تأملات

هل حقّاً يختار الإنسان الذهاب الى جهنم أم يُطرح فيها رغماً عنه، ألا تتعارض جهنم مع رحمة الله

ماذا يقول لنا الكتاب المقدس

سؤال يُطرح غالباً: كيف يمكن لأحدهم أن يختار الذهاب الى جهنم ؟


عند لحظة الموت يتجلى الله بقوة عظيمة ويمنح النفس الكثير من النعم التي لم تنلها هذه الأخيرة البتة خلال حياتها. وتنيرنا تعاليم القديسين حول هذه النقطة. انما تبقى النفس حرّة بالكامل لتقوم باختيارها. إما أن تقبل الرحمة الإلهية أو أن ترفضها. عيش الأبدية مع الله أو من دونه. أن نقتبله أو أن نهرب منه. لطالما طرحت على نفسي هذا السؤال :
كيف لإنسان أن يختار العيش بعيداً عن الله حين يتجلّى لنا في نور محبته اللامتناهية؟

لنتخيّل رجلاّ اعتاد على ممارسة أعمال مزرية شريرة. وفي ظلمة الليل الحالكة، يفكر بجرائمه القادمة ويحضّرها. ثم يفاجئه الموت وفجأة يظهر عليه نور ساطع وسط الظلمة. انها ساعة المواجهة. ساعة الحقيقة. أُخذ الانسان على حين غفلة. في حالة الجرم المشهود. فما الذي سيقوم به، بالفطرة؟
من دون أي تفكير، سيحاول بكل ما أوتي من قوى، الفرار من أمام هذا النور الذي سيكشفه على حقيقته ويعرض سوداويته! سيشعر بخوف كبير ويبدأ بالهرب في الاتجاه المعاكس. لن يتحمل ذلك النور وسيقوم بالمستحيل ليختبئ منه. ففي الواقع هو لا يتحمل ذاته وفظاعته الخاصة.

الله نور، الله محبة، الله نور محبّ! ينادي الانسان ويدعوه ويرجوه ولكن احترماً لحرية هذا الأخير، لا يجبره مطلقاً على البقاء معه. ومن يهرب منه، يرمي هو بنفسه في الفجوة التي يغيب عنها الله، فيجد نفسه واقفاً على شاطئ بحيرة النار. كما قالت العذراء لشاهدين من شهود مديوغوريه فيسكا وياكوف اللذين رأيا برفقتها السماء والمطهر وجهنم في العام 1981: “الذين يذهبون الى جهنم، انما يذهبون اليها بكامل اردتهم. الله لا يضع أحدا في جهنم، لا بل على العكس أرسل ابنه الوحيد لكي يخلص العالم”.

لِمَ يحتاج الشيطان الى الظلّ ليعمل؟ يفسره يسوع بشكل واضح في انجيل القديس يوحنا:
“أما الدينونة فهي أن النور جاء الى العالم ففضّل الناس الظلام على النور لأن أعمالهم كانت سيئة. فكل من يعمل السيئات يبغض النور فلا يقبل الى النور لئلا تفضح أعماله”. (يوحنا 19:3)

عندما يختار شخص أن يبقى في الخطيئة، فإنه في الواقع يختار الذهاب الى جهنم . وعند الموت وهربه من أمام وجه الله، سيحاول القيام بكل ما بوسعه للهروب من جهنم. لكن لم يعد هناك فرصة للتوبة.

ماذا يقول الكتاب؟

إذاً، الله لا يُرسل الناس الى جهنم. السبب في أن الكتاب المقدس يقول “يُطرحون” في النار، هو أن النفوس الهالكة بمجرد أن ترى ما هي جهنم، لا تدخلها عن طيب خاطر. لا أحد يقف على شاطئ بحيرة النار ويقفز داخلها. لقد اختاروا الخطيئة، ولا يريدون العقاب. عندما يصلون إلى شاطئ هذه البحيرة النارية، فإنهم “يُطرحون” فيها.

– «وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ النَّارِ. (مرقس 9: 47)
– «وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. (متى 42:13)
– «وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. (متى 30:25)
– «وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. (رؤيا 15:20)

عندما يقول شخص ما أن كل الساقطين في جهنم يريدون أن يكونوا هناك، فإنه يعطي انطباعاً كاذباً أن جهنم هي في حدود احتمال البشر. إنه يعطي حتماً الانطباع بأن جهنم أقل فظاعة مما يقوله يسوع.
لم يختار الرب يسوع كلمات سهلة عن جهنم ليخفّف من رعب السامعين. بل تحدّث عن “أتون النار” (متى 13:42)، و “البكاء وصرير الأسنان” (لوقا 28:13)، و “الظلمة الخارجية” (متى30:25)، و “دودهم الذي لا يموت” (مرقس 48:9)، و “العقاب الأبدي” (متى 46:25)، و “النار التي لا تُطفأ” (مرقس 43:9)، و “ويقطّعه” (متى 51:24).

لقد اختار الرب يسوع هذه العبارات الصعبة لكي يمحي منا عمى جهنم ويفتح أعيننا على فظاعتها التي تفوق كل وصف. هو يرغب بخلاص جميع الناس، ويترك لنا الحرية في أن نقرّر ما نرغب وما نختار: الله أم الخطيئة وجزاء الخطيئة جهنم: «وَيَخْرُجُونَ وَيَرَوْنَ جُثَثَ النَّاسِ الَّذِينَ عَصَوْا عَلَيَّ، لأَنَّ دُودَهُمْ لاَ يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لاَ تُطْفَأُ، وَيَكُونُونَ رَذَالَةً لِكُلِّ ذِي جَسَدٍ».(أشعياء 24:66)

كلّنا خطأة مستحقّين عذابات جهنم، لكن نشكر الله أن يسوع فادينا الذي أصبح لعنة من أجلنا واحتمل أشدّ الآلام، خلّصنا من الغضب الآتي. وطالما هناك وقت، سيستمر بمنح الخلاص لكل من يأتي إليه بحريّة متخلّياً عن الخطيئة وكارهاً لها.

 

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق