عباداتقصص القديسين

من هي القدّيسة التي استخدمها الرب يسوع لنشر التعبّد للقربان الأقدس وتأسيس عيد جسد الرب “كوربوس كريستي”

التعبّد للقربان الأقدس وتأسيس عيد جسد الرب “كوربوس كريستي”

نعرف أن الرب يسوع اختار القدّيسة مارغريت ماري ألاكوك لتنشر عبادة قلبه الأقدس، والقدّيسة فوستينا رحمته الإلهية، لكن هناك قدّيسة مجهولة اختارها الرب قبل ذلك، لتنشر التعبّد لجسده الأقدس وتأسيس عيد جسد الرب “كوربوس كريستي”

الإمتناع عن التناول

بحلول أوائل القرن الثالث عشر، كان المؤمنون بالكنيسة يمتنعون عن تلقي المناولة المقدسة. لم يكن الأمر أنهم لم يتعبّدوا لسر الافخارستيا، لكنهم اعتقدوا أنهم غير مستحقين أن يتناولوا جسد المسيح – اعتقاد لم يعارضه الكثير من رجال الدين.

بدأ ينتشر نوع من التباعد بين رجال الدين والعلمانيين، شمل إنفصال مادّي وسط العديد من الكنائس. فقد وُضعت القضبان والحواجز بين الجماعة والمذبح. الناس لم يحصلوا على المناولة، لكنهم أرادوا أن يعبدوا القربان الأقدس بالنظر إلى القربان المكرّس أثناء رفعه. في بعض الأحيان يذهبون من كنيسة إلى كنيسة ليصلون فقط عندما يتم رفع القربان. لدرجة أنه عُرض المال على بعض الكهنة لإبقاء رفع القربان المكرّس لفترة أطول. كانت “عبادة التحديق” بديلاً نوعًا ما عن تناول القربان الأقدس.

أدى هذا النقص في تلقّي المناولة إلى تشريع الكنيسة بأن على جميع الكاثوليك أن يتلقوا المناولة على الأقل خلال موسم عيد الفصح (قانون مجلس لاتران الرابع).

في عام 1208 بدأ الرب يسوع يستخدم راهبة متواضعة، القدّيسة جوليانا من كورنيلون، كأداة لتعزيز العبادة المرئية المتزايدة للسرّ الأقدس. وفي الوقت نفسه إرجاع شعب الله إلى التقرّب من المناولة المقدّسة بانتظام وتواتر أكبر. كانت جوليانا وسيلة الرب يسوع في تأسيس عيد جسد الربّ (Corpus Christi).

قال البابا بنديكتس السادس عشر عن جوليانا: “إنها غير معروفة جيدًا، لكن الكنيسة مدينة لها بعمق، ليس بسبب قداسة حياتها فحسب، بل لأنها أيضًا، بحماسها الكبي، ساهمت في تأسيس إحدى أهم الصلوات الإحتفالية في السنة: كوربوس كريستي.”

من هي القدّيسة جوليانا من كورنيلون؟

ولدت جوليانا في عام 1203 بالقرب من لييج في ببلجيكا، وقد أصبحت يتيمة في الخامسة من عمرها. أودِعت تحت رعاية راهبات دير القدّيس أوغسطينس في جبل كورنيلون، حيث قضت معظم حياتها. في السادسة عشرة من عمرها، بدأت تشاهد رؤى من الرب يسوع ومريم العذراء طلبا منها الصلاة من أجل تأسيس عيد من شأنه أن يساعد الناس على أن يعبدوا يسوع المسيح في سر القربان الأقدس.
في رؤيا شبه متواصلة شاهدت القمر يمر وسطه خط قاتم مظلم. رافقتها هذه الرؤيا لعدّة سنين، دون أن تفهم معناها.

في النهاية، أوضح لها الرب يسوع، أنّ القمر يرمز للسنة الكنسية بكل أعيادها، والخط المظلم يرمز لعدم وجود يوم يُكرّم فيه القربان الأقدس. وطلب يسوع من جوليانا أن تسعى لإقامة عيد حيث يُكرّم المؤمنون ويعبدون القربان الأقدس، ويطلبون فيه المغفرة عن الأوقات التي أبعدوا أنفسهم عن يسوع في سر الإفخارستيا.

لم تكن جوليانا متأكّدة بأنها قادرة على إنجاز المهمّة التي أمر بها الرب يسوع، وطلبت منه مرارًا أن يجد شخص آخر أفضل منها.
كانت تصلّي قائلة:” إعفني يا رب، وأوكل المهمّة التي عيّنتها لي، إلى علماء عظماء يتألقون بنور المعرفة، والذين يعرفون كيف يروّجون لمثل هذه القضيّة العظيمة. كيف يمكنني أن أفعل ذلك؟ أنا لا أستحق، يا رب، أن أخبر العالم عن شيء نبيل وعظيم كهذا، لا أستطيع فهمه، ولا أستطيع تحقيقه ”
لكن يسوع كان قد اختارها، وسيكون معها، ويرشدها ويضع الآخرين في طريقها لمساعدتها.

انتظرت جوليانا ما يقارب ال20 عامًا، إلى أن تم اختيارها كرئيسة للدير، للإفصاح عن الرؤى ورغبة الرب يسوع . لقد سلّمت السرّ إلى معرّفها وإلى العديد من الشخصيات الكنسية. كان القرار بالإجماع هو أنه لا يوجد شيء في القانون الإلهي يعارض إقامة عيد خاص تكريمًا للسر الأقدس. لكن أكثر من أيّد جوليانا واعترف بقيمة تأسيس العيد، كان روبرت دي ثوريت، أسقف لييج.

وقد أمر أن يُحتفل بهذا العيد داخل أبرشية لييج في عام 1246. لكن لسوء الحظ، توفّى الأسقف ثوريت قبل إنجاز العيد، ولم يتم إضافته إلى رزنامة الأبرشية.

إضطهاد القدّيسة جوليانا

ولكن سرعان ما نشأت معارضة لتأسيس العيد. جادل البعض بأن يوم الخميس المقدس (خميس الأسرار) كان بالفعل عيد الإفخارستيا، حيث يُحتفل في ذلك اليوم بتأسيس يسوع لسرّ القربان المقدس. لكن يوم الخميس المقدس هو جزء من ثلاثية الآلام، وهي فترة حزينة تركز على آلام وموت المسيح (خميس الأسرار، الجمعة العظيمة ونهار السبت قبل الفصح)، لا يُحتفل فيها بيسوع في القربان الأقدس.

أصبحت جوليانا هدفًا للإضطهاد الشديد من قِبل رجل حصل على منصبه في المجتمع من خلال المؤامرات والرشوة. لقد أثار الرجل غضب السكان المجاورين ضدها، فاضطرت إلى مغادرة المنطقة. في وقت لاحق تم تبريرها في المحاكم من خلال تأثير أسقف لييج نفسه. وعُزِل مضطهدها، وتمت إعادتها إلى رئاسة ديرها.

في عام 1247 أُعيد المضطهِد الغاضب إلى منصبه، ونجح مرة أخرى في طرد القديسة. فقضت السنوات الأخيرة من حياتها في عزلة في نامور ، توفيت عام 1258 ودُفنت في فيليرز.

لم تفقد القدّيسة جوليانا أبدًا ثقتها وأملها بمعونة الله وسط أقسى حالات الاضطهاد. وإرادته المعبّر عنها بوضوح لم تتحقق إلا بعد وفاتها.

تأسيس عيد جسد الرب “كوربوس كريستي”

بحسب تصميم الله، في الوقت الذي أعلنت فيه القدّيسة جوليانا عن رغبة المسيح بعيد للقربان الأقدس، كان هناك في أبرشية لييج، رئيس شمامسة يدعى جاك بانتاليون، الذي كان يؤيّد بتخصيص يوم ليسوع القرباني. بعد وفاة القدّيسة، أصبح جاك البابا أوربان الرابع (1264-1261) وقد أصدر حُكمًا يدعم تأسيس هذا العيد، وفي الوقت نفسه، يرفض الجدل الدائر حول أن يوم الخميس المقدّس هو عيد الإفخارستيا.

في عام 1264 أصدر مرسومًا بابويًا يضيف العيد إلى تقويم الكنيسة الجامعة، ولكن كما كان الحال مع الأسقف ثوريت، توفي البابا أوربان قبل إقامة العيد. سيترك الأمر للباباوات كليمنت الخامس (1305-1314) ويوحنا الثاني والعشرون ( 1316-1334) لإقامة عيد جسد الرب في الكنيسة الجامعة.

في معظم أنحاء العالم، يتم الاحتفال بيوم عيد جسد الرب “كوربوس كريستي” في الخميس بعد “أحد الثالوث الأقدس” وهو يوم مقدّس وعيد احتفالي.

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق