العلاقة الوثيقة والمدهشة بين ظهورات الرحمة الإلهية وفاطيما والأمور المشتركة بين القديسة فوستينا ولوسيا
اختارت السيدة العذراء أن تظهر في فاطيما عام 1917 في اليوم ال-13 من شهر آيار وحتى تشرين الأول، لتُنبّه العالم للحاجة الى التوبة، التكفير عن الذنوب ولتحذّر من حرباً عالمية ثانية أفظع من الأولى.
في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، أعطى الرب يسوع رسالة ذات صلة إلى الراهبة البولندية القديسة فوستينا كوالسكا. في 13 أيلول عام 1935، تلقّت فوستينا رؤية في خلية ديرها. على غرار الرؤيا السابقة التي أعطيت لأطفال فاطيما، شاهدت فوستينا ملاكاً مستعداً لتنفيذ غضب الله وإنزال العقاب على البشرية. توسّلت فوستينا بحرارة الى الملاك أن يتمهّل قليلاً قبل إنزال العقاب الرهيب على العالم. ومن ثم رأت الثالوث الأقدس. كان ذلك في اليوم ال13 من الشهر أن كشف الرب يسوع عن صلاة الرحمة الإلهية المعروفة باسم مسبحة الرحمة. بحسب ما كتبت القديسة فوستينا في يومياتها:
في اليوم التالي، الجمعة 13 أيلول، 1935
474 – عند المساء لمّا كنت في حجرتي، رأيت ملاكاً منفّذ غضب الله. كان مجلبباً بثياب مُبهِرَة ماشياً على الغمام ووجهه يشعّ بالمجد. وانطلقت من الغمام، بين يديه، أسهم رعد وشعاعات برق وتوجّهت من يديه نحو الأرض فقط، لتصعقها. لمّا رأيت علامة غضب الله هذه على وَشَك أن يضرب الأرض، في مكان محدّد، لا أستطيع تسمّيته لأسباب مُحقّة، رحتُ أتوسل إلى الملاك أن يتمهّل قليلاً فيتوب العالم. لكن لم يكن توسُّلي شيئاً أمام الغضب الإلهي. حينئذ رأيت الثالوث الأقدس. إخترقتني عظمة جلاله ولم أجرأ أن أكرّر توسّلاتي. في هذا الوقت بالذات، شعرتُ في داخلي بقوّة نعمة يسوع التي تقطن في نفسي. لمّا تنبّهت إلى هذه النعمة خُطفتُ أمام عرش الله. آه! كم هو عظيم وصف هذه العظمة لأننا قريباً سنراه كما هو. وجدتُّ نفسي متوسّلة إلى الله عن العالم بكلمات سمعتها في داخلي.
وبينما أنا أصلّي على هذا الحال، رأيت عجز الملاك: لم يستطع تنفيذ القصاص الذي كان مقرّراً للخطأة – لم يسبق أبداً أن صليت بمثل هذه القوّة الداخليّة.
475 – توسّلت إلى الله بهذه الكلمات: “أيها الآب السماوي، أقدّم لك جسد ودم ونفس وألوهيّة إبنك الحبيب، ربنا يسوع المسيح، من أجل خطايانا ومن أجل خطايا كل العالم. فارحمنا، بحقّ آلامه المليئة حزناً“.
476 – في صباح اليوم التالي لمّا دخلت الكنيسة سمعتُ في داخلي هذه الكلمات: “كل مرّة تدخلين الكنيسة، إتلي فوراً الصلاة التي علّمتُكِ إياها نهار أمس“. لمّا تلوت الصلاة سمعت أيضاً في داخلي هذه الكلمات: “هذه الصلاة تساهم في إخماد غضبي. ستصلّينها لمدّة تسعة أيام على حبّات المسبحة بهذا الشكل: أولاً تصلّين “الأبانا” و“السلام” و “فعل الإيمان” مرّة واحدة، ثمّ على حبّات “الأبانا” تقولين الكلمات التالية: “أيها الآب الأزلي، أقدّم لك جسد ودمّ ونفس وألوهيّة إبنك الوحيد، ربنا يسوع المسيح تكفيراً عن خطايانا وعن خطايا كل العالم“، و على حبّات “السلام” تقولين الكلمات التالية: “بحق آلامه المليئة أحزاناً، إرحمنا وارحم العالم كلّه“. وفي الختام تقولين هذه الكلمات ثلاث مرّات: “قدّوس أنت يا الله، قدّوس أنت أيها القويّ، قدّوس يا من لا يموت، إرحمنا وارحم العالم كلّه“.
الرائية لوسيا كانت لها أيضاً رؤيا الملاك المستعد لتنفيذ غضب الله وإنزال العقاب على الأرض. وبعدها بسنوات شاهدت الثالوث الأقدس برؤيا. كتبت الأخت لوسيا عن ذلك عندما تحدّثت عن سر فاطيما الثالث:
رأينا إلى جانب سيّدتنا الأيسر، وقليلاً نحو الأعلى، ملاكاً يحمل بيده اليسرى سيفاً من نار، وكان هذا السيّف يلمع ويرسل شُهُب نار مُعَدّة، على ما يبدو، لتُحرق العالم، ولكنّها كانت تنطفئ لدى ملامستها البهاء الذي كان ينبعث من يد سيّدتنا اليمنى في اتجاه الملاك. والملاك الذي كان يشير بيده اليمنى إلى الأرض، قال بصوت قويّ: توبوا! توبوا! توبوا!
في اليوم ال 13 من حزيران عام 1929، تلقّت لوسيا هذه الرؤية عن الثالوث الأقدس حينما كانت تؤدّي ساعة السجود المقدسة:
فجأةً أُضيئت كلّ أرجاء الكنيسة بنورٍ فائق الطبيعة، وظهر صليبٌ من نور فوق المذبح يلامس السقف في وسط نورٍ ساطع في الجزء الأعلى من الصليب، يمكن مشاهدة وجه رجلٍ وجسمه حتى وسطه، وعلى صدره ما يشبه حمامةً من نور، وعلى الصليب جسم رجلٍ آخر مسمّرًا (الثالوث الأقدس). فوق خصر المصلوب تقريبًا، رأيتُ كأسًا وقطعة قربانٍ كبيرةٍ، معلّقتان في الهواء. وفي الكأس تتساقط قطرات دم من وجه يسوع المصلوب ومن جرح جنبه. كانت هذه القطرات تمرّ على القربان أوّلًا ثمّ تملأ الكأس ثانيةً.
كانت سيّدتنا العذراء تقف تحت الصليب من جهة اليمين، إنّها سيّدة فاطيما! تحمل قلبها الطاهر في يدها اليسرى! كان قلبها من دون سيفٍ أو ورودٍ. لكن مكلّلاً بتاجٍ من شوك وألهبة نيران. تحت ذراع الصليب اليمنى، أحرفٍ ضخمة كأنّها من الكريستال الشفاف كانت تهبط الى المذبح، تؤلّف هذه الأحرف، كلمتا: نِعمٌ ورحمة. فهمت أنّني شاهدت سرّ الثالوث الأقدس، وقد تلقّيت أنورًا حيال هذا السّر، لم يُسمح لي أن أكشفها.
وقالت العذراء لي: قد أتت الساعة، حين يطلب الله من الأب الأقدس بالاتحاد مع أساقفة العالم، تكريس روسيا لقلبي الطاهر، واعدًا أن يخلّصها بهذه الطريقة.
من خلال رؤيا لوسيا، سعت السيدة العذراء الى إعادة طلبها بتكريس روسيا لقلبها الطاهر. رأت لوسيا الدم والماء يتدفّقان من جنب المسيح، صورة مماثلة لرؤيا الرحمة الإلهية التي كُشِفت لاحقاً للقديسة فوستينا. هل الأنوار التي تلقّتها لوسيا حيال هذا السر هو ما أعطيِ لاحقاً لفوستينا؟
فوستينا ولوسيا عاشتا في نفس الزمن، وقد أعطيَت كل منهما نشر نفس الرسالة، وإن كانت بهيئة مختلفة. في حين أعطت السيدة العذراء للوسيا تحذيراً عن العقاب الإلهي والحاجة الى التوبة، جاء الرب يسوع الى القديسة فوستينا وأطلعها على سرّ رحمته مشجّعاً النفوس الى طلب رحمته كملاذٍ أخير قبل يوم العدل. قبل أن أظهر في يوم الدينونة كدّيان عادل ، سأفتح واسعة أبواب رحمتي . من لا يريد أن يـمرّ بأبواب رحمتي ينبغي أن يـمرّ بأبواب عدالتـي.
هناك أيضاً تشابه في الصلوات التي أعطِيت للراهبتين. صلاة الملاك التي لقّنها للرعاة الصغار تقول:
«أيها الثالوث الأقدس- الأب والأبن والروح القدس، أنا اعبدك من اعماقي وأقدم لك جسد ودم وروح يسوع المسيح الثمين ولاهوته الحاضر في كل كؤوس القربان المقدس في العالم، لإصلاح الإساءات وتدنيس المقدسات واللامبالاة التي تغضبك. وبواسطة الفضائل غير المحدودة لقلبه الأقدس وقلب مريم الطاهر، أتوسل اليك لهداية الخطأة المساكين».
وصلاة الرحمة الإلهية المعطاة للقديسة فوستينا:
“أيها الآب الأزلي، أقدّم لك جسد ودم ونفس وألوهيّة ابنك الحبيب، ربنا يسوع المسيح، من أجل خطايانا ومن أجل خطايا كل العالم. فارحمنا، بحقّ آلامه المليئة حزناً”.
ليتنا نلبي النداء السماوي الذي كشفه الله لكل من فوستينا ولوسيا ونسعى جاهدين في الصلاة والتوبة خلال هذه الأزمنة الشريرة التي نعيشها اليوم، وخاصة لحماية أوطاننا ولخلاص النفوس.