أعجوبة على تلّ الظهورات – ما قصة المرأة التي ضاعت على التلّة ومن هو الكاهن الذي ساعدها
نحن الآن في شهر يونيو/حزيران من العام 2001، في العيد العشرين لظهورات مديوغوريه. خوانيتا التي جاءت من كولومبيا، وجدت نفسها عالقة على تلّ الظهورات – بودبوردو . كانت تتبع مجموعتها وصلّت معها أمام الصليب الخشبي الكبير الذي يشرف على السر الثاني من أسرار الفرح للمسبحة الوردية. لقد تُوُفِّي زوجها منذ وقت قريب ولم تجد تعزية. كانت غارقة في ذكرياتها ففقدت الإحساس بالزمن بعض الشيء، وعندما فتحت عينيها، وجدت المجموعة قد انصرفت ووجدت نفسها وحيدة تمامًا وتائهة على هذا التل الغريب.
حالة الذعر التي كانت عليها لم تَدُم طويلاً إذ وصل في الحال تقريبًا أب فرنسيسكاني بالقرب من الصليب.
وسألته:
– “أيها الأب، هل يمكنك إرشادي إلى الطريق كي أجد المسار إلى الأسفل؟”.
– فقال لها: “لا تنزلي على الفور يا سيدتي، صَلِّي!”.
– “ولكني صلّيت…”.
– “صَلِّي أكثر، ابقي أيضًا قليلاً!”.
ولمّا رأت وداعة هذا الكاهن ونظْرته التي تشع نورًا، انتهزت الفرصة لتسأله أسئلة حيوية بالنسبة لها. “ماذا قالت السيدة العذراء عن الموت، العناية الإلهية، المَطْهَر، الصلاة، الألم؟”. وها هو الأب الفرنسيسكاني ينطلق في تلقين تعليم مسيحي رائع وينقل لها جوهر تعليم العذراء نقطةً بنقطة. ولمّا رأت بشكل قاطع أن هذا الكاهن يتنفس نورًا، فتحت له قلبها وسردت في بضع عبارات الوضع المؤلم للغاية الذي تعيشه. كانت متزوجةً منذ عشرين عامًا من رجل كان قد تزوج قبلها في الكنيسة، وظلت بعيدة عن الأسرار، ثم انتهى بها الأمر إلى ترك الكنيسة. وقد استغرقت في الخطيئة التي زاد عليها الحزن السرمدي لفقدانها الشخص الذي تعتبره حبّ حياتها.
كان هذا الأب الفرنسيسكاني يتحدث الإسبانية بطلاقة، وكان هذا أمرًا جيّدًا! لقد أسدى لها نصائح قيّمة ودعاها لأن تبدأ في وضع السيد المسيح في المقام الأول من حياتها، إذ أن هذا من شأنه إدخال السلام إلى قلبها. استغرق هذا الحوار غير المتوقَّع ساعتين وبات يتعيّن على خوانيتا اللحاق بمجموعتها. طلبت من الكاهن إن كان بإمكانها الاعتراف بعد عشرين عامًا من البُعد. فقال لها: “اذهبي بالأحرى إلى كراسي الاعتراف حول الكنيسة. في كرسي الاعتراف الثاني بعد تمثال القديس ليوبولد مانديك، يوجد كاهن يتحدث الإسبانية ويمكن أن يستمع إلى اعترافك. ثم اذهبي إلى القداس وتناولي. سيكون يسوع فَرِحًا جدًّا برجوعك إليه!”.
قد تبدّل قلب خوانيتا بالفعل. ونزلت مسرعة من الجبل بحماس وهي تقفز على الحجارة بخفة قلب متحرر وكل كيانها يشتعل بفرحة لم تعرفها من قبل، أثناء توجهها إلى الكنيسة.
وجدت الكاهن وأدلت باعتراف عميق بكل قلبها، وتلقّت الحلّ من الخطايا ودخلت إلى الكنيسة لتعيش فيها أحلى قداس في حياتها. وعند رجوعها إلى الفندق، وجدت حجاج مجموعتها وتناولت العشاء معهم. كيف لها أن تخفي عنهم الخبرة الرائعة التي عاشتها للتو فوق تل الظهورات؟ فجعلت خوانيتا تسرد بالتفصيل حوارها مع الأب الفرنسيسكاني وصوتها يرتعش من التأثر. ألم تأخذ حياتها منعطفًا جديدًا؟
قالت لهم: إذا أراد أحد منكم فَهْم الرسائل وتَلَقِّي نصائح لحياته، أنصحكم بالذهاب إلى هذا الأب الفرنسيسكاني. هو رائع. ثم إنه يتحدث لغتنا بطلاقة وهذا شيء نادر هنا!”.
فسأل بابلو، المسؤول عن المجموعة: “ما اسمه؟”.
– “آه، للأسف، نسيت تمامًا أن أسأله عن اسمه! ولكن بما أنه أب فرنسيسكاني، فحتمًا سنجده غدًا في محيط الكنيسة”.
انتهى العشاء، وكان الاحتفال إذ فتحت خوانيتا أعينهم على جمال بعض الرسائل التي لم يكونوا قد استوعبوها بعد. وحانت الآن ساعة الصلاة الأخيرة قبل النوم. اصطفت المجموعة في حلقة وأخذت تصلي المسبحة مرة أخيرة. ثم قام بابلو بتوزيع صورة على كل واحد منهم مكتوبة عليها صلاة تأمل جميلة جدًّا. سوف يقومون بتلاوتها معًا ختامًا للسهرة. تلت خوانيتا الصلاة وأدارت الصورة. وصرخت بعينين واسعتين: “إنه هو، إنه هو الذي كان معي على الجبل، إنه هو، لقد تعرّفت عليه!”.
وفي هذه اللحظة، وتحت تأثير الصدمة، هرول بابلو إلى المطبخ، إذ لم يستطع حبس دموعه. وتساءل الجميع عن الذي قد يكون أصابه. أُتِيح لخوانيتا الوقت الكافي لتلاحظ التعبير الصادر عنه وتساءلت: “ماذا فعلت؟ من يكون هذا الكاهن؟ ما المشكلة؟”. ثم استدارت نحو أختها بنظرة كلها تساؤل. وبصوت مِلؤه التأثر، أجابتها أختها: “خوانيتا، إنه الأب سلافكو بارباريتش، وقد تُوُفِّي منذ ستة أشهر!”. ولم تعد تستطيع التحدث في الأمر أكثر من ذلك، إذ بدورها انقبض حلقها وامتلأت عيناها بالدموع. أمام هذه المعجزة، لم تَدْرِ إن كان عليها أن تضحك أم تبكي من الفرحة.
سمع الجميع هذا الحديث ودب صمت عميق بين مجموعة الحجاج. إلى اليوم، وبعد كل هذه السنوات، لا يزالون يتذكرون تلك النعمة الجزيلة التي اختصتهم بها السماء: ظهر قديس لجوانيتا، هذه النعجة الضالة التي اصطحبوها معهم رحمةً لإخراجها من كآبتها.