الهرّ أوّلاً ثمّ الحليب! أسلوب القديس يوسف الظريف في تلبية احتياجات الذين يلتمسونه
لدى القديس يوسف الكثير من النعم المخزّنة. ويسعده أن يدعم من يستنجد به بمودّة وثقة، فهو حنون جدّاً، ينهار كولد أمام قلب واثق. وهو ظريف للغاية ويحب استخدام وسائل غير اعتيادية في تلبية طلبات من يأتي اليه مستنجداً.
مثال على ذلك حدث خلال الحرب العالمية الثانية، كانت راهبات بولونيات يشرفن على ميتم في فرصوفيا. وكان الشعب شديد الفقر وعشن الراهبات من تدبير العناية الإلهية. ذات يوم، فُقِد الحليب وهدّد هذا الأمر صحّة الأيتام بشكل خطير. ما العمل؟
في هذه الحالة من العوَز، طلبت الأمّ الرئيسة الى الطاهية، الأخت إيفا، أن تكتب عريضة للقديس يوسف وتضعها خلف أيقونته، وفقاً للتقليد المتّبع في الجمعيّة. غير أنّ الأخت إيفا عانت الإرتباك أمام الورقة البيضاء من أجل رسم صورة الحليب الأبيض أيضاً. ولكنّها قامت على كل حال بما تستطيع.
في الغد، دقّ باب الدير رجل من المدينة وأراد أن يسلّم على الراهبات وأن يقدّم لهنّ هديّة. ففرحن لإمكانية وصول الحليب! غير أن دهشتهنّ وخيبتهنّ كانتا كبيرتين عندما رأين الزائر يهديهنّ هرّاً صغيراً… يا لغرابة هذه الهديّة!
وسألهنّ الزائر:
– هل لديكنّ حاجات خصوصيّة؟
– أجل، لا سيّما الحليب. أجابت الراهبات بصوت واحد.
– الحليب؟ هتف الزائر، – لديّ الكثير منه! سأجلب منه لكنّ بسرعة!
جرى تسليم الحليب في اليوم نفسه. غير أن بال رئيسة الدير بقي مشغولاً بقصّة الهرّ. وسألت الراهبة إيفا أن تريها العريضة التي قدّمتها الى القديس يوسف. وحين رأت العريضة، انفجرت ضاحكة. بالفعل، رسمت الأخت إيفا هرّاً يلعق من قصعة حليب! نفّذ القدّيس يوسف ما طُلب منه بطيبة لا تخلو من الظرافة وخفّة الدمّ: قدّم أوّلاً الهرّ ثمّ أضاف إليه الحليب!
وهذه حكاية أخرى عن قوّة وتأثير القديس يوسف: كيم صبية في 23 من العمر بعيدة كل البعد عن الإيمان ولا تولي أي اهتمام لله. عرض عليها والدها صفقة: القيام برحلة الى مديوغوريه، لا للحجّ، بل من أجل مرافقة عائلة صديقة الى هناك وتولّي رعاية أولادهم الثلاثة الصغار، باعتبار أنّ كيم مولعة بالأطفال. وقد وجد والديها هذه الوسيلة من أجل دفعها، أقلّه بضعة أيام، للعيش في أجواء مديوغوريه. وكانا في أقاصي بلادهما كاليفورنيا، يصلّيان كي يرقّ قلب ابنتهما في واحة السلام هذه.
في آخر يوم من الحجّ الى مديوغوريه، أعلنت كيم بدون مقدّمات لأصدقائها: “سررت برعاية الأطفال وفرحت لرؤيتكم تفيدون من إقامتكم هنا، لكنّني أيضاً أودّ الإفادة قليلاً من مديوغوريه، هل يمكنني تغيير موعد عودتي؟ يمكنني البقاء لأسبوع أو أسبوعين، وأودّ التعرّف أكثر الى هذا المكان الذي يبدو لي مميّزاً جدّاً…”
لم تستطع كيم أن تشارك مع أصدقائها بأي شيء البتّة، لا قدّاس ولا صعود التلال ولا اللقاء مع الشهود. تعتيم تام! لماذا تريد البقاء؟ هنا نلامس سر العذراء، وفنّ أمّ تعرف كيف تعبر الى قلب ابنتها من خلال ثغرة صغيرة بقيت مفتوحة…
تروي الراهبة إيمانويل مايار انضمام كيم الى بيت أولاد مريم الذي تقوم بأدارته:
“طلب دافيد رئيس الفريق مني أن أخذ كيم لبضعة أيام الى بيتنا، فوافقت على الفور. ومذاك، جرى استبدال بطاقة العودة في الطائرة ثلاث مرات! والآن، بعد سنة، باتت لاغية! لقد غاصت كيم في نعمة مديوغوريه لدرجة أنها لم تعد تودّ المغادرة بدون الحصول على إشارة داخلية واضحة من العذراء، حين يحين الموعد، موعد الله معها.
قلبها مفتوح على مصراعيه. ومن محطّة الى أخرى، كان كل شيء يدهشها، مثل عروس صغيرة تكتشف سعيدة خصالاً جديدة في عريسها وتستمتع بالعيش معه. من اكتشافها ، التأثير الملموس للقديسين والملائكة الحرّاس على حياتنا اليومية، التي أثار إعجابها ولن أنسى كيم المرّة الأولى التي غمر فيها حنان مار يوسف قلبها.
في ذلك الصباح، وصلت كيم وكريساي (مساعدة الأخت إيمانويل) الى صلاة الصباح مغتاظتين. في الواقع لا نشتري في البيت بعض السلع لأنها غالية الثمن ولكون القديس يوسف يتكفّل بتأمينها بنفسه! وزيت الزيتون هو إحدى تلك السلع. وكنّا نفتقر إليه لوجبة الظهر – وهي وجبة العيد التي ينبغي الإعتناء بها احتفاءً بضيوفنا.
قامتا كريساي وكيم بمحاولة لكسر القاعدة استثنائياً، غير أن جوابي خيّب أملهما: “زيت الزيتون؟ لا مشكلة، سوف نصلّي للقديس يوسف، فهو يرى حاجاتنا جيّداً!” شكّل هذا الإتّصال السماوي بالنسبة لكيم، أمراً خيالياً جداً. وانزلقت من فمها كلمة “آمين” عندما وجّهنا مثل كل صباح، الى القديس يوسف طلباتنا وسائر حاجاتنا الضرورية ومنها الزيت.
وبعد صلاة الصباح، كانت القهوة الساخنة تنتظرنا في المطبخ، ولكنها لم تكن وحيدة! كانت هناك زجاجة جميلة من الزيت الإيطالي موضوعة خلف باب المدخل مع الكلمة التالية المكتوبة على عجل: “لا نريد أن نخربط صلاتكم، سوف نعود بعد حين! أصدقاؤكم في فيرونا”.
حيال الصدمة، أضطرّت كيم للجلوس. كانت تهزّ رأسها، غير عالمة إذا كان عليها أن تضحك أم تبكي.
قالت لي في آخر الأمر: “تعلمين، في الولايات المتّحدّة، لا علم لنا بهذا، لا نعلم شيئاً من كل هذه! ليت الناس يعلمون! لا فكرة لدينا البتّة عن ماهيّة العيش مع الله!”
لا بدّ من الإعتراف بأن القدّيس يوسف، في ذلك النهار، حصل على تذكرة سفر مع كيم. فقد فتح لها سرّ الإتّحاد الرائع مع القديسين… من خلال زيت الزيتون!”