غلوريا بولو

1- غلوريا بولو – ضربة الصاعقة

غلوريا بولومقدّمة
إذا كان أحد عندهُ شكّ، أو يظن أن الله ليس موجود، وإن الحياة الثانية هي خيال الأفلام السّينمائية، أو أن مع الموت ينتهي كل شيء، إفعل معروف لنفسك واقرأ هذه الشهادة! ولكن إقرأها من بدايتها الى نهايتها!
بالتأكيد إن رأيك الذي يمكن أن تغمرهُ أكبر الشكوك، سوف يتغيّر! نحن نتعامل هنا مع حادثة وقعت بالفعل! غلوريا بولو، إمرأة ماتت بالفعل، انتقلت الى العالم الآخر ثم عادت الى الحياة لتعطي شهادتًها للشكّاكين.
الله يهبنا إثباتات جمّة، لكننا دائماً ننكر وجوده.
غلوريا بولو تعيش الآن في كولومبيا، وهي تواظب على العمل نفسه التي كانت تمتَهنهُ قبل هذه الحادثة. عاشت خوف عظيم، أما الآن هي تعيش حياة مستقرّة، وهذا الفارق هو نتيجة أنها الآن امرأة ذات إيمان كبير! هي تجول البلاد لإعطاء شهادتها للآلاف، لتُتم المهمة التي ائتمنها عليها الله .
لها إذن السلطات الكنسيّة من أجل هذا.
هذه نسخة عن إحدى شهاداتها، أدلتْ بها في إحدى كنائس كاراكاس (فينيزويلا) في 5 آيار 2005 وقد تُرجمت أصلاً من الإسبانية (النسخة الأصلية).
انها حادثة أكيدة وموثوق بها! ليست زيفْ!
شهادة غلوريا بولو
صباح الخير، إخوتي. انه لشيءٌ جميل لي أن أكون هنا، لأُشارك معكم هذه النعمة الرائعة التي وهبني إياها الرب.
ما سأسردهُ لكم حدث في 5 أيار، 1995 في جامعة بوغوتا الوطنية، بدأ من الساعة 4:30 بعد الظّهر.
أنا طبيبة أسنان. كنتُ أنا وقريبي البالغ من العمر 23 سنة، وهو أيضاً طبيب اسنان، ندرس لإكمال إختصاصنا. في هذا اليوم، والذي كان يوم الجمعة، عند الساعة 4:30 بعد الظهر تقريباً، كنّا نمشي مع زوجي نحن الثلاثة معاً باتجاه كلّية طب الأسنان بحثاً عن بعض الكتب التي نحتاجُها. أنا وقريبي تحتَ مظلّة صغيرة أما زوجي كان يرتدي معطفاً شتوياً وليحتمي بشكل أفضل كان يسير بجانب حائط المكتبة العامّة.
كنّا نقفز نحن الإثنان من جهة الى أخرى لتجنّب برك الوحل دون أن نبتعد عن الأشجار. وبينما نحن نقفز عن إحدى برك الوحل الكبيرة، أصابتنا صاعقة التي أودتنا على الأرض مفحّمَيّن. مات قريبي على الفور. دخلتْ إليه الصاعقة من الخلف، حارقةً إياه من الداخل بالكامل، وخرجت من رجلَيْه، وتركته غير ممسوس من الخارج. بالّرغم من صغر عمره، كان شاب مؤمن جداً. كان له تعبّد عظيم للطفل يسوع وكان دائماً يضع له ميدالية من البلّور حول عنقه. قالت السلطات أن البلّورة هي التي جذبت الصاعقة الى قريبي، لأنها دخلت حتى القلب حارقتاَ كلّ شيء…
غير ملموس من الخارج، تعرّض فوراً لذبحة قلبية ولم يستجب لعمليات الإنعاش التي قام بها الأطبّاء، وتوفّي على الفوْر.
أما بالنسبة لي، دخلت الصاعقة من الكتف حارقةً بشكل هائل جسدي بكامله، من الداخل والخارج؛ باختصار اختفى لحمي بالإضافة الى صدري، خاصة الذي الى جهة اليسار، تاركةً ثقب. لقد سبَّبتْ إختفاء لحم بطني، ساقَي، ضلعَي، محَت الكبد، حرقت الكلى الإثنين بشكل خطر، الرئتَين، المبيضَين… وخرجت من خلال رجلي اليمين. لمنع الحمل كنت أستعمل جهاز لولب بشكل وبسبب المادة المصنوع منها (النحاس) وهي مادة حامية جاذبة للكهرباء، فالصاعقة فحّمت وسحقت أيضاً المبيضَين الّلتَين أضحتا كحبّتَي عنب. مكثتُ في ذبحة قلبية، تقريباً بدون حياة والجسد يقفز بسبب الكهرباء التي لم تزل في ذلك المكان.
هذا الجسد الذي ترَونه هنا الآن والذي أُعيد تركيبه، وهو نتيجة رحمة ربّنا.
العالم الآخر
و لكن هذا كان الجزء المادي…….
الجزء الجيّد هو أن، عندما كان جسدي ممدّد هناك ومفحّم، في هذه اللحظة وجدتُ نفسي داخل نفق أبيض جميل من الضوء، ضوء رائع، جعلني أشعر بفرح، بسلام، بسعادة لا أجد كلمات لأصف عظمة هذه اللحظة. كانت نشوة حقيقيّة. نظرت، وفي نهاية هذا النفق رأيتُ ضوء أبيض لأعبّر عن لون، لكننا نتكلم عن ألوان لا يمكن مقارنتها بالّتي موجودة على الأرض. كان لون فاتن، شعرت منه بنبع سلام، حب، ضوء………
عندما صعدتُ في النفق باتجاه الضوء، قلت لنفسي: “كارامبا، أنا ميتة !”
عندها فكّرتُ بأولادي وتأوّهت: “الويل لي، يا الهي، أولادي الصغار! ماذا سيقول أولادي؟ هذه الأم المشغولة دوماً التي لم يكن لدَيها وقت قط لأجلهم….”
بالفعل، أترك البيت باكراً كل صباح، ولا أعود قبل الحادية عشر ليلاً.
و هكذا رأيتُ واقع حياتي، فغمرني حزنٌ شديد، لقد هملت بيتي مصمّمةً لأغزوَ العالم، ولكن بأي ثمن!…….
وضعتُ منزلي وأولادي في المرتبة الثانية!……
خلال هذه اللحظة من الفراغ بسبب غياب أولادي، لم أعد أشعر بجسدي بعد، ولا حتى مقاييس الزمان والمكان، نظرتُ ورأيتُ شيئاً جميالاً جداً: رأيتُ كل الأشخاص الذين مرّوا في حياتي….
بلحظة واحدة، وبالّلحظة ذاتها، كل الأشخاص، الأحياء منهم والأموات. كنتُ قادرة أن أعانق أهل أجدادي، جدي وجدّتي، أمي وأبي(المتوفّين)… كل واحد منهم! كانت لحظة كمال، رائعة. فهمتُ عندها أنّني قد خدعتُ نفسي بقصّة التقمّص: لقد قيل لي أن جدّتك قد تقمّصت، لكن لم يقال لي أين. وعندما كلّفتني هذه المعلومة الكثير من المال، عدلتُ عن الموضوع ولم أغص أكثر في البحوثات لأعرف بمن قد تقمّصت. لقد دافعتُ عن نظرية التقمّص….
أما الآن، هناك، لقد عانقتُ جدّتي وأهلها للتوْ….
عانقتُها بشدّه، وهكذا فعلت مع كل الأشخاص الذين عرفتهم، أحياء وأموات، والكل في لحظة واحدة. ابنتي دولّي،عندما عانقتُها، اجتاحَها الخوف: كانت في التاسعة من العمر، وقد أحسّت عناقي لها، لأنه كان باستطاعتي أن أعانق الأحياء أيضاً (و لكن، قياسياً، لا تستطيع الإحساس بهذا العناق). بالكاد أدركتُ مرور الوقت خلال هذه اللحظة الجميلة جداً. أما بعد الآن ولم يعد لي الجسد، كان من المدهش أن أرى الأشخاص بطريقة جديدة.
قبلاً، بالفعل، كنتُ أعرف فقط كيف أنتقد: اذا كان هذا سميناً، ضعيفاً، بشع، جذّاب، غير جذّاب …..الخ
عندما أتكلّم عن الآخرين، كنت لأنتقد شيئاً دوماً. أما الآن لا: الآن أنا أرى الأشخاص من الداخل، وكان هذا جميلاً جداً… عندما عانقتهم رأيت أفكارهم، ومشاعرهم.
لذا أكملتُ المضي، ملءي السلام، سعيدة، وكل ما مضيتُ صعوداً، كان ينتابني شعور أكبر بأنني سوف أرى شيئاً جميلاً جداً، وبالفعل، باتجاه القمّة، شاهدتُ بحيرة جميلة…. نعم! رأيتُ بحيرة مدهشة، أشجار وبغاية الجمال، رائعة…. وأزهار رائعة الجمال، من كل الألوان، ذات عطر نفيس، مختلفة جداَ عن أزهارنا… كل شيء كان بغاية الجمال في هذه الحديقة المدهشة، الرّائعة… لا نجد الكلمات لوصفها، كل شيء كان حب.
كان هناك شجرتان، الى جهة شيء ما يشبه مدخل. كل شيء مختلف جداً عن كل ما نعرفه هنا: لا يمكن أن تجد في العالم ألوان مشابهة، أما هناك في الأعلى كلّ شيء بغاية الجمال!…. وبهذه اللحظة بالذات دخل قريبي الى هذه الحديقة الرائعة….
علمتُ! شعرتُ أنه لا يمكنني، لا أستطيع الدخول الى هناك….
 العَوْدة الأولى
بهذه اللحظة نفسها سمعتُ صوت زوجي. هو ينوح ويبكي بمشاعر عميقة، ويبكي، غلوريا !!! غلوريا! أرجوكِ لا تتركيني! أنظري الى أولادكِ، أولادكِ بحاجة إليكِ! غلوريا، عودي! عودي! لا تكوني جبانة! عودي!
سمعتُ كل شيء ورأيتُه يبكي بحزن شديد… وا أسفاه، في هذه اللّحظة منحَني ربّنا الرَّحيل… لكنني لم يكن بودّي أن أعود! ذلك السلام، ذلك السلام الذي كان يلفّني، ابهرني! ولكن، رويداً رويداً، رحتُ أنزلُ مجدّداً في جسدي، الذي وجدتُه من دون حياة. رأيته بدون حياة على نقّاله للجامعة الوطنية للتمريض. رأيتُ الأطبّاء الذين كانوا يعطون صدمات كهربائية لجسدي، لينجدوني من ذبحة قلبية. أنا وقريبي بقينا أكثر من ساعتيْن ممدّديْن على الأرض، لأن جسدَيْنا كانا يُفرغان شحنات كهربائية، ولم يكن بالإمكان مسّهما. فقط عندما يتم تفريغ كل الشحنات الكهربائية بالكامل، يمكنهم معاينتنا. وعندها بدأوا سعيهم لإحيائي.
نظرتُ، وأرحتُ رجل نفسي (أيضاً النفس لها شكل بشري)، لمع رأسي وبعنف دخلت، لأن الجسد كأنه امتصني إلى داخله. كان هذا الدخول ذات ألم كبير: خرجَت شرارات من كل مكان ووجدتُ نفسي محشورة في شيء صغير جداً، (جسدي). شعرتُ وكأن جسدي، بهذا الثقل والقامة، دخل فجأة في جهاز للأطفال، لكنه من حديد. كان ألم فظيع، عندما شعرتُ بالألم العظيم للَحميَ المحروق، الجسد المحروق تماماً سبّب وجع لا يوصف، كان يلتهب بفظاعة ويَصدرُ منه الدخان والبخار…. سمعتُ الأطباء يصرخون: ” إنها تعود ! إنها تعود ! ”
كانوا سعداء جداً، لكن وجعي كان لا يوصف! رجلَيّ كانتا سوداوان بشكل مخيف، كان هناك لحم حيْ على جسدي وعلى ذراعَيْ!
مشكلة الرجليْن كانت معقدة عندما أخذوا بعَين الأعتبار إمكانية بترهما!
… ولكن بالنسبة لي كان هناك ألم فظيع من نوع آخر: زوال إمرأة أرضية، وامرأة مِقدامة، مثقّفة، التلميذة …. عبدة للجسد، للجمال، للموضة، خصّصت أربعة ساعات كل يوم للرياضة البدَنية، أخضعتُ نفسي للحصول على جسدٍ جميل، خضعتُ لجلسات تدليك، حميًات، حقن….
بالعموم، كل ما يمكنكم أن تتخيّلوه. هذه كانت حياتي، روتين عبودية من أجلِ جسدِ جميل. كنتُ أقولُ دائماً:
“إذا عندي صدرَيْن جميلَين، يجب إبرازهما، لمَ إخفاءهما؟ ”
قلتُ الشيءَ نفسه عن ساقَيْ، لأنني كنتُ أعلم أن لديّ ساقيْن تبهج النظر، عضلات بطن حسنة….. ولكن بلحظة، رأيتُ برعب كيف أن حياتي كانت اهتمام متواصل وغير مجدي للجسد…. لأن هذا كان صُلب حياتي، وحبٌ لجسدي.
و الآن، لم يعد لديَّ جسد! مكان النهدَيْن كان هناك ثقبَيْن مرعبَيْن، اليسار خاصّة، الذي اختفى فعلياً. الساقَيْن كانتا منظر لا يفوّت، كسور ولكن من دون لحم، سوداء كالفحم.
ملاحظة:
أجزاء الجسد التي كنتُ أهتم بها، والمعتبَرَة الأكثر، هي بالذات التي احترقت بالكامل وحرفيا بلا لحم.
غلوريا بولو
 في المستشفى
عندما أخذوني إلى الضّمان الإجتماعي، حيث خضعتُ للعملية فوراً، وبدأوا يزيلون النسيج المحروق.
عندما كانوا يخدّروني، خرجتُ مجدداً من جسدي، قلقة بشأن ساقَيْ، في هذه اللحظة نفسها، المرعبة والمفزعة….
لكن أولاً عليّ أن أخبركم بشيءٍ، إخوتي: كنتُ كاثوليكية ذات حميّة، بمعنى أنني كنت طيلة حياتي، أمارس علاقتي بالله من خلال 25 دقيقة لقدّاس الأحد، وهذا كلّ شيء. كنتُ أقصد القدّاس حيث الكاهن الذي يعظ أقل، لأنني كنتُ أسأم!
يا للضيق الذي كنتُ أشعر به، مع هؤلاء الكهنة الذين يطيلون الوعظ! هذه كانت علاقتي بالله ! لهذا فإن التيارات الدنيوية تخدّرني. خسرتُ حماية الصلاة وكذلك الإيمان، حتى خلال القداس!
في يوم ما، عندما كنتُ أدرس للإختصاص، سمعتُ كاهن يؤكّد عدم وجود جهنّم، ولا حتى الشّياطين! كان هذا بالضبط ما كنتُ أريد سماعه! فافتكرتُ على الفور: “إذا كانت الشّياطين غير موجودة، وليس هناك جهنّم، إذاً كلنا نذهب إلى الجنّة! لذا، ماذا هناك لنخافه بعد؟
أما الذي يحزنني الأكثر، وأعترف به لكم بخجلٍ كبير، هو أن الرابط الوحيد الذي لا يزال يربطني بالكنيسة، هو الخوف من الشّيطان.
فعندما سمعتُ أن الجحيم غير موجود، قلتُ فوراً: “جيد جداً، إذا كنّا كلّنا نذهب إلى الجنّة، فإنه غير مهم ما نحن عليه أو ما نفعله!”
هذا ما حدّد ارتحالي النهائي عن الرب، أبعدتُ نفسي عن الكنيسة وبدأتُ أتكلّم برداءة، بلعنات…..الخ
لم يعد بي أيّ خوف من الخطيئة، ثم رحتُ أدمّر علاقتي بالله. بدأتُ أقول للكل أن الله غير موجود، وهي من اختراعات الكهنة، وهي المعالجة التي تديرها الكنيسة، وأخيراً…. وصل بي الحال قولي لزملائي في الجامعة أن الله غير موجود، وأننا نتاج التطور …. الخ ناجحة في التأثير على أشخاصٍ كثر.
و لنعد الآن إلى غرفة العمليات: عندما  رأيتُ نفسي بهذه الحالة، يا له من خوف! رأيتُ أخيراً أن الشّياطين موجودة، وكيف، وقد جاءوا يبحثون عني أنا بالتحديد !
جاءوا يبرزون لي الحساب، بالإمكان القول، ما دمت قد قبلت عروضهم للخطيئة ! وهذه العروض ليست مجّانية! علينا تسديد الحساب! فخطاياي أعطت نتائجَها…
في هذه اللحظة، عندها، بدأت أرى أشخاص كثر يخرجون من حائط غرفة العمليات، شبه معروفون ظاهرياً، عاديون، ولكن بنظرةٍ ملؤها الكره، شيْطانية، مخيفة، جعلت روحي ترتجف: أدركت فوراً أننا في حضرةِ شياطين.
كان بداخلي إدراك خاص: فهمت بالفعل أنني كنت مدينة بشيءٍ ما لكلٍّ من هؤلاء، تلك الخطيئة ليست مجّانية، وبأن كذبة الشيطان الأساسية هو القول بأنه غير موجود: هذه هي إستراتجيّته الفضلى ليفعل ما يريده بنا.
أدركت أنه بلى، هو موجود، وقد جاء يحاصرني، يطلبني! فقط تخيّلوا الخوف، الرّعب!!!
إن عقليَ العلمي والمثقف، لم ينفعني البتّة الآن. رحت أدورُ في الغرفة، محاولةً العودة داخل جسدي، لكن لحمي لم يستقبلني، وكان الخوف مرعب! انتهى بيَ الأمر هاربة بأسرع ما أمكنني، مررت من خلال حائط غرفة العمليات، لا أعرف كيف فعلت هذا، متأمّلةً الإختباء في مماشي المستشفى، ولكن عندما قطعت الحائط، هبطت، كنت قد خطوت في الخلاء….! اتجهت نحو جملة من الأنفاق والتي هبطت بي باتجاه القعر.
في البداية كان لم يزال هناك بعد القليل من الضوء، ومثل خليّة كان هناك الكثير من الناس: شباب، عجزة، رجال، نساء الذين كانوا يبكون وبصرخات مخيفة كانوا يصرّون أسنانهم….و أنا، في ملءِ الرعب، تابعتُ الهبوط، باحثةً الخروج من هناك، بينما كان الضوء يضمحلّ روَيداً روَيدا.
رحت أطوف هذه الأنفاق في عتمةٍ مخيفة، إلى أن وصلتُ إلى ظلمة لا يمكن مقارنتها بشيء…. ما يمكنني قوله، مقارنةً، أن الظلمة الحالكة على الأرض ليست سوى ضوء شمس الظهيرة. هنالك في الأسفل، تلك الظلمة ذاتها تصدر ألم، رعب، حياء، تُنتن بفظاعة.
إنها ظلمة حيّة نعم، إنها حيّة : هناك، العقل يموت أو ساكن. عند نهاية هبوطي، قاطعةً كل تلك الأنفاق، وصلت إلى مكان منبسط.
كنتُ متهوّسة، وبإرادةٍ حديدية بأن أخرج من هناك، الإرادة ذاتها التي كانت لي للتقدّم خلال حياتي، ولكن الآن لم تساعدني البتّة، لأنه هناك كنت وهناك مكثت.
عند مرحلة معيّنة، رأيت الأرض تنفتح، مثل فمٍ عظيم، ضخم! كانت حيّة! حيّة! شعرت بجسدي فارغ، فارغ بطريقة مفزعة، وتحتي هوّة مخيفة غير معقولة، مرعبة: وما أقشعرّني أكثر هو أن من هناك للأسفل لا يمكنك الشعور حتى بالقليل من الحب، ولا حتى قطرة أمل. كان لهذه الهوّة قوّة إمتصّتني إليها. مثل امرأة مجنونة استغثت، مرعوبة، مدركةً الخوف والهلع أنني غير قادرة تجنب هذا الهبوط، لأنني أدركت بأنني أنزلق فيه دون إمكاني فعل أي شيء وأي مقاومة….
فهمت بأنني متى دخلت، لن أمكث هناك، لا بل سأسترسل بالهبوط، دون أن يكون لي أيّ فرصة للعودة خارجاً، هذا ما كان عليه الموت الروحي لنفسي.
الموت الروحي للنفس: كنت قد هلكتُ للأبد وهذا لا يعوّض. ولكن في هذا الهلع العظيم جداً، بالضبط عندما كنت على وشك الدخول, أمسكني الملاك الحارس ميخائيل من رجلَيّ… دخل جسمي في هذه الهوّة، لكن الرجلَيْن ما زالت ممسوكة في الأعلى. كانت لحظة مريعة ومؤلمة حقاً. عندما وصلتُ هناك، فبقيّة النور الذي ما زال في روحي أزعج هؤلاء الشياطين: كل الكائنات الدّنسة المرعبة القاطنة هناك، هاجمتني على الفور. كانت تلك الكائنات المرعبة تشبه اليرقات، مثل مصّاصات الدماء كانت تحاول صدّ وحبس هذا النّور. تخيّلوا الهلع في رؤية نفسي مغطّاة بمثل هذه المخلوقات….
كنت أصرخ ! كنت أصرخ كامرأة مجنونة ! تلك الأشياء كانت تحرقني! إخوتي، إنها ظلمة حيّة، انه الكره الذي يحرق، والذي يلتهمنا، الذي يعرّينا. ما من كلمات يمكنها وصف هذا الرعب!

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق