ظهورات مريمية

لماذا أثارت رسالة لاساليت عاصفة في الكنيسة ولماذا يقاومها ويرفضها بعض رجال الدين؟

رسالة لاساليت

ظهرت أمّ الله لراعيَين مكلّفين برعاية قطيع صغير، في قرية مجهولة، ظهورًا واحدًا لم تتجاوز مدّته نصف ساعة، وأدلت برسالة أثارت عاصفة، قاومها كثيرون ممّن أحسّوا أنهم مستهدفون بما انطوت عليه من تنديد، ورحّبت بها قلّة ممّن أحزنهم مستوى الانحطاط الذي تردّى إليه بعض رجال الإكليروس، وفئة عريضة من المسيحيين، وصفّق لها من كانوا يتطلّعون إلى كنيسة أكثر وفاءً لرسالتها، وأشدّ التزامًا بنصاعة السلوك المطلوب منها، وإلى مسيحيين أكثر احترامًا لمشيئة الله، وأوفى ممارسة لتعاليم يسوع المسيح.

رسالة لاساليت هي رسالة أمّ تتألّم، وهي ترى أبناءها يتردّون إلى هلاكهم. دموع العذراء هي عنوان رسالتها وجوهرها. وغالبًا ما تكون دموع الأمّ أبلغ وأعمق تأثيرًا من أي خطاب.

لقد أنذرت سيّدة لاساليت بكوارث مروّعة إن مضى القوم قدمًا في تيههم، غير أنها بيّنت أن هذه الكوارث يمكن صدّها بالتوبة، وبالعودة إلى الله.

كان من المتوقع ألّا يتقبّل الجميع تلك الرسالة، فالذين عدّوها تعريضًا بسلوكهم المشين ثاروا عليها، والذين ألِفوا الاستكانة إلى سبات الضمير، والرقاد على أسِرّة الرداءة والضحالة استهولوها، والذين استنكروا اختيار راعيَين صغيرين جاهلَين لتبليغ رسالة خطيرة بحجم العالم، قاوموها.

وقد أدهشت تلك الرسالة وصدمت عددًا كبيرًا من المفكّرين، فوصفها الواعظ الدومينيكاني الشهير لاكوردير بأنها “غير معقولة، مثيرة للسخرية، ومستحيلة”.

فسّرت الكاتبة ماريا فينوفسكا هذه المواقف الرافضة بقولها: “إنّ سرّ ميلاني مُشبع بدموع العذراء، بحيث جهدت جهنّم بأكملها كي تُغرقه في لجّة من الحبر والحنظل. وقد أسهمت دعاوة خبيثة في حمل الكنيسة على منع نشره… لم يكن بوسع تقوى القرن التاسع عشر المعطّرة والمخنّثة احتمال هذا السرّ ففي ذلك الزمن كان القوم قد أقلعوا عن قراءة النبوءات”.

غير أنّ فرادة تلك الرسالة، واستشهاد الرائيَين في سبيل إعلانها والدفاع عنها، قد اكتسبا دعمًا منيعًا من قبل طائفة من عباقرة الأدب والفكر، والروحانية، وحتى من باباوات متعاقبين. ومن أبرز هذه الوجوه:

الكاتب ليون بلوا الذي وضع عدّة كتب عن ظاهرة لاساليت، وأشهرها بعنوان “تلك التي تبكي” وكان من أجرأ المدافعين عن تلك الظاهرة.

المستشرق والصوفي لويس ماسينيون، الذي نشر في صحيفته “الله الحيّ” دفاعًا قويًّا عن ظاهرة لاساليت، وقال عن ميلاني: “إنها قدّيسة لم يفهمها العالم”.

وجدير بالتنويه أن الكاتب الملحد رينان قال في مقدّمة كتابه “حياة يسوع”: إنّ ظاهرة لاساليت هي من أبرز الأحداث الدينية في قرننا”.

من القدّيسين والباباوات الذين دعموا ظاهرة لاساليت:

– القدّيس جان ماري فيانّي المعروف بخوري آرس، تنبّأ: لا ريب أنّ لاساليت تُحدث الآن خيرًا وفيرًا، ولكنها ستُحدث، لاحقًا المزيد منه. في المستقبل سيعمّ خيرها بوفرة”.

– القدّيس دون بوسكو وقف أحد كتب سلسلته “قراءات روحية” على ظاهرة لاساليت.

من الباباوات الذين اهتموا بظاهرة لاساليت لا بد من ذكر البابا بيوس التاسع (انتُخب حبرًا أعظم في سنة ظهور العذراء)، الذي آمن بالظهور وتأثّر بعمق بأسرار الشاهدَين، لدى اطّلاعه عليها.

وكان خَلَفه البابا لاون الثالث عشر أكثر تحمّسًا للظاهرة. وقد استقبل “ميلاني” استقبالاً خاصًّا. وشجّعها على تنفيذ مَطالب العذراء، ولكنّه لم يحسب حِسابًا لمقاومة أساقفته.

وأيّد الظهور كل الباباوات نذكر منهم القدّيس بيوس العاشر، الذي تُوفّيت مِيلاني في عهده. وكان قد اطّلع على سيرتها واستوضح عَن مأتم مَن سمّاها “القدّيسة”.  بنديكتس الخامس عشر، بيوس الثاني عشر الذي احتفل باليوبيل المئويّ لظهور لاساليت بِفضل الكردينال أنجيلو رونكالّي – الذي أصبح البابا القدّيس يوحنا الثالث والعشرين بالرغم من مقاومة طائفة من كبار المسؤولين الكنسيين في فرنسا.

واعترف القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني أنه يصلّي كل يوم، لسيّدة لاساليت. وقد جاء في رسالة وجّهها إلى أسقف غرينوبل: “إنّ ظهور العذراء مريم لمكسيمان وميلاني يمثّل مرحلة ذات دلالة. فمريم الممتلئة حبًّا، أظهرت في ذلك المكان، حزنها العميق حيال شرور البشريّة الأخلاقية. وهي بدموعها، تساعدنا كي نتبيّن، على وجه أفضل، خطورة الخطيئة، وإثم نبذ الله، كما أنها تؤكّد وفاء ابنها الشديد لأبنائه، فهو الفادي الذي يجرح إهمال البشر وإنكارهم، حبّه… في لاساليت أوضحت العذراء، بجلاءٍ، دأبَها على الصّلاة من أجل العالم. فعساها تقود جميع أمم الأرض إلى ابنها”

إنّ ما تواجهه اليوم الكنيسة، من عار وحرج، بسبب الأنباء المشينة عن مخازي كهنة في شتّى بقاع المسكونة، يبرّر وصف العذراء الوجيع بأنهم “مواخير عهر”.

«إنّ الكهنة، خدمة إبني، الكهنة بسلوكهم الفاسد، واحتفالهم بالأسرار المقدّسة احتفالًا خاليًا من الاحترام والتقوى، ومن جرّاء حبّهم للمال والأمجاد والملذّات، هؤلاء الكهنة قد أصبحوا مواخير فسق. أجل، لقد أمسى الكهنة يستأهلون العقاب، وإنّ العقاب مُسلّط فوق رؤوسهم».

الأب المُرسل سيلفان ماري جيرو، الذي كان خطيبًا بارعًا ومرشد روحي للكهنة والحجّاج، كتب صفحة عن انتصار العذراء جاء فيها:

لاساليت! إنّ العالم، في مِحَنِه الأخيرة، وفي صراعات نزاعه النهائية، سيلتفت نحوها، مثلما يلتفت طاقم الملّاحين، عندما تتفاقم أخطار الإعصار، صوب المنارة التي تتلألأ في الأفق البعيد، هادية إلى مرفأ الخلاص… هنيئًا للنفوس التي، في تلك المسيرة الشاقّة المحفوفة بالمخاطر، ستحمل في قلبها غيرة مضطرمة على كنيسة يسوع المسيح، غيرة لامحدودة، لا تضنّ يأيّة تضحية… فهناك في العالم المدان، ستفتر المحبّة، وسيحتضر الإيمان، وستحرز الخطيئة انتصارًا مؤقّتًا، وسيُنشئ إنسان الخطيئة مملكة يومٍ واحد.

ولكن الله سيُعِدّ انتصار كنيسته، وستكونين يا لاساليت، في هذه الأثناء، وريثما يتحقّق انتصاره المجيد، عزاءه وفرحه…

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق