تعرّفوا على المكرّم ماتِيو فارينا – فتى آخر في طريق القداسة على مثال الطوباوي كارلو أكوتيس
"عميل سرّي" للمسيح
المكرّم ماتِيو فارينا
الفتى الذي أراد أن يكون “عميل سرّي” للمسيح.
كان ماتِيو فارينا صبيًا عاديًا في معظم النواحي، ومع ذلك، كان متميّزًا بنواحي أخرى. صبي يحب الرياضة والموسيقى والأصدقاء، لكنه أحبّ يسوع فوق كل شيء.
وُلد ماتِيو في جنوب إيطاليا عام 1990 ؛ كان لديه عائلة محبة ، وكان على علاقة خاصة جدًا بأخته الكبرى، إريكا. تلقّى تعليمه في الإيمان المسيحي على يد والديه ميكي وباولا، والرهبان الكبوشيين في كنيستهم الرعوية؛ كما شجعوا تعبّده للقديس البادري بيو، الراهب الكبوشي الذي عاش على بعد كيلومترات قليلة من مكان سكنى ماتيو.
في طفولته، كان ماتيو صبيًا هادئًا، أنيسًا وذكيًا، ويصفه العديد من أصدقائه بأنه “تجسّد الحلاوة”. أثناء وجوده في المدرسة الابتدائية، كان مفتونًا بالموضوعات الجديدة التي كان يكتشفها، والموسيقى التي يحب أن يعزفها، ومغامرة الإيمان. اكتشف ماتيو تدريجيًا سحر التفوّق، وكتب ذات مرة في دفتر يومياته: “آمل أن أدرك مهمتي كـ “عميل سري” بين الشباب، والتحدث إليهم عن الله”؛ أراد أن يصيب أصدقائه بـ “مرض الحب”.
أحبّ دراسة الكتاب المقدس (عندما كان يبلغ من العمر 9 سنوات قرأ إنجيل متى بأكمله أثناء الصوم الكبير)، وأن يصلي المسبحة الوردية. لقد غذى إيمانه بالصلاة اليومية وبجدول منتظم من التقوى والعبادة.
بداية رحلته مع المرض
في سن الثالثة عشرة، تم تشخيص ماتيو بسرطان الدماغ. خضع لأول عملية جراحية في هانوفر بألمانيا بعد رحلات عديدة إلى عدة مستشفيات إيطالية. بدأ في كتابة مذكراته حيث قال:
“أتمنى أن أنجح في منح الفرح والقوة للمحتاجين”. وكتب أيضًا أن مرضه: “المرض هو إحدى تلك المغامرات التي تغيّر حياتك وحياة الآخرين. يساعدك على أن تكون أقوى وأن تنمو، خاصة في الإيمان. هذا هو الجانب الجميل لهذه المغامرة: يبدو وكأنه حلم، لكنه حقيقي”.
عند عودته إلى البيت، استأنف ماتيو دراسته وهواياته، دون أن ينسى الفقراء: كان لديه صندوق نقود خاص للبعثات في موزمبيق وأقنع عائلته بالتخلي عن هدايا عيد الميلاد لصالح المحتاجين.
قال ماتِيو أنه شاهد البادري بيو في الحلم وقد أخبره أن سرّ السعادة هو في الابتعاد عن الخطيئة.
لسوء الحظ، عاوده المرض مرارًا؛ كان عليه أن يخضع للعلاج الكيميائي والإشعاعي، في كثير من الأحيان في مستشفيات بعيدة جدًا عن منزله. على الرغم من ذلك، واصل دراسته وكان مهتمًا بشكل خاص بالكيمياء، ليس لأباب علمية بحتة، بل لأنه في نظره، الكيمياء يعطي دليل رائع على قوة الله المُحِبّة والمُبدعة.
كان محبوبًا من قبل أصدقائه، على الرغم من سخريتهم منه أحيانًا بسبب إيمانه؛ لكنه لم يكن يهتم. كان يرغب في العمل بشكل أكثر فاعلية بصفة “عميل الله السرّي”. كتب في سن الخامسة عشرة: “أود الاندماج بشكل أفضل مع زملائي، لكن دون أن أجبر على تقليد أخطائهم. أرغب في المشاركة بعمق أكبر في مجموعاتهم، ولكن دون الحاجة إلى التخلّي عن مبادئي المسيحية. إنه صعب. صعب لكن ليس مستحيلاً “.
شاب مراهق كباقي الشباب
ومع ذلك، فقد بذل قصارى جهده ليكون فتى مثل الآخرين بقدر ما لا يتعارض مع إيمانه؛ على سبيل المثال، كان ماتِيو المغني في فرقة موسيقى الروك “No Name”. كان يحلم أحيانًا بمستقبله؛ فكر في أن يصبح كاهنًا، لكنه كان قلقًا من أن حالته الصحية غير المستقرة قد تمنع ذلك. في السابعة عشرة، التقى سيرينا، صديقته و “أجمل هدية يمكن أن أتلقّاها من الرب”. بدأ يتأمل في سر الحب البشري باعتباره انعكاسًا لمحبة الله. تجسّد حبّه لسيرينا في صورة المشي يداً بيد: كانت هذه أيقونة الزواج بالنسبة له، والحب الذي أصبح الرفقة والتعاون والمشاركة.
لكن مرضه عاد مرة أخرى، وفي عام 2009 خضع لعملية جراحية ثالثة، والتي أصابته بشلل جزئي. لقد فهم أن حياته قد تكون قصيرة، فكتب: “يجب أن نعيش كل يوم كما لو كان الأخير، لكن ليس في حزن الموت، بل في فرح الاستعداد للقاء الرب”. وقد وصل ذلك اللقاء، في ربيع عام 2009 حيث انتقل إلى الحياة مع يسوع وهو في الثامنة عشر من عمره.
يمكن للمرء أن يجد في العديد من المقتطفات من كتاباته شهادة على بساطة وقوة إيمانه. الإيمان الذي وصفه ماتِيو نفسه هكذا:
“الإيمان لا يعني أن نتوقع نعمة من الله. لا! الإيمان هو التمسك بالله لنشر كلمته. إنها الصلاة، لكي نتغذّى من طعامه، الذي سيساعدنا إلى الأبد ؛ الإيمان هو أن نلتزم باتباع خطط الله بأفضل طريقة ممكنة؛ هو أن نحني الرأس للأسفل دون أن نرفعه بفخر؛ هو أن نفعل الخير في صمت وأن نتأمّل في الشرّ الذي فعلناه “.
إيمانه والمرض
لكن لا ينبغي لأحد أن يعتقد أن كل شيء كان سهلاً لماتيو. فقد كتب عن مواجهة المرض والمعاناة:
“في يوم، تلعب مع أصدقائك، تضحك وتكون سعيدًا. ثم يأتي فجأة: مرض، ألم. بدون أن تدرك ذلك، ستغرق في عالم ليس عالمك. يبدو مستحيلاً، كشيء يحدث فقط في الأفلام.
ثم تعود: الرب عظيم يا لها من سعادة! تعتقد أنك شُفيت، لكن بعد قليل تعاني من جديد. لا يمكنك تصديق ذلك. تشعر بثقل المواجهة. بشكل غير متوقع، بعد أن كنت قد أضعت نهارك في الحزن، تقابل كاهنًا متواضعًا، بسيطًا ولكنه حكيم. تحت إشرافه تتعانق مع الله من جديد.
تجد الفرح والأمل مرة أخرى. تعود إلى المنزل، بين الأصدقاء والعائلة ، وكل شيء يسير بشكل رائع ونحو الأفضل. لا يستطيع الأطباء شرح تحسّنك، لكن أنت تستطيع، فتضحك … تود أن تصرخ للعالم أنك ستفعل أي شيء لمخلّصك، وأنك مستعد أن تعاني من أجل خلاص النفوس، والموت من أجله. بالمعاناة لديك إمكانية أن تظهر له حبك (للمسيح)“.
تفوّق ماتِيو بطريقة بطولية في السنوات الست الأخيرة من حياته التي تميزت بالمعاناة الناجمة عن ورم في المخ. تجربة المرض، التي هي بالنسبة للطبيعة البشرية مصدر مرارة ويأس، كانت لماتِيو فرصة مميزة ليعيش إيمانه بفرح وتخلّي وثقة بالله الآب ومشاريعه من أجله، مما غذّى رغبته في إسعاد الآخرين وإعطاء المجد لله“
عندما اشتدّ عليه الألم، كتب يحادث نفسه:
“هل تخلّى الله عنك؟ لا. في الصمت والهدوء هو إلى جانبك، يمسح دموعك ويحملك بين ذراعيه، يأويك هناك حتى تعود مجدّدًا إلى حالتك الجيدة.
سوف تتألّق في حبّه من جديد، تُداعب، تبتسم، مساهمتك الصغيرة في مساعدة أولئك الذين، مثلك، محتاجين، أو متعبين؛ احضِرهم الى الله. سوف يقومون بدورهم، مع ربنا، إلى حياة الحب”.
تبحث الكنيسة في دعوى تطويب ماتِيو فارينا، التي وصلت إلى خطوة مهمة هذا الشهر، بعد أن أعلنه البابا فرنسيس مكرّمًا (المرحلة التي تسبق التطويب) في أيار 2020.