شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهرية – اليوم السابع والعشرون
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهرية
اليوم السابع والعشرون – فعل المحبّة البطولي يعزّي الأنفس المطهريّة
1. طبيعته
إنّ الفعل البطولي يقوم على التخلّي بين يدَي مريم العذراء، ولصالح الأنفس المطهريّة، عن كلّ الأعمال الحسنة التي نقوم بها أو يقوم غيرنا بها لأجلنا قبل وفاتنا أو بعدها.
إنّ البابا بيوس التاسع* أصدر قانونًا كنسيًّا في 20 تشرين الثاني لسنة 1854. أوصى به الفعل البطولي هذا وقرنه بغفرانات خاصّة لجميع المؤمنين. كلّ هذه الغفرانات التي يكسبها المؤمنون تكون لصالح الأنفس المطهريّة من غير حاجة لذكر النيّة لأجلهم.
لقد أسمى البابا بيوس التاسع هذا الفعل البطولي فعل العزاء الأكبر للأنفس المطهريّة. بواسطة هذا الفعل تكون كلّ أعمالنا الحسنة وآلامنا وأوجاعنا الخاصّة كنهر هادر من النعم لا يجفّ لأجل عزاء الأنفس المطهريّة.
لذلك يمكننا القول أنّ الفعل البطولي، وبكلّ وعي وإيمان، هو عمل الرحمة بامتياز وفعل المحبّة الأكثر عزاءً.
نحن لا نفقد شيئًا إذا تخلّينا عن القليل لمجد الله. إنّ سيّدنا يسوع المسيح ينظر إلى الأعمال التي نقوم بها لأجل الأنفس المطهريّة على أنّها أعمال موجّهة إليه. كما لو حرّرناه من سجن النار مثلما ذكر للقدّيسة جيرترود. وهو بالنسبة لأمّ الله مريم العذراء شرف كبير وفرح عظيم، لأنّنا نضع بين أيديها كلّ أعمالنا لتتمكّن من تحرير أبنائها المعذّبين.
ملاحظة: قد يسمّى هذا الفعل أحيانًا فعل نذر لكن ليس هو كذلك. فنحن لسنا بحاجة إلى تحديده أيضًا. إنّ فعل الإرادة والتقدمة القلبيّة كافيان للحصول حقًّا على الغفرانات والنِّعَم. علمًا أنّ فعل الإرادة هذا يمكن تقديمه بحسب رغبة القائم به.
2. تقديمات فعل المحبّة البطولي
إنّ هذا الفعل مهمّ جدًّا للأنفس المطهريّة المقدّسة. كم من المساعدات تحصل عليها دائمًا وفي كلّ لحظة من النهار من كلّ أعمالنا المرضيّة وتلك التي تفرض علينا خلال حياتنا وفي مماتنا، وصولاً إلى الأبديّة؟
إنّها قطرات الندى الناعمة، غير المنقطعة، من الغفرانات والرحمات تهبط كشلالات على الأنفس المحرقة في مطهرها. إنّها تخفّف آلامهم وتعزّيهم. هذه العطيّة البطوليّة ليست أقلّ نفعًا بالنسبة لنا نحن الأحياء. ليس الله المحبّ والطيّب معيدًا إلينا أعمالنا الحسنة أضعاف ما نقدّمه من أجل أبنائه المتألّمين؟
يقول تعالى: أعطوا تُعْطَوْن، فتنالون جزاءً حسنًا، عظيمًا وغزيرًا.
ألا تنجدنا مريم العذراء التي وضعنا بين يديها كنوزنا الروحيّة كلّها من أجل عزاء أبنائها؟
هذا التخلّي البنوي ألا يعطينا الحقّ في رحماتها الواسعة؟ ألا نستطيع الاتّكال على عرفان الأنفس المطهريّة بالجميل الذي قمنا به من أجل راحتها؟
إنّنا نؤمن أنّ من يقوم بنذر فعل المحبّة البطولي لا يخاف المطهر. فالله يحضّر له سُبُل النجاة منه أو لا يجعله طويلاً فيه.
فأنا أنصحكم الآن بأن تنذورا فعل المحبّة البطولي. فهناك العديد من العظماء في العلم والقداسة قد التزموا به فتمثّلوا بهم!
إتبعوا إرشادات البابا بيوس التاسع الذي يقوم دائمًا بفعل المحبّة البطولي فيغنيه بالغفرانات.
مثال
نقرأ في حياة القدّيسة جيرترود، أنّها منذ نعومة أظافرها تعلّمت أن تقدّم أعمالها الحسنة وصلواتها على نيّة الأنفس المطهريّة بأن نذرت نفسها للقيام بفعل المحبّة البطولي. لقد أحبّ الله ذلك! فكان يفرح بأن يُعْلِمَها بالأنفس الأكثر حاجة للصلاة. وهذه الأخيرة التي تحرّرت من عذابات المطهر وأتت مجد الله، كانت تشكرها كثيرًا وتَعِدها بالسماء.
هكذا أمضت القدّيسة جيرترود حياتها، في ممارسة هذا النذر، وبكلّ ثقة كانت ترى الموت يقترب منها بهدوء وإذا تراءى لها العدو الجهنّمي في تلك اللحظات المرعبة يخبرها أنّها فقدت كلّ نعمة لمرضاة الله وكلّ فائدة من أعمالها الحسنة وأنّها ساقطة إلى المطهر لأجل مديد تُكفّر به عن خطاياها. عند هذا العذاب الروحيّ أُصيبت بالإحباط؛ ولكن عروسها السماويّ، سيّدنا يسوع المسيح كان إلى جانبها يعزّيها قائلاً: “لا تخافي شيئًا يا حبيبتي! لأنّ محبّتك العظيمة للموتى زادتك نعَمًا ليس لتكفّري عن خطاياك الصغيرة وحسب بل لترفعك إلى درجة عالية في المجد والقداسة الأبديّة. فهكذا رحمتي تعترف بجميل اندفاعك من أجل الموتى. ستأتين الجنّة قريبًا لتنالي أضعاف أضعف ما قدّمته لأجلهم”. كم هي مشجّعة لنا أقوال سيّدنا يسوع المسيح!
لنصلِّ: أسألك يا ربّ أن تقبل منّي هذا النذر وتثبتني فيه لمجدك ولسلام نفسي. كما أقدّمه لإيفاء ديون الأنفس المطهريّة كلّها والتي ترغب أمّنا مريم العذراء خلاصها. كما يشهد على نذري هذا جميع المختارين من الكنيسة المجاهدة على الأرض والكنيسة المتألّمة في المطهر. لذلك كن يا ربّ عونًا للمتألّمين في المطهر. وليرقدوا بسلام!