ظهورات مريميةقصص القديسين

درس في التضحية السخيّة تعلّمنا إياه قدّيسة فاطيما الصغيرة جاسينتا ابنة السبع سنوات

قدّيسة فاطيما الصغيرة جاسينتا

كتبت الأخت لوسيا رائية فاطيما مذكّراتها كفعل طاعة لأمر من أسقف ليريا. في المذكّرة الأولى طلب منها الأسقف أن تكتب كل ما تتذكّره عن صديقة طفولتها قدّيسة فاطيما الصغيرة جاسينتا. كتبته خلال 15 يومًا، وأنهته في يوم الميلاد من سنة 1935. عند قراءتنا لهذه المذكّرة، ندرك بشكل أفضل قداسة هذه الطفلة وفهمها للرسالة التي تلقّتها من السيّدة العذراء.
في هذا المقال، نورد جزء صغير مما كتبته لوسيا في مذكّرتها عن القديسة الصغيرة جاسينتا.

 تأملات حول جهنّم

عندما وصلنا إلى المرعى في ذلك اليوم، جلست جاسينتا شاردة على حجر.
– جاسينتا، تعالي نلعب.
– لا أريد أن ألعب اليوم.
– لماذا لا تريدين أن تلعبي؟
– لأنني أتأمّل. طلبت إلينا السيّدة (العذراء) أن نتلو السبحة وأن نقوم بتضحيات من أجل ارتداد الخطأة. الإن عندما نتلو السبحة سنتلو “السلام عليك يا مريم” وال”أبانا” كاملة، أما التضحيات فكيف سنقوم بها؟
عثر فرنسوا على الجواب في الحال:
– لنعطِ عصرونيتنا للنعاج ولنضحّي بأن لا نتناول شيئَا.

خلال دقائق قليلة، وزّعنا الزاد على النعاج وهكذا أمضينا النهار صائمين. حتى ولو كان أكثر النسّاك تقشّفًا لما قام بذلك. بقيت جاسينتا جالسة على الحجر فسألت وهي شاردة: قالت لنا تلك السيّدة أيضًا إنّ الكثير من النفوس تذهب إلى جهنّم. ما هي جهنّم.
– إنها حفرة مليئة بالحيوانات وهي بؤرة نار كبيرة جدًّا. (هكذا كانت والدتي تفسّرها لي) هناك يذهب من يرتكب الخطايا ولا يعترف بها فيظل يحترق هناك إلى الأبد!
– ألا يخرج أبدًا من هناك؟
– لا
– وحتى بعد سنوات وسنوات عديدة؟
– لا. لا نهاية أبدًا لجهنّم
– ولا للسماء أيضًا؟
– من يذهب إلى السماء لا يخرج منها أبدًا.
– والذي يذهب إلى جهنّم أيضًا؟
– ألا ترين أنهما أبديّان. لا نهاية لهما البتّة!

فقمنا عندها، وللمرة الأولى، بالتأمّل في جهنّم وفي الأبدية. أكثر ما كان يؤثّر في جاسينتا هي الأبدية. حتى أثناء اللعب، ومن وقت إلى آخر، كانت تسأل:
– لكن بعد سنوات وسنوات عديدة ألا تنتهي جهنّم؟

وفي أحيان أخرى:
– وأولئك الناس الموجودون هناك يحترقون، ألا يموتون؟ ألا يصبحون رمادًا؟ وإذا صلّينا كثيرًا للخطأة، ألن يخلّصهم ربّنا؟ ولا حتى مع التضحيات؟ آه المساكين! علينا أن نصلّي لهم كثيرًا وأن نقوم بالكثير من التضحيات من أجلهم.
ثم كانت تضيف:
– كم هي طيّبة تلك السيّدة! فقد سبق أن وعدتنا باصطحابنا إلى السماء.

حبّ الخطأة

تمسّكت جاسينتا كثيرًا بالتضحيات من أجل ارتداد الخطأة، حتى أنها لم تكن تفوّت أي فرصة للقيام بذلك. كان هناك بعض الأولاد، أبناء عائلتين من مويتا، يتسوّلون من باب إلى آخر. إلتقينا بهم في أحد الأيام بينما كنّا نسوق قطيعنا. قالت لنا جاسينتا عندما رأتهم:
– لنُعطِ زادنا إلى هؤلاء الأطفال المساكين من أجل ارتداد الخطأة!
فركضت نحوهم حاملة لهم الزاد. وعند المساء قالت لي إنها جائعة.

كان هناك بعض أشجار البلّوط الأخضر والسنديان. وحبّات البلّوط ما زالت خضراء. بالرغم من ذلك، قلت لها إنه يمكننا أن نأكل منها. تسلّق فرنسوا شجرة بلّوط أخضر وملأ جيوبه منها، لكن جاسينتا خطر لها أن تأكل بالأحرى من بلّوط السنديان كي تكون تضحيتنا تناول طعام مرّ. وقد تذوّقنا مساء ذلك اليوم طعامًا لذيذًا! تناولت جاسينتا ذلك كتضحية من تضحياتها المعتادة. راحت تقطف بلّوط السنديان أو الزيتون.

قلت لها ذات يوم:
– لا تأكلي هذا يا جاسينتا. إنه في غاية المرارة.
– آكل ذلك لأنه مرّ من أجل ارتداد الخطأة.

لم يتوقّف صومنا على هذا فقط. فاتّفقنا على أنه عندما نلتقي أولئك المساكين الصغار، نعطيهم زادنا. وكان هؤلاء الذين تسرّهم حسنتنا، يبحثون عنا وينتظروننا على الطريق. ما أن نلمحهم، حتى تركض جاسينتا حاملة لهم مؤونة النهار كلّها، بغاية السرور، وكأنها لم تكن بحاجة إليها.

كان طعامنا في تلك الأيام مؤلّفًا من حبّات صنوبر وثمار نبتة تدعى كامبانبلا (زهرة صفراء صغيرة على جذرها حبة صغيرة بحجم حبّة زيتون) وتوت وفطر .
وبعض الأشياء التي كنّا نقطفها عن جذع أشجار الصنوبر، والتي لم أعد أذكر أسماءها. أو أيضًا فاكهة في حال كانت متوفّرة في أملاك أهلنا.

كانت جاسينتا لا تكلّ في ممارسة التضحية. ذات يوم عرض جار على والدتي مرعى جيّدًا لقطيعنا، ولكنه كان بعيدًا وكنّا في منتصف الصيف. قبلت والدتي ذلك العرض السخي وأرسلتني إليه. وحيث كان بقربه بحيرة صغيرة يشرب منها القطيع. قالت لي إنه يستحسن القيام بالقيلولة هناك، تحت ظلّ الأشجار.

إلتقينا، في طريقنا، أعزّاءنا الصغار المساكين، وركضت جاسينتا إليهم لمنحهم الصدقة. كان يومًا جميلًا جدًّا والشمس حارّة جدًّا. على تلك الأرض الصخرية القاحلة والجافّة، كان كل شيء يبدو وكأنه على أهبّة الإشتعال.

شعرنا بالعطش ولم نكن نملك قطرة ماء للشرب. في البداية قدّمنا هذه التضحية بسخاء من أجل ارتداد الخطأة. ولكن عند حلول الظهر، لم نعد نقوى على الإحتمال، فاقترحت على رفيقَيّ الذهاب إلى مكان قريب لطلب القليل من الماء فقبلا الإقتراح.

توجّهت لأدقّ باب إمرأة عجوز فأعطتني إبريق ماء وقدّمت إليّ أيضًا بعض الخبز الذي قبلته بامتنان وركضت إلى رفيقَيّ لأوزّعه عليهما. ثم أعطيت الإبريق لفرنسوا ودعوته ليشرب. فأجاب:
– لا أريد الشرب.
– لماذا
– أريد أن أتألّم من أجل ارتداد الخطأة.
– أنت يا جاسينتا، إشربي.
– أنا أيضًا أريد أن أقدّم التضحية من أجل ارتداد الخطأة.

أفرغت حينها الماء في وقب لتتمكّن نعاجنا من شربها وذهبت أعيد الإبريق إلى صاحبته. راحت الحرارة تشتدّ أكثر فأكثر، كانت تختلط أصوات الصراير والجداجد بنقيق ضفادع البركة المجاورة، مُصدرة ضجيجًا لا يطاق. قالت جاسينتا:
– قولي للجداجد وللضفادع أن تكفّ عن التصويت. رأسي يؤلمني للغاية!

حينها سألها فرنسوا:
– ألا تريدين أن تعاني هذا من أجل الخطأة؟
فأجابت الصغيرة حاملة رأسها بين يديها الصغيرتين:
– أجل أريد. دعيها تصوّت.

… منذ أن علّمتنا السيّدة العذراء أن نقدّم تضحياتنا إلى يسوع، في كل مرة كنّا نقرّر القيام بتصحية أو كان علينا أن نعاني من محنة ما، كانت جاسينتا تسأل:
– هل سبق وقلتِ ليسوع إنك تفعلين ذلك حبًّا به؟
وإذا أجبتها ب”لا”…
– إذًا، سأقول أنا له.
وكانت ترفع عينيها إلى السماء ضامّة يديها قائلة:
– آه يا يسوع، هذا من أجل حبّك ومن أجل ارتداد الخطأة.

عن قدّيسة فاطيما الصغيرة جاسينتا إقرأ أيضًا:

جاسينتا رائية فاطيما الصغيرة وحبّها الكبير لقلب مريم الطاهر

التجليّات المجهولة للسيدة العذراء ورسائلها لرائية فاطيما جاسينتا الصغيرة – القديسة والنفس المضحيّة

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق