قصص وأحداث

تفاصيل يتفطّر لها القلب عن إحدى عظائم معجزات يسوع لم يذكرها الإنجيل المقدّس

من قصيدة الإله الإنسان - الإنجيل كما أوحي به لماريا فالتورتا

شفاء الأبرص في عين جدي
الإنجيل كما أوحي به لماريا فالتورتا

ذات مساء، وصل الرب يسوع المسيح وتلاميذه إلى بلدة عين جدي، التي تقع بالقرب من البحر الميت.
سارع أهالي البلدة الهادئة إلى الساعة العامة ليستمعوا إليه، وكان بعضهم قد شاهده من قبل في أورشليم، والكثيرون سمعوا عن رابي الجليل، المسيا الموعود، وجاءوا ليروا صانع العجائب ويستمعوا لتعاليمه ويطلبوا منه شفاء مرضاهم.

على رأسهم رئيس مجمع عين جدي، أبرهام، الذي ما أن وقعت عيناه على يسوع حتى أسرع ليسجد له متّكئًا على عصاه لكن يسوع يمنعه ويشرع بعناقه قائلاً: «السلام لخادم الله العجوز والبارّ!» والآخر، وقد تنامى تأثّره، لا يعرف بما يجيب: «المجد لله! عيناي شاهدتا الموعود! وماذا يمكنني أن أطلب أكثر مِن الله؟» ورافعاً ذراعيه في وضعيّة طقسيّة، يصدح بمزمور داوود (39): «”انتظرتُ الربّ بقلق، وهو التفت إليَّ”.»

… أمّا أنتَ، يا ربّ، فلا تُبعِد رحمتك عنّي…
لقد أحاطت بي شرور لا عدد لها… (ويبكي بحقّ، وهو يقول الكلمات بصوت جَعَلَتها العبرات بأكثر شيخوخة وأكثر ارتعاشاً).
أنا مستجدٍ ومعوز، ولكنّ الربّ يهتمّ بي. أنتَ عَوني وحافِظي، يا إلهي، فلا تُبطئ!…”

هذا هو المزمور، يا ربّي، وأنا أضيف مِن جهتي: “قُل لي: ’تعال‘، وأقول لكَ ما جاء في المزمور: ’ها أنا ذا آتٍ!‘”.»

يصمت ويبكي وكلّ إيمانه في عينيه اللتين غشّتهما السنون.
يشرح الناس: «لقد فقد ابنته التي تركت له أولادها الصغار. وامرأته أصبحت عمياء ومعتوهة على أثر آلام كثيرة، ولم يعد يُعرَف شيء عن ابنهما الوحيد أليشع. لقد اختفى هكذا، بين ليلة وضحاها…»

في الليلة عينها أعاد الرب يسوع النظر وصحة العقل لزوجة أبراهام التي أسرعت لتقدّم له الشكر.
في مساء الليلة التالية، سار بعض رجال القرية وأبراهام مع يسوع والرسل الذين أرادوا إكمال المسير نحو مسادة. لكن أبراهام قادهم نحو الجبال حيث يستتر أليشع ابنه. كان قد أخفاه عن أعين الجميع بعد أن أصابه البرص.

«… قبل عدة سنوات، تسلّط عليَّ أعظم ألم يمكن لأب أن يتحمّله… عندما فُرض عليَّ أن أقود حيّاً إلى أحد القبور… والقول له… والقول له… “ابقَ هنا ما دامت حياتكَ… وفَكّر أنّه إذا كان حُبّ ملاطفات الأُمّ أو سبب آخر يدفعكَ صوب البيوت، سيكون لزاماً عليَّ أن ألعنكَ، أن أضربكَ أوّل الناس، أن أنفيكَ إلى مكان لا يستطيع فيه حتّى حبّي الحزين أن يسعفكَ”.

وعندما أُرغَمتُ على فِعل ذلك، فقد تعلّقتُ أكثر بالإيمان بالله، مخلّص مخلّصه، قائلاً لذاتي ولابني… لابني الأبرص… هل تسمعون؟ الأبرص… قائلاً… “فلنحنِ رؤوسنا لمشيئة الربّ ولنؤمن بمسيحه! أنا إبراهيم… أنتَ إسحق، المضحَّى به بالمرض، لا بالنار، فلنقدّم ألمنا لننال المعجزة…”

وفي كلّ شهر، في كلّ إطلالة قمر جديد… بقدومي هنا بالخفية، محمَّلاً بالطعام… بالثياب… وبالحبّ… كان ينبغي لي أن أضع كلّ ذلك بعيداً عن وَلَدي… لأنّه كان لزاماً عليَّ أن أعود إليكم…يا أبنائي… وإلى زوجتي العمياء، زوجتي البلهاء، التي جَعَلَها الألم الرهيب عمياء وبلهاء.

العودة إلى بيتي الذي كان قد خلا مِن الأولاد… خلا مِن سلام حبّ متبادل واعٍ… إلى مجمعي والتحدّث فيه عن الله، وعن عظائمه… عن جمالاته المنتشرة في خليقته… وبين عينيّ رؤية ابني وقد تأكّله المرض… ولم يكن بإمكاني حتّى الدفاع عنه عندما كنتُ أسمع النمائم المهينة له، باعتباره ناكراً للجميل، مجرماً هارباً مِن البيت… وفي كلّ شهر كنتُ أقول، وأنا أقوم برحلة الأب هذه إلى قبر ابنه الحيّ، إليه، لمساندة قلبه، كنتُ أُردّد: “ماسيّا موجود. سيأتي. سوف يشفيكَ…”

في العام الماضي، في زمن الفصح في أورشليم، كنتُ أبحث عنكَ في المدّة القصيرة التي كنتُ أبقى فيها بعيداً عن زوجتي العمياء، وقيل لي: “هو موجود فعلاً. كان هنا في الأمس. لقد شفى حتّى بعض البرص. إنّه يجول في فلسطين، شافياً، مواسياً، ومعلّماً.” آه! عُدتُ مسرعاً لدرجة أنّني كنتُ أبدو شابّاً ذاهباً إلى العرس! حتّى إنّني لم أتوقّف في عين جدي، ولكنّني أتيتُ إلى هنا، وناديتُ على ولدي، ابني، سُلالتي التي تموت، قائلاً له: “سوف يأتي!”

يا ربّ… لقد عملتَ كلّ أشكال الخير في بلدتنا. إنّكَ تمضي دون أن تترك خلفكَ مَن لا يزال مريضاً…لقد باركتَ فيها حتّى الأشجار والحيوانات… أفلا تشأ… وقد شَفَيتَ زوجتي، أن ترحم ثمرة أحشائها؟ ابن للأمّ! أعد ابناً للأمّ، أنتَ، الابن الكامل لأُمّ كلّ نعمة! باسم أُمّكَ، ارحمني، ارحمنا!»

يبكي الجميع مع العجوز، الذي كانت كلماته مؤثّرة يتفطّر لها القلب
يضمّه يسوع بين ذراعيه بينما هو يبكي ويقول له: «كُفّ عن البكاء! هيّا بنا نجد أليشعكَ. فإيمانكَ وبرّكَ ورجاؤكَ تستحقّ ذلك وأكثر. لا تبكِ، أيّها الأب! ولا نتأخّرنّ أكثر في تحرير خليقة مِن الهَلَع.»

«القمر يميل، الـمَسلَك صعب. ألا يمكننا انتظار الفجر؟» يقول البعض.

«لا. النباتات الراتنجية كثيرة حولنا. اقطفوا منها بعض الأغصان، أشعلوها، وهيّا بنا». يأمر يسوع.

يتابعون الصعود عبر درب ضيّق وصعب. تحسبه قاع مجرى مائيّ مؤقّت جافّ. المشاعل تزفر مدخّنة حمراء ناشرة رائحة راتنج قويّة في الهواء.

كهف ذو فتحة ضيّقة، يكاد يكون متخفّياً خلف نباتات وفيرة نبتت على حافّة نبع، يبدو فيما بعد هضبة ضيّقة قُطعت مِن منتصفها بصدع فيه ينسكب النبع.

«هنا يقيم أليشع، منذ سنوات… في انتظار الموت أو نعمة الله». يقول العجوز بصوت خافت، مشيراً إلى الكهف.

«نادِ ولدكَ، شجّعه. لا يخف، بل فليؤمن.»

ينادي أبراهام بصوت مرتفع: «أليشع! أليشع! يا بني!» ويكرّر النداء، مرتجفاً خوفاً بسبب الصمت الذي وحده يجيبه.

«أيُحتمل أن يكون قد مات؟» يقول البعض.

«لا! يموت، الآن، لا! في نهاية عذابه! دون لحظة فرح، لا! آه! يا ولدي!» يئنّ الأب…

«لا تبكِ. ناده مرّة أخرى.»

«أليشع! أليشع! لماذا لا تجيب؟»

«أبي! يا أبي! لماذا تأتي في غير الأوان المعتاد؟ قد تكون ماتت أُمّي، وأتيتَ لـ…» والصوت البعيد في البداية، اقترب، وشبح يُبعد الأغصان التي تُغلِق المدخل. شبح رهيب، هيكل عظميّ، شبه عار، وقد استبدّ به البرص… وإذ يرى الكثير مِن الناس مع المشاعل والعصيّ، لستُ أدري ماذا يتصوّر، ويتراجع صارخاً: «لماذا خنتني، يا أبي؟ لم أخرج مِن هنا أبداً… لماذا أتيتَ بالناس ليرجموني؟!» ويبتعد الصوت، ولم يبقَ مِن ذكرى ما ظَهَر سوى أغصان تتحرّك.

«شجِّعه! قل له إنّ المخلّص هنا!» يحثّه يسوع. ولكنّ الرجل لم يعد يمتلك القدرة… يبكي حزيناً…

يسوع هو الذي يتكلّم: «يا ابن أبراهام وأبي السماوات، اسمع. ما كان أبوك البارّ يتنبّأ به لكَ يتمّ. المخلّص هنا، ومعه أصدقاؤكَ مِن عين جدي ورُسُل ماسيّا، أتوا ليَفرَحوا بقيامتكَ. تعال دون خوف! اقترب حتّى الصّدع، وأنا سآتي أيضاً وسألمسكَ فتطهر. تعال دون خوف إلى الربّ الذي يحبّكَ!»

تتباعد الأغصان ثانية ويَنظُر الأبرص المذعور إلى الخارج. ينظر إلى يسوع، الشكل الأبيض الذي يسير على عشب الهضبة، والذي يقف عند الصدع… يَنظُر إلى الآخرين… وبشكل خاصّ إلى أبيه العجوز الذي يتبع يسوع كالمسحور، ذراعاه ممدودتان، ونظره مثبّت على وجه الابن الأبرص. يتقدّم، واثقاً. يعرج بشدّة بسبب جراح قدميه… يمدّ ذراعيه بيدين متآكلتين… يأتي مقابل يسوع… يَنظُر إليه… يمدّ يسوع يديه البديعتين، يرفع نظره إلى السماء، يستجمع، يبدو مستجمعاً فيه كلّ أنوار النجوم التي لا تُحصى، ويعكس الروعة فائقة النقاء على البشرات القَذِرة، النتنة، المتساقطة أشلاء، التي تُظهِرها المشاعل، التي جُعِلت تتضرم لإعطاء المزيد مِن النور، بأكثر رهبة في الضوء الأحمر للأغصان المشتعلة.

ينحني يسوع على الصّدع، ويلمس بأطراف أصابعه أطراف أصابع الأبرص ويقول: «أريد!» ويقول ذلك بابتسامة لا يمكن وصف جمالها. يكرّر: «أريد!» مرّتين أُخريين. يصلّي ويأمر بهذه العبارة…

ثمّ يبتعد، يرجع خطوة، فاتحاً ذراعيه على شكل صليب، ويقول: «عندما تتطهّر، اكرز بالربّ، لأنّكَ تخصّه. تذكّر أنّ الله أحبّكَ لأنّكَ كنتَ إسرائيليّا صالحاً وابناً صالحاً. ولتكن لكَ زوجة وأولاد واجعلهم ينمون مِن أجل الربّ. ها قد تلاشت مرارتكَ شديدة المرارة. بارك الله وكن مغتبطاً!»

ثمّ يستدير ويقول: «أنتم، مع مشاعلكم، تقدّموا وانظروا ماذا يمكن للربّ أن يفعل للذين يستحقّون.»

يخفض ذراعيه، اللتين وهما مفتوحتان هكذا والمغلّفتان بمعطفه، كانتا تحجبان رؤية الأبرص، ويتنحّى.

الصرخة الأولى كانت مِن العجوز الذي جثا خلف يسوع: «بنيّ! بنيّ! بنيّ كما كنتَ في العشرين! جميلاً كما آنذاك! سليماً كما حينذاك! جميلاً، آه! أجمل مِن ذلك الحين!… آه! لوح خشبيّ، غصن، أيّ شيء للوصول إليكَ!» ويوشِك على الاندفاع.

ولكنّ يسوع يمسكه: «لا! لا تجعلنّكَ الفرحة تنتهك الشريعة. عليه أوّلاً التطهّر! انظر إليه! قبّله بالعينين والقلب، كن قويّاً الآن كما كنتَ خلال أعوام كثيرة. وكن مسروراً».

بالفعل هي معجزة كاملة. ليست شفاء فقط، بل إعادة بناء ما خرّبه المرض، والرجل الأربعيني سليم كما لو لم يكن قد أصيب. يبقى فقط نحف شديد يُضفي عليه مظهراً زهديّاً ذا جمال غير عادي وفائق الطبيعة. ويحرّك ذراعيه، يجثو، ويُبارِك… لا يدري ما يفعل ليقول ليسوع إنّه يشكره. أخيراً يرى زهوراً في العشب، يقطفها، يُقبّلها ويرميها إلى ما بعد الصدع عند قدميّ المخلّص.

«هيّا بنا! أنتم الذين مِن عين جدي، امكثوا مع رئيس مجمعكم. ونحن، سنتابع سيرنا صوب مسادة.»

على الهضبة يبقى الأب والابن جالِسَين على حافة الصدع يتأمّل الواحد الآخر… وخلفهما يتجمّع الذين مِن عين جدي، هامِسِين بتعجّب. ينتظرون الفجر للعودة إلى البلدة مع بشرى الشفاء الـمُعجِز.

المصدر: موقع mariavaltortainarabic

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق