الملائكة تزور رجل في السجن وتوفّر له التعزية والراحة وسط العذاب
من كتاب الراهبة إيمانويل "السلام صاحب الكلمة الأخيرة"
” لا يلاقيك شرّ ولا تدنو ضربة من خيمتك .لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في جميع طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك. على الأسد والأفعى تطأ. الشبل والثعبان تدوس“ (مز 90 )
يقول البابا بيوس الثاني عشر: “تمنحنا الإلفة مع الملائكة شعوراً بالأمان. يمنحنا أصدقاؤنا غير المرئيين شيئاً من السلام يستمدّونه من الله. يتكفّل ملاكنا الحارس أيضاً بتقديسنا، حيث يشغّل كلّ شيء ليدعم صعودنا الروحيّ ويطوّر علاقتنا الحميمة مع الله”.
امام الكوارث الطبيعية التي كثرت في السنوات الماضية، قد ينتابنا شعور بالعجز. فحجم الحاجات وعمق الآلام التي يعيشها بعض الشعوب – التي تصل الى حد الاحتضار أحياناً – يفوق تصوّرنا وقدراتنا. هل نحن فعلا عاجزون عن مدّهم بأي مساعدة؟ بالطبع لا! لدينا وسيلة ممتازة غير أننا لا نفكر فيها بما يكفي. للتوضيح، اليكم حدث رواه لي اخي باسكال. وهو شماس دائم:
”قبل ارتداد الكاتب الروسي الكسندر اوغورودنيكوف . قام ببحث حول فلسفات القرن العشرين العدمية والمدمرة كلها. فقد كان مدرّس فلسفة وتفرّغ سراً لشغف كبير:
هو السطو على الشقق ليلا مع شركاء متواطئين معه! وكان ذلك يدر عليه الكثير من المال! ولكن النعمة لمست قلبه وارتد في السبعينات. في الوقت نفسه الذي ارتدت فيه المفكّرة الروسية تاتيانا غوريتشيفا.
فتح حينئذ مطعماً ليمد الفقراء بالقوت في موسكو وأسّس جماعة هي كناية عن جماعة مؤمنين مفكّرين يصلّون معاً ويفكرون في الايمان ويتعمقون به ويبشرون بالإنجيل بطريقة سرّية طبعا. غير انها لم تكن كثيرة السرية. اذ قُبض على الكسندر مرات عدة الى ان وُضع امام خيارين: المنفى او السجن.
رفض ألكسندر المنفى فتم اعتقاله.
اختبر على مر عشر سنوات اشكالاً عدة من الاعتقال : اعتقال سياسي اولاً وثم بعض التهم الأخرى. سُجن مع أسوأ المجرمين. ولكن التهمة الأسوأ كانت تلك التي تسبّبت له بآخر اعتقال. عندما رُمي عارياً في زنزانة ثلجية (أي أن جدرانها مغلّفة بالجليد) في وحدة تامة. يا له من عذاب وحشي!
ادرك أنه سيموت حتماً. لا نعرف كيف نجح بأن يرسل رسالة الى والدته. حيث وصف أوضاع اعتقاله ونزاعه والعذابات النفسية. ورجا والدته أن ترسل هذه الرسالة الى الغرب. وهكذا نُشرت الرسالة في ألمانيا وفرنسا في ربيع 1986. جمعت حينذاك الكثير من العرائض وعمل الكثيرون على الصلاة والتوسّط له الى أن حصل على الحريّة.
عندما اكتشف اخي باسكال رسالة ألكسندر في فرنسا. بكى كآبة وقرر مع خطيبته ان يقدما آلامهما وصلواتهما كلها من أجله. وطلبا من ملائكتهما الحارسين أن يحملا إليه التعزية والسلام فكان ملائكتهما يحملون كل يوم صلواتهما الى زنزانة ألكسندر المنفردة فتريحه وتساعده على الاستمرار بالعيش.
بعد العفو عن ألكسندر في عام 1986، استطاع أن يقوم برحلة حج الى ليزيو في عام 1987 مع الأخت تمارا. وهي مرسلة في روسيا نظمت رحلة في حافلة ضمّت 50 روسيا، هدفها أن تعرّفهم الى القديسة تريزيا الصغيرة. وكان اخي باسكال يدير نهاية الأسبوع تلك.
وخلال استراحة الطعام. وجد نفسه وجها لوجه امام رجل روسي وقور وله لحية صغيرة.
فتعارفا…. كان ألكسندر اوغورونيكوف! ما من داع لوصف مشاعر الاثنين. عندما اخبره باسكال كيف هو وخطيبته رافقاه بوفاء في ظل محنته!
حينئذ أخبره ألكسندر أنه، في زنزانة الصقيع حيث رُمي بهدف قتله، كان يزوره ملائكة الذين صلوا من أجله. فشعر بحرارة هؤلاء المسيحيين . وهو يدين بحياته للملائكة ولحرارة الصلاة التي كانت تعزّيه في وحدته.
هذا الأرثوذكسي الشغوف. الذي لا يزال يقطن موسكو. عاش خيرات صوفية عدة عندما تألم في السجن، إذ كان منقطعاً عن كل شيء. وكأنه يندم الآن على استرجاعه حريّته لأنه يخشى فقدان هذا الاقتراب من الرب.
لم تنته اليوم الحروب والتوقيفات الاعتباطية. فيعاني آلاف الضحايا من الألم في ظلام ليل سجونهم الحالك. كثير من الرجال والنساء يعانون من خيبة الأمل على كوكبنا! انهم بحاجة الى ملائكتنا .الى جميع اصدقائنا الملائكة! لن نندم ان ارسلناهم اليهم، على غرار الأب بيو والقديسة فوستينا والقديس يوحنا الثالث والعشرون، وآخرين كثيرين !