لم يكن يعترف بوجود الشيطان الى أن وصل الى ساحة بيت المكرّمة مارت روبين وكاد يموت رعباً
في السبعينيات من القرن الماضي، وصل رجل إلى الدار الأعمال الخيرية ببلدية شاتونوف دي جالور (Foyer de Charité de Châteauneuf-de-Galaure) للقيام برياضة روحية هناك لمدة خمسة أيام. في ذلك الوقت، أدار الرياضة الأب فينيه Finet، أحد مؤسِّسي الدار والأب الروحي ومرشد المكرّمة مارت روبين Marthe Robin، وكان الأب فينيه بارعًا في فن الحديث إلى المشاركين في الرياضة الروحية وفي كسب قلوبهم تجاه المسيح.
في ذلك الخميس، وهو اليوم الثالث من الرياضة الروحية، صرّح هذا الرجل للأب فينيه بأن رواياته عن الشيطان باتت قديمة لأن الشيطان لا وجود له. لماذا يتم طرح معتقدات قديمة من العصور الوسطى؟ ابتسم له الأب فينيه ولم يحاول إقناعه. فهو يعرف أن الكلمات ستظل حبرًا على ورق بالنسبة لهذا الفرنسي الواثق جدًّا من نفسه، المتشبع بتلك الأفكار المدمرة التي تشرّبتها فرنسا منذ «عصر الظلام» الشهير الذي كان يُطلَق عليه خطأً «عصر التنوير». وقال له: « تعالَ معي عند مارت روبين ! هذا المساء، سوف تعيش مجدَّدًا عذابات المسيح وعليَّ أن أصلّي لأجلها في هذه الساعة الحاسمة. إعلم أني بهذا أُسدي لك معروفًا!»
كان الرجل سعيدًا للغاية. فقد سمع عن أمور غير عادية عن مارت، وهذا المعروف غير المنتظَر من إمكانية الاقتراب منها جعله مبتهجًا! ركب السيارة الصغيرة الخاصة بالأب فينيه وها هما الاثنان قد انطلقا على الطرق الحجرية للتلال البرية بإقليم دروم Drôme. خلال العشر دقائق التي استغرقها الطريق، كان الحوار شبه منعدم. كان الأب يشق الطريق بسرعة وهو يتفادى الحُفَر؛ يبدو ذهنه غير حاضر، لا شك أنه كان مشغولاً بالسر العميق للغاية الذي سوف يكون محظوظًا بأن يكون شاهدًا عليه مجدَّدًا. أمّا الرجل، فكان مشغولاً بالتشبث بكرسيه في المنحنيات أكثر منه بالتركيز على ما كان ينتظره عند مرتا.
ما كادت السيارة تتوقف في ساحة المزرعة (بيت مارت الصغير) حتى ساءت الأجواء. كان يُسمَع صوت ضجيج يصم الآذان! استقبلهم ضجيج جهنمي، قهقهات فظيعة، صراخ حيوانات، عواء لا يمكن تحمّله. ظل الأب في قمة الهدوء. فقد اعتاد على هذا! همس فقط لشريكه قائلاً:
– «هذا هو الشيطان! إنه يظهر دائمًا قبل عذابات مارت ليمنعها من قول نعم، لا تقلق!»
غير أن الرجل ارتعدت فرائصه وتجمد الدم في عروقه… لم يفكر إلا في الهرب لأنه تملّكه رعب قاتل.
قال للأب فينيه بنبرة متوسلة: «فلنذهب من هنا أرجوك! حسنًا، حسنًا! فهمت! الشيطان حقيقي! فلنذهب سريعًا!»
– «إذن سمعته بأذنيك! كان هذا ضروريًّا كي تفهم أن الشيطان موجود وأنه حقيقة بالفعل…»
أثناء رياضاته الروحية، كان الأب فينيه يحكي دائمًا هذه الحادثة التي لا تُنسَى. وكان لها أثر على المشاركين في الرياضة الروحية. اليوم، حتى عند الكاثوليك، يبتسمون بتكبّر أمام هؤلاء “المتخلفين المساكين” الذين يتجرؤون على القول بوجود الشيطان وبأنه يعمل على ضياعنا. آه لو كنا ندري!
( مارت روبين متصوّفة ونفس مضحيّة فرنسية من القرن العشرين حملت سمات المسيح، تدرس الكنيسة ملف تطويبها وقد أعلنها البابا فرنسيس “مكرّمة” عام 2014).