه في مركب وارجعوه الي ايطاليا وعندما وصل سيسيليا مات من التورم الشديد الذي حدث في جسده الذي بدأ ينتن.
4- مارك أوريليوس 161 – 180 م
في عهده بدأ استخدام السراديب الخفية تحت الأرض للعبادة. تفنّن باستخدام وسائل التعذيب فملأت جثث الشهداء الطرقات.
نهايته – قُتل في مدينة فيينا وحرق جسده وارجعوا الرماد الي روما.
5- سبتميوس ساويرس 193 – 211
سُرعِة انتشار المسيحية في الإمبراطورية أثارت حفيظة الوثنيين، فأراد الإمبراطور سبتميوس إرضاء حقدِهِم فأصدر مرسوماً بمنع المسيحيين من تبشير غيرهم فحلَّت الاِضطهادات. في عهده استُشهِد أساقفة روما ڤيكتور وكاليستوس وأوربان، واسكليباس أسقف أنطاكية والقديسة بوتامينا العفيفة والضابِط الروماني باسيليدس الذي تأثَّر بقداسِتها.
نهايته – في اثناء حملته ضد اعداءه شعر بمرض شديد وحملوا جسده ومضوا به الى روما ومات بعد صراع مع المرض.
6- مكسيميانوس التراقي 235 – 238 م.
كان هذا الإمبراطور دموياً، فمكَّن الشعب من اضطهاد المسيحيين، وأمر بقتل الأساقفة والرعاة ظناً منه أنَّ هذه هي نهايِة المسيحية. ولم تعرِف البشرية في كل تاريخها شُهداء كشُهداء المسيحية الذين نالوا اكليل الشهادة من أجل ثباتهم في الإيمان إلى النفَس الأخير.
نهايته – اثناء رجوعه من حربه عانى جيشه من المجاعة وانتشار الامراض وعند باب روما قفلوا الباب في وجهه وتم اذلاله بشدة وقام جنوده عليه وقتلوه هو وابنه ورئيس جيشه وقطعوا رؤسهم وحملوها الي روما
7- ديسيوس 249 – 251 م
ساد في عهدها ضطهاد عام وشامِل، اِستشهد فيه طغمة كبيرة من الشهداء الذين تمسَّكوا بإيمانهم ومحبتهم للمسيح العريس السماوي بغيرة عجيبة وشجاعة نادرة مُذهلة، وكان الولاة أكثر شراسة مع الأساقفة والرعاة والخدام، الذين أخذوا بركِة الاستشهاد حُباً في الله. ومن أشهر شُهداء هذا العصر القديس مرقوريوس أبي سيفين وبابيلاس الأنطاكي…
نهايته – مات بعد ان سقط هو وابنه في اسر اعداؤه البرابرة وذبحاهما والقوهما للوحوش لتنهشهما.
8- فالريان 253 – 260 م
نفى الأساقفة والقسوس والشمامِسة، بعد أن أعدم كثيرين منهم، وجرَّد المسيحيين من مناصِبهم. وكل من أصر وتمسَّك بديانته بَتَرْ رأسه. تمعن في إذلال المسيحيين، فقيّدهم ونفاهم، وحرَّم الاِجتماعات الدينية. من أشهر شُهداء ذلك العهد، الشهيد القديس كبريانوس.
نهايته – أسرَه الفُرس وصار عبداً. وكلما اراد ملك الفرس ان يركب فرسه كان يصعد على ظهر فالريان. أخيراً امر بسلخ جلده حياً.
9- اورليان 270 -275 م
أصدر أوريليان مرسوماً بقتل المسيحيين كان من أثره مذابِح مُروعة في أماكن شتى. أوّل الشهداء في عصره كان فيلكس أسقف روما.
نهايته – ذبحه اصدقاؤه المقرّبون ومات ميتة بشعة.
10- دقلديانوس 284 – 305 م
أصدر دقلديانوس مع زميله غاليروس منشوراً بهدم كل الكنائِس المسيحية وإحراق الكتب الكنسية، واعتبار المسيحيين خارجين عن القانون. ذاق المسيحيون كأس الاستشهاد واصطبغوا بها ثانيةً، مثل زوئي زوجة السَّجان، التي كانت تعتني بالشُهداء الذين تحت حراسة زوجها ثم أصبحت مسيحية، فعُلِّقت على شجرة تشتعِل بالنار في جذعها، ثم أُلقِيت في نهر وقد عُلِّق حجر كبير في عُنُقها.
عبَّر العلاَّمة ترتليانوس عن قوة المسيحية ونقاوة فضائِلها ومدى انتشارها بلا سند من قوة زمنية، وهو الذي عاصر الاِضطهادات دون أن يرى نهايِتها – بقوله ”دِماء الشهداء بِذار الكنيسة“.
عاش في هذا الزمن القديس جاورجيوس.
نهايته – ترك الحكم بعد جنونه الشديد وحُطّمت تماثيله وأزيلت صورته من كل مكان وكان يستجدي لياكل وفي ثورة جنونه ضرب راسه بالحائط فمات.
أما مكسميانوس مساعده في الحكم واضطهاد المسيحيين فقد شنق نفسه ومات منتحراً.
وايضا جاليريوس زوج ابنة دقلديانوس ومن المحرضين ضد المسيحيين، ضربه الرب بقرح وأنتنت رائحته وصار الدود يأكل جسده حي الى أن مات.
نعم، الكنيسة تزدهر بدماء الشهداء والإضطهاد لم يُضعف يوماً الكنيسة المقدسة والإيمان المسيحي، بل بالعكس، إنما يغذّيها ويقوّيها! هذه حقائق لا يمكن إنكارها سجّلها التاريخ وما هي إلا تأكيد على أقوال الرب يسوع المسيح لك كل المجد:
– «إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ. اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ».
– «سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ.
– «فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ».
أما القديس بولس الرسول فقد قال مُلهماً من روح الله القدّوس:
– «مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ. حَامِلِينَ فِي الْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا. لأَنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِمًا لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ، لِكَيْ تَظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا الْمَائِتِ».
– «نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ».