شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهرية
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهرية – اليوم الخامس عشر
شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهرية
اليوم الخامس عشر – نسيان الموتى: إشارة إلى اللامبالاة ونكران الجميل
1. إشارة إلى اللامبالاة
مثل لعازر الفقير المغطّى بالقروح والثياب البالية كما جاء في الإنجيل: حيث يرقد هذا الفقير على عتبة ذاك الرجل الغني المتخم ويسأله أن يعطيه فتات مائدته فيرفض له ذلك بلا رحمة.
يا لها من لامبالاة! يا لها من قساوة! هل من عجب أن يسقط هذا الغني القاسي القلب، بعد موته، إلى جهنّم بينما لعازر ينعم في حضن إبراهيم؟
إنّ ذكرى موتانا تبقى حاضرة في نفوسنا وقلوبنا. منازلنا وأسماؤنا، وممتلكاتنا التي ننعم بها، كلّها تذكّرنا بوجوههم. رغم ذلك فهم صامتون وقبورهم خرساء.
أمّا الكنيسة، الأم الجامعة، فتقول لنا دائمًا: “… إرحموا موتاكم. أرموا لهم قليلاً من فتات موائدكم فتخفّفوا من جوعكم وبعض قطرات مائكم فترووا ظمأهم.
أيّها الخادم اللّعين أليسَ واجبك أن تخدم أخاك؟” لقد أمضى حياته بالعمل من أجلك وها أنت الآن تحرمه القليل القليل من ميراثه.
إذا كنّا، نحن، مثل ذلك الغنيّ القاسي القلب، غير مبالين بأنين أخوتنا المتألّمين هكذا يكون الله غير مبالٍ بأنيننا نحن.
عند ذلك كيف يمكنه أن يستقبلنا في حضنه؟
2. إنّه تعبير قائم على نكران الجميل
أحد جنود فرعون خان أمانة سيّده فرُمي في السجن حيث كان يوسف الحسن أسير. قامت علاقة ودّ وصداقة حميمة بينهما. إذ كان يوسف محبًّا ووديعًا، يخفّف من أحزان صديقه ويفسّر له أحلامه، أكدّ له عودته إلى خدمة سيّده. وإذ حصل ذلك بنعمة الربّ طلب يوسف إلى صديقه أن يذكره إلى جانب فرعون. وأسفاه، هذا الخادم الجحود أسكرته حياته الجديدة المترفة فنسي من أحسن إليه في أسره. وهكذا استمرّ يوسف سنتين منسيًّا من صديقه”.
أليس هذا النسيان القاسي يدفع إلى الثورة على الآخرين؟ كيف يمكنكم أنتم، أن تنسوا أهلكم المحسنين إليكم؟ هؤلاء الذين أعطوكم الحياة والثروات وبفضلهم نجحتم في الحياة! لقد بكيتم ساعة وداعهم لكن الزمن كان كفيلاً بتجفيف دموعكم فتركتمونا في عالم النسيان. لقد فقدتم تجاههم كلّ إحساس بالندم والحنان وعرفان الجميل. أنتم مثل خادم فرعون، تنهمون الخيرات التي أورثوكم وقد صنعوها بعرق جباههم. لقد تركتموهم يئنّون، مثل يوسف، في سجنهم المطهري. أين إذًا إيمانكم وضميركم وقلوبكم وذاكرتكم؟
يا ربّ، يا ربّ أصلح ما بنا من نسيان واعطِ أخوتنا المتألّمين المتروكين المجد والراحة الأبديّة.
مثال:
كاغانوس القائد البربري انتصر في إحدى المعارك على جيوش الأمبراطور البيزنطي موريس* وأسر عددًا كبيرًا من جيوشه، طلب المنتصر فدية من الأمبراطور مقابل تحرير أسره، فرفض موريس عرضه. فعاد وطلب فدية أقلّ فجابهه الأمبراطور بالرفض ثانية. عند ذلك أعمل كاغانوس السيف برقاب الأسرى البيزنطيّين، من شدّة غضبه.
مرّت أيّام قلائل على المجزرة، شاهد بعدها موريس رؤيا مخيفة: كانت جموع من العبيد مقيّدة بالسلاسل الثقيلة، تئنّ وتصرخ بالثأر منه بأصوات مرعبة. وإذا بالقاضي العادل يقول له بغضب: “أترغب القصاص في هذا العالم أم بالعالم الآخر؟” فأجاب موريس بحسرة كبيرة: “آه! يا ربّ، أفضّل عقاب هذا العالم”. إذًا وبسبب قساوتك تجاه جنودك البائسين الذي لم تفتديهم بمال زهيد يوم كنت قادرًا على ذلك، سيخلعك أحدهم عن عرشك وستسقط عظمتك وحياتك وتتبعك عائلتك إلى هذا الغور السحيق!
أيّام قلائل مضت على هذه الرؤيا عندما ثار جيش موريس عليه ونصّب مكانه القائد فوكاس. حاول موريس الفرار بواسطة قارب، غير أنّ أنصار فوكس ألقوا القبض عليه وقيّدوه بالسلاسل، وكأبّ بائس شاهد مقتل أبنائه الخمسة ومات شرّ ميتة فاقدًا شرفه.
أيّها المسيحيّ تمعّن بهذا النصّ جيّدًا فأمواتك ليسوا جنودًا بائسين إنّما هم أخوتك وأهلك الذين يئنّون في أسر العدالة الإلهيّة. فالله الرحوم يسألك، من أجل خلاصهم، الصلاة والمناولة والحسنة. هل أنت قاسي القلب ولامبالي لترفض هذا الطلب؟
لنصلِّ: يا ربّ، كيف أنسى من ارتبط بهم بروابط الحبّ والحنان والقربى؟ كيف أتخلّى عن أحبّائي في عذاباتهم المريرة؟ هؤلاء الذين منحنوني الحبّ والحنان والجهد في حياتهم بأعمالهم الحسنة تجاهي. سأصلّي من أجلهم كلّ أيّام حياتي وحتّى مماتي.
يا يسوع، كن عونًا لهم، وادع أبناءك وأخوتنا إلى ملكوتك! فليرقدوا بسلام إلى الأبد!